Home سياسة ماذا تقول لنا نتائج الانتخابات البرلمانية في إيران والأحواز؟

ماذا تقول لنا نتائج الانتخابات البرلمانية في إيران والأحواز؟

12
0

تم الإعلان عن نتائج الدورة الـ12 للانتخابات البرلمانية في إيران التي جرت يوم الجمعة الماضي حيث شهدت انحساراً غير مسبوق بمشاركة الناخبين، وصعود المحافظين الأكثر تشدداً في المنافسة التي حرم منها الإصلاحيون والمعتدلون الموالون للنظام. بلغ عدد المصوتين في الانتخابات البرلمانية نحو 25 مليون شخص قياساً بعدد المؤهلين للتصويت البالغ عددهم 61 مليون شخص أي أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية بلغت 41 في المئة، وهذا ما أعلنته الوكالات الحكومية وبالطبع تكتنفه الشبهة. لكن حتى لو آمنا بهذه النسبة فإنه للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات بالجمهورية الإسلامية الإيرانية تنخفض نسبة المشاركة إلى هذا المستوى، أي أن الرسم البياني يؤكد انخفاض المشاركة من 62 في المئة في الانتخابات البرلمانية عام 2016 إلى 42.4 في المئة في الانتخابات البرلمانية عام 2020 إلى 41 في المئة في العام 2024. إذ لم يشارك في هذه الانتخابات، الرئيس الأسبق وزعيم الإصلاحيين محمد خاتمي ورئيس وزراء السابق ميرحسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد، والاثنان يرزحان تحت الإقامة الجبرية منذ 15 عاماً. ومن ظواهر هذه الانتخابات هو العدد الكبير من الأصوات الباطلة التي حلت في مدينة يزد في المركز الثاني.

وقد انتقدت حتى الصحف الصادرة في الداخل أسلوب الانتخابات ونتائجها، ومنها صحيفة “ستارة صبح” التي قالت إن “الراديكاليين” أخذوا يسيطرون على البرلمان، وأشارت إلى الدعاية الكبيرة التي قام بها النظام لتحفيز الناس للمشاركة في هذه الانتخابات، على الرغم من إقرار الجميع بأنها كانت “الأكثر برودة والأقل مشاركة من قبل المواطنين”، وتساءلت الصحيفة: “كيف يكون البرلمان الذي تمخض عن هذه النسبة المنخفضة من المشاركين أن يقرر مصير الشعب الإيراني بأكمله”.

ووصفت صحيفة “هم ميهن” رفض المشاركة بالمقاطعة الكبرى “لاعتقاد المواطنين أن الانتخابات لا يمكن لها أن تحل مشكلة من مشاكل البلاد، وأن المشاركين لا يملكون هاجساً لحل أزمات المواطنين”.

وفي طهران الكبرى فاز رجل الدين محمود نبويان بأقل من 600 ألف صوت من أصل 7 مليون و775 ألفاً و357 شخصاً مؤهلاً للتصويت أي بنسبة 7.6 في المئة من كل عدد المؤهلين للتصويت في العاصمة الإيرانية، وفي مدينة شيراز – من أكبر المدن الإيرانية – فاز المرشح روح الله نجابة بـ 78 ألفاً و351 صوتاً أي نحو 5.6 في المئة من أصوات المؤهلين للتصويت في المدينة.

 

تعويل النظام على الحوافز القبلية والقومية

أدت هندسة الانتخابات من قبل غرف الفكر الأمنية للنظام إلى بعض المردودات إليه حيث شاهدنا في بعض المحافظات التي لعبت المنافسات القبلية دوراً مهماً في الانتخابات وكانت المشاركة في التصويت أكثر من سائر المحافظات، ومنها كوهكيلوية وبويرأحمد، وإيلام، ولورستان، لكن في مناطق القوميات غير الفارسية أو المختلطة إثنياً لم تعمل تلك الهندسة بل جاءت النتائج عكسية بالنسبة لما يريده النظام. فإذا استثنينا مدن أورمية، وماكو، ونقدة التي تضم أغلبية تركية أذرية وأقلية كردية ومنافسة إثنية حادة في إقليم أذربيجان، والتي فاز فيها الكرد بسبب مقاطعة الأتراك الأذريين للانتخابات، كانت المشاركة في سائر المدن والمحافظات غير الفارسية مثل عربستان وبلوشستان وأذربيجان الشرقية وكردستان منخفضة قياساً لسائر مناطق إيران. وهذا ينطبق أيضاً على أقاليم مختلطة الأعراق وذات وعي سياسي مرتفع ومعارضة واسعة للنظام كمحافظة طهران ومحافظة البورز وتضمان جاليات تركية أذرية وكردية وعربية أحوازية واسعة، وتعد الأخيرة الأقل مشاركة في إيران على الإطلاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وما ذكرناه هو فقط غيض من فيض مما يشهده المجتمع الإيراني من تناقضات وأزمات سياسية منها العمودي أي في داخل النظام ومنها الأفقي أي على مستوى الصراع بين الشعوب والجماهير المستاءة من جهة، والنظام من جهة أخرى، وهنا يتجلى عمق أزمة الشرعية التي يعاني منها النظام.

إقليم الأحواز ودلالات الانتخابات

يعد إقليم الأحواز الذي يصفونه رسمياً بخوزستان من أهم الأقاليم في إيران جيوسياسياً وجيواستراتيجياً، وذلك بسبب الغالبية العربية للسكان والثروات النفطية وغير النفطية التي تشكل النسبة الأكبر من ثروات إيران. فبعد قمعها للحراك الوطني إثر حادث المنصة في الأحواز في العام 2018 وخلقها بديل مزيف من شيوخ القبائل والعشائر وإثر المشاركة الضعيفة للإقليم في احتجاجات ومظاهرات عام 2022 المناوئة للنظام قياساً للمناطق الأخرى، توقعت الأجهزة السياسية والأمنية أن يشهد الإقليم مشاركة واسعة للعرب في الانتخابات البرلمانية، خاصة وأنها سمحت بترشح 220 شخصاً في دائرة الأحواز الانتخابية قياساً بـ 80 مرشحاً قبل أربع سنوات. في الحقيقة أنها عزفت على جميع الأوتار القبلية والإثنية وفتحت الطريق لبعض الشيوخ المنتمين لقبائل كبرى مثل بني كعب وبني لام وبني طرف للترشح في الانتخابات، بل وترشح أكثر من شخص من قبيلة واحدة، وقامت بتزكية شخصيات ثقافية وتكنوقراط سبق أن رفضت تزكيتهم في الانتخابات السابقة، وفي النهاية وبعد كل البيع والشراء للأصوات والتلاعب والتزوير (حسب بيانات المرشحين غير الناجحين) خرج من الصندوق ثلاثة أسماء: مجتبى يوسفي، وهو غير عربي، وسيد محسن موسوي زادة ومحمد أمير، وهما عرب، محسوبة على المتشددين في السلطة ومقربين من الأجهزة الأمنية. ويشكل غير العرب نحو 20 في المئة من مقاطعة الأحواز.

كما أدت الانتخابات في مقاطعة عبادان – الذي يقيم فيها نحو 25 في المئة من غير العرب – إلى فوز عربي ومصير النائبين الآخرين إلى الانتخابات التكميلية. وقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في محافظة الأحواز (خوزستان) 43 في المئة قياساً بـ 50 في المئة في الانتخابات التي جرت قبل 8 سنوات وهي لم تختلف كثيراً مما حصل يوم الجمعة الماضي في محافظات ذات تركيبة قومية غير فارسية، مثل سيستان وبلوشستان 43 في المئة، وفارس (مختلطة من فرس وأتراك قشقاويين) 43 في المئة، وجيلان 41.96 في المئة، وأذربيجان الشرقية 40.9، وطهران 34 في المئة، وكردستان 30.54 في المئة، وكرج 28.4 حسب الصحافة الإيرانية. لكن هذه النسبة كانت أقل على مستوى دائرة الأحواز الانتخابية (مدن الأحوازوالحميدية وكارون والباوي) إذ بلغت نحو 29 في المئة وهي أقل مشاركة شهدتها هذه المنطقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية. ولعب التنافس القبلي دوراً في ارتفاع المشاركة بعض الشيء في مدن كالخفاجية والفلاحية والسوس والمحمرة حيث لا يوجد فيها منافسة إثنية، وقد شاهدنا فوز المرشحين العرب هناك ومعظمهم من المقربين للأجهزة الأمنية والعسكرية.

 

قاطع العمال وفئات واسعة من الطبقة الوسطى الانتخابات البرلمانية، فيما شاهدنا مشاركة بعض النخب إلى جانب بعض المرشحين بحافز قبلي وعشائري لكن معظم المثقفين والنخبة الأحوازيين قاطعوا الانتخابات. كما أن الـ 29 في المئة الذين شاركوا وصوتوا للمرشحين هم من سكان القرى وفئات منتفعة من النظام كعوائل البسيج والأمن والحرس الثوري والموظفين الذين يرغبون في ختم هويتهم كي لا يتعرضوا للمساءلة وكذلك العوائل التي تقتات من معونات لجنة الإمام للإغاثة (كميته إمداد إمام) وهم بألوف العشرات.

وأظهرت هذه الانتخابات للعيان فشل المؤسسة القبلية – وعلى رأسها شيوخ العشائر – في التنافس مع الآخرين، إن كانوا ينتمون للمجتمع المدني كما شاهدنا في الانتخابات البرلمانية السادسة في العام 2000 وإن كانوا ينتمون للمتشددين في انتخابات 2024.

في انتخابات مجلس خبراء القيادة التي لم يهتم بها الناس قياساً بالانتخابات البرلمانية، فاز ثلاثة مرشحين عرب، عباس الكعبي، ومحسن حيدري آل كثير، وحسين رفيعي، ومن القومية اللورية أمير رضا هدائي، ومن دسبول علي شفيعي ومن تستر أبوالحسن حسن زادة. ورغم مقاطعة معظم الناس إلا أن عدد أصوات العرب – الكعبي وآل كثيري – كانت أكثر بكثير من المرشحين غير العرب، ويعتبر الكعبي من تلامذة رجل الدين المتشدد الراحل مصباح يزدي ومن المقربين لبيت علي خامنئي ويلعب دوراً هاماً في تعزيز الاتجاهات الموالية للنظام بين النخبة الأحوازية ويحارب دوماً القوى الوطنية والتقدمية والإصلاحية الأحوازية.

تداعيات الانتخابات

ما كان يخشاه المرشد السابق الخميني والمرشد الحالي علي خامنئي هو انحسار شعبية هذه الجمهورية الدينية، وقد وقع ذلك بالفعل إثر الأداء السيئ والاستبدادي للمرشد الأعلى ونظامه خاصة بعد الانتفاضات الشعبية التي شهدتها إيران في 2017 و2019 و2022 حيث انحسرت نسبة المشاركة مما يقارب 80 – 90 في المئة في أوائل الثورة وخلال فترة رئاسة خاتمي إلى 41 في المئة في الانتخابات الأخيرة. ويعرف حكام إيران أن هذه العملية ستتواصل وستتعمق كلما جرت انتخابات في إيران أياً كان نوعها.

 

وقد نُشر في الأيام الأخيرة فيديو للمرشد الأعلى علي خامنئي يستهزأ فيه خلال خطبة له في صلاة الجمعة قبل سنوات، من الدول الغربية لأن نسبة مشاركة المصوتين فيها يتراوح بين 30 و40 في المئة، وهو يعرف أن المشاركة بنسبة 50 في المئة تعني إزالة الشرعية من نظامه وحالياً وصلت هذه النسبة إلى 41 في المئة. ويرى بعض المحللين أن تقلص القاعدة الشعبية للنظام الإيراني تنذر بهبات وانتفاضات شعبية في الأعوام المقبلة يمكن أن تهدد وجود النظام الإيراني برمته.

ونظراً لكبر سن علي خامنئي، يتمتع مجلس خبراء القيادة بأهمية استثنائية لدوره في انتخاب المرشد المقبل وقد قام المتشددون بعدم تزكية المعتدلين بمن فيهم حسن روحاني لمنعه من دخول هذا المجلس الذي أخذ يسيطر عليه المتشددون الذين سيتمكنون من انتخاب أي مرشح لقيادة البلاد بدلاً من خامنئي بسهولة ومن دون عائق ولهذا الغرض تم تحديد الأدوار، فقد أوعز لمحمد علي موسوي الجزائري – إمام مدينة الأحواز السابق – أن يرشح نفسه في طهران بدل الأحواز التي كان أحد مندوبيها في مجلس الخبراء طيلة 45 عاماً ليتمكن متشددون آخرون أن يدخلوا المجلس من إقليم الأحواز، ويبدو أن الهدف هو انتخاب مجتبى خامنئي في حال وفاة والده. 

والأدهى أن مجلس صيانة الدستور لم يزك حسن روحاني للترشح في انتخابات مجلس خبراء القيادة رغم أنه كان أول شخص أطلق لقب الإمام على المرشد السابق الخميني، وكان نائب رئيس الفترتين الرابعة والخامسة من البرلمان الإيراني، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 15 عاماً (1989-2005)، ورئيساً للجمهورية لمدة 8 سنوات (2013-2021)، وعضواً في مجلس خبراء القيادة الإيراني لمدة 25 عاماً (1999-2024)، غير أن كل هذه السوابق الأمنية والسياسية التي قضاها لخدمة الجمهورية الإسلامية لم تشفع له لدى مجلس صيانة الدستور الذي رفض صلاحيته للترشح في انتخابات هذا المجلس التي جرت أيضاً يوم الجمعة الماضي.