Home سياسة المقابر الجماعية في غزة بين الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية

المقابر الجماعية في غزة بين الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية

119
0

بالصدفة اكتشفت طواقم وزارة الصحة الفلسطينية والدفاع المدني إعداد الجيش الإسرائيلي مقابر جماعية لدفن الضحايا والقتلى الذين سقطوا أثناء الاجتياح البري لقطاع غزة، وأثار هذا الخبر غضب السكان المحليين، حتى إن الولايات المتحدة والمؤسسات الدولية والأمم المتحدة أعربت عن فزعها من هذا الإجراء.

وأثناء الحرب الدامية اضطر الغزيون إلى إعداد مقابر جماعية بعد تعذر وصولهم إلى المدافن الرسمية نتيجة القتال العنيف وعدم وجود متسع فيها، ودشنوا تلك القبور في المستشفيات والمدارس والأماكن العامة.

وعلى الطريقة نفسها أعد الجيش الإسرائيلي مقابر لمواراة جثث لقتلى غزيين تحت الثرى، لكن ما الهدف من تدشين جنود تل أبيب مقابر جماعية؟ وهل تحاول إسرائيل إخفاء انتهاكات ما؟ ولماذا فزع سكان غزة والعالم من إعداد إسرائيل مقابر جماعية في غزة؟

قصة اكتشاف المقابر

بدأت القصة عندما تولى فريق الدفاع المدني مهمة تنظيف مستشفى ناصر الطبي (المرفق الصحي الرئيس لمدينة خان يونس جنوب القطاع) من مخلفات الحرب، وذلك بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المحافظة إثر انتهاء العمليات العسكرية هناك.

 

 

وأثناء عملية إعادة تأهيل مستشفى ناصر عثر فريق الدفاع المدني على جثث مدفونة بصورة جماعية في ساحة المرفق الطبي، وعلى الفور تدخل فريق وزارة الصحة، وبدأت عملية انتشال الجثامين، ونقلها إلى مدافن رسمية.

من المقابر الجماعية المكتشفة في مجمع ناصر الطبي انتشلت الفرق نحو 392 جثماناً، وواجه المتخصصون صعوبات كبيرة في التعرف على 165 جثة وجرى تصنيفهم أنهم مجهولو الهوية، وذلك بسبب تغيير إسرائيل مظاهر العلامات الخاصة للتعرف على الجثث وتشويهها، بحسب الدفاع المدني.

هل تحاول إسرائيل إخفاء انتهاكات؟

يقول المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل “حاصرت إسرائيل مستشفى ناصر أياماً معدودة، لكن خلال تلك الفترة لم يسقط أي قتيل، ولم يتم تدشين أي مقابر جماعية في المرفق الصحي، وبعد اقتحام الجيش للمؤسسة الطبية وانسحابه وجدنا مقابر مدفون بها المئات، لقد قتلت إسرائيل أقل من 400 شخص كانوا في المجمع ودفنتهم”.

 

 

ويضيف بصل “غالب الجثامين التي تجرى انتشالهم تعود لنساء وأطفال، وهذا يعني أنهم مدنيون وليسوا مقاتلين، لقد تعمدت إسرائيل جرف الجثث ودفنها، بينما لم تكن تفعل ذلك في مرات سابقة، إذ تترك القتلى على الأرض وتغادر المكان”.

على عمق 30 متراً في ساحة مستشفى ناصر وجدت طواقم الإنقاذ الجثث، وهذا عمق كبير لا يستخدم عادة في حفر القبور ودفن الموتى، والذي عادة ما يتم على عمق متر واحد، وكانت الجثامين مكدسة فوق بعضها بعضاً، وهذا يوحي أن عملية الدفن لم تتم بالطريقة الإسلامية التي يتبعها سكان غزة أثناء مواراة الموتى الثرى.

ويؤكد مدير دائرة الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني محمد المغير أن هذه المقابر أنشئت أثناء الوجود الإسرائيلي على أرض المستشفى، لكن يراوغ قليلاً في شأن إذا كانت إسرائيل قد دشنت هذه المدافن، ويقول “من غير الواضح من قام بحفرها هناك شواهد على قبور مكتوب عليها باللغة العربية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشيء الوحيد الذي يجزم الدفاع المدني أنه متأكد منه أن أصحاب الجثامين قتلوا إعداماً وسرق منهم أعضاء أجسادهم. يقول المغير “هناك مؤشرات إلى وجود شبهات تنفيذ إعدامات وممارسة التعذيب الجسدي ودفن بعضهم أحياء”.

ويضيف المغير “بعض الجثث كانت مربوطة اليدين بمرابط بلاستيكية، وبعض القتلى كانوا يرتدون ملابس الاعتقال البيضاء، هناك جثث لاحظنا أن بطنها مفتوح ومخيط بطريقة تخالف أسلوب قطب الجروح، رصدنا جثة لأحد المواطنين يرتدي ملابس عمليات ما يثير الشكوك حول دفنه حياً، وهناك طفلة بها علامات إصابة بطلق ناري بالرأس، مما يثير الشكوك على إعدامها”.

طلب تحقيق واسع

بمجرد ما اكتشفت السلطات الفلسطينية تدشين إسرائيل مقابر جماعية قررت هيئة الأمم المتحدة إجراء تحقيق دولي سريع وواسع للوقوف على ملابسات الحادثة، وطلبت من وزارة الصحة الفلسطينية الاحتفاظ بالأدلة المتعلقة بالمقابر الجماعية.

تقول المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان رافينا شمداساني “لقد تحققنا من وجود مقابر جماعية في مستشفيين داخل قطاع غزة، لكن حتى اللحظة لا يمكن الجزم بأن إسرائيل أقامت هذه المدافن”.

 

 

وتضيف شمداساني “كانت أيدي بعض الجثث مقيدة فيما يشير بالطبع إلى انتهاكات خطرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتعين إخضاع هذا لمزيد من التحقيقات”.

وباختصار تقول مديرة الأبحاث والمناصرة في منظمة العفو الدولية إريكا جيفارا روساس “هناك جرائم فظيعة كامنة وراء هذه المقابر الجماعية، يجب التحقيق بالأمر”.

ماذا يعني تدشين مقابر جماعية؟

في الحقيقة لا يوجد تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي، ولم يتم ذكرها في قوانين الحرب، ولا حتى في ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أن اكتشاف مقابر جماعية أقامها العدو في الحرب يعد أمراً يوحي بوجود جرائم.

يقول متخصص القانون الدولي أمين فايق “الكشف عن مقابر جماعية يقودنا إلى جرائم حرب محتملة، وفقاً للقوانين الدولية لا يدفن العدو جثامين عدوه، لأن في ذلك تدنيس للرفات البشرية، كما أنه يمكن اعتبارها محاولة للتستر على جرائم القتل غير القانوني”.

ويضيف فايق “بحسب معاينة المقابر المكتشفة فإن إسرائيل ضالعة في جرائم، إذ هناك أشخاص مقيدة أيديهم خلف ظهورهم، ومن هذا يمكن التوصل إلى أن الموتى لم يكونوا نشطين في القتال، وبموجب النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية، يعد قتل أو جرح مقاتل أثناء الاحتجاز جريمة حرب”.

رواية إسرائيلية

وفي رواية أخرى لإسرائيل يقول المتحدث باسم الحكومة ديفيد مينسر “قواتنا وجدت مقابر جماعية في مجمع ناصر الطبي وجرى فتحها قبل اجتياح خان يونس، وفي إطار عملياتنا العسكرية استخرج الجنود الجثامين لفحصها”.

 

 

ويضيف مينسر “جرى فتح القبور في إطار البحث عن رفات الرهائن الذين أسرتهم (حماس)، تم فحص الجثث بطريقة محترمة وأعدنا الجثامين التي لا تنتمي إلى الرهائن الإسرائيليين إلى مكانها، أما الاتهامات الموجهة للجيش بدفن جثث فلسطينيين لا أساس لها من الصحة وكاذبة”.

ومن الجيش الإسرائيلي رفض المتحدث باسمه نداف شوشاني الاتهامات الموجهة لقوات بلاده في شأن قتل فلسطينيين في غزة ودفنهم بطريقة جماعية، وشدد على أن فرقه العسكرية تلتزم قانون الحرب.

ويقول شوشاني “نحن ملتزمون في القانون الإسرائيلي الذي ينص على عدم دفن القتلى الفلسطينيين بطريقة جماعية، وملتزمون القانون الذي يشدد على أن الرفات تسلم إلى السلطات الفلسطينية، وأن من صلاحية الأخيرة تنفيذ إجراءات الدفن”.

وأثارت هذه القضية الولايات المتحدة، وعلى رغم تبرير إسرائيل للموقف، فإن مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان قال “نحن نتواصل مع المسؤولين الإسرائيليين في شأن التقارير المزعجة للغاية عن العثور على مقابر جماعية في غزة، نريد إجابات. نريد أن نفهم بالضبط ما حدث”.