Home سياسة المرض… قاتل جديد يطعن أهل غزة في صمت

المرض… قاتل جديد يطعن أهل غزة في صمت

17
0

يواجه سكان قطاع غزة المحاصرون الذين نجوا حتى الآن من القصف والنيران الإسرائيلية قاتلاً صامتاً غير مرئي يطاردهم الآن وهو “المرض”.

فقد قال 10 من الأطباء وعمال الإغاثة لوكالة “رويترز” إن نقص الغذاء والمياه النظيفة والمأوى أدى إلى وقوع مئات الآلاف في براثن الإصابة بصدمات، ولم يعد هناك مفر من انتشار الأوبئة في القطاع مع انهيار النظام الصحي.

وقال المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” جيمس إلدر في مقابلة أجريت أول من أمس “بدأت العاصفة الكاملة للمرض، والآن صار السؤال القائم هو إلى أي مدى سيزداد الأمر سوءاً”.

انهيار الخدمات

أظهرت بيانات من منظمة الصحة العالمية أنه في الفترة من الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى الـ10 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، قفزت أعداد حالات الإصابة بالإسهال لدى الأطفال دون سن الخامسة 66 في المئة لتصل إلى 59895 حالة، وزادت 55 في المئة بين بقية الفئات من السكان في الفترة نفسها، وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة إن الأرقام غير مكتملة حتماً، نظراً إلى انهيار جميع الأنظمة والخدمات في غزة بسبب الحرب.

وقال رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس بجنوب غزة أحمد الفرا، إن القسم مكتظ بالأطفال المصابين بالجفاف الحاد الذي يؤدي إلى الفشل الكلوي في بعض الحالات، فيما تفاقم عدد حالات الإصابة بالإسهال الحاد إلى أربعة أمثال العدد المعتاد.

وأضاف الفرا أنه علم بوجود 15 إلى 30 حالة إصابة بالتهاب الكبد الوبائي “أي” في خان يونس خلال الأسبوعين الماضيين، وأوضح أن “فترة حضانة الفيروس تراوحت ما بين ثلاثة أسابيع وشهر، لذلك بعد شهر ستكون هناك قفزة في عدد حالات التهاب الكبد الوبائي أي”.

رعاية طبية

وأشار رئيس قسم طب الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس إلى أن الأعمال القتالية الجارية جعلت من المستحيل لعديد من الأسر إحضار أطفالهم المرضى لتلقي رعاية طبية في وقت مناسب، وهي رعاية على أي حال لا يسعه تقديمها بشكل مناسب بسبب نقص الأدوية.

وتابع الفرا “الأطفال يشربون مياهاً غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ليست هناك فاكهة أو خضراوات، من ثم لدى الأطفال نقص في الفيتامينات، إضافة إلى الأنيميا من سوء التغذية”.

ومنذ انهيار الهدنة بين إسرائيل و”حماس” في الأول من ديسمبر الجاري، انتقل مئات الآلاف إلى ملاجئ موقتة، مثل المباني المهجورة والمدارس والخيام. وقال عمال الإغاثة إن كثراً آخرين ينامون في العراء من دون مراحيض أو مياه للاستحمام.

وفي الوقت نفسه تم إغلاق 21 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، مع بقاء 11 تعمل بشكل جزئي وأربعة تعمل بصورة طفيفة، وفقاً لأرقام منظمة الصحة العالمية حتى الـ10 من ديسمبر الجاري.

وقالت منسقة الطوارئ الطبية لعمليات منظمة “أطباء بلا حدود” في غزة ماري أور بيريوت إن المنظمة الطبية الخيرية غادرت مركزاً للصحة في خان يونس قبل 10 أيام، لأن المنطقة كانت ضمن أوامر الإخلاء الإسرائيلية، إذ كانت تتولى علاج حالات التهابات الجهاز التنفسي والإسهال والأمراض الجلدية.

وأضافت بيريوت أن شيئين صارا الآن لا مفر منهما “الأول هو أن وباءً يشبه الزحار سينتشر في أنحاء غزة إذا واصلنا هذه الوتيرة من الحالات، والآخر هو أنه لا وزارة الصحة ولا المنظمات الإنسانية ستكون قادرة على دعم مواجهة تلك الأوبئة”.

سوء تغذية

حذر باحثون أكاديميون في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي في تقرير صدر في السادس من نوفمبر، بعد مرور شهر على هجوم “حماس” على إسرائيل الذي أدى إلى اندلاع حرب غزة، من مدى تفاقم الآثار الصحية غير المباشرة للصراع مع مرور الوقت.

 

 

وقالوا إنه بعد مرور شهرين على الحرب سيتزايد عبء سوء تغذية الرضع بسبب عدم التغذية والرعاية، كما سيزداد سوء تغذية الأمهات، وأوضحوا أنه “مع مرور الوقت تتزايد فرصة إدخال مسببات الأمراض التي قد تؤدي إلى انتشار الأوبئة، ومن بين عوامل الخطر الاكتظاظ وعدم كفاية المياه والصرف الصحي”.

ويقول عمال إغاثة إن ما توقعه الخبراء في لندن هو تماماً ما يحدث الآن. وقال ثلاثة خبراء إن أمراضاً مثل الزحار والإسهال المائي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى وفاة عدد من الأطفال يماثل ما قتلته عمليات القصف الإسرائيلية حتى الآن.

بدورها قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” إن شهرين من الحرب الوحشية إلى جانب “الحصار المشدد جداً” أجبرا 1.3 مليون من سكان غزة من أصل 2.3 مليون نسمة على البحث عن الأمان في مواقع الوكالة بالقطاع المطل على البحر المتوسط.

بحث عن الأمان

وقالت مديرة الاتصالات في “أونروا” جولييت توما “يكتظ كثير من الملاجئ بأولئك الذين يبحثون عن الأمان، حيث تتحمل أربعة أو خمسة أمثال سعتها، معظم الملاجئ غير مجهزة بمراحيض أو أماكن للاستحمام أو مياه نظيفة”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت توما أنه منذ بدء الحرب قتل 135 من موظفي “أونروا” ونزح 70 في المئة من الموظفين من منازلهم، وهذان سببان وراء تشغيل الوكالة الآن تسعاً فقط من أصل 28 عيادة صحية للخدمات الأولية كانت لديها قبل الحرب.

وذكرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في الصحة تلالينج موفوكينج في بيان في السابع من ديسمبر أنه تم في المجمل تسجيل ما لا يقل عن 364 هجوماً على خدمات الرعاية الصحية في غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتابعت “ممارسة الطب تتعرض لهجوم”.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة أمس الأربعاء أن أكثر من 300 من الموظفين والمسعفين التابعين لها قتلوا منذ السابع من أكتوبر الماضي.

بيئة للأوبئة

وقال سالم نامور، وهو جراح سوري عالج المرضى والمصابين في الغوطة الشرقية خارج العاصمة السورية دمشق خلال حصار استمر عاماً فرضته الحكومة السورية، إن الصور من غزة ذكرته بتلك المشاهد التي عاشها بنفسه.

وأضاف أن أمراضاً مثل الالتهاب الكبدي والسل انتشرت وقتها في الغوطة إثر تدمير نظام الصرف وتلوث المياه، كما قلل سوء التغذية من مناعة السكان، وبخلاف الجروح التي تسبب فيها القصف حفز نقص المضادات الحيوية واللقاحات للأطفال انتشار الأمراض.

وتابع نامور الذي ترك الغوطة في 2018 ويعيش في ألمانيا “الحصار وسيلة تسبب انهيار المجتمع، إنه يعني الجوع ويعني نقص الإمدادات الطبية، فلا كهرباء ولا تبريد، من ثم لا سبيل لحفظ الأدوية أو الأطعمة ولا تدفئة”.

وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة أمس الأربعاء إن إمداداتها من لقاحات الأطفال نفدت، وخلال الليلة الماضية تسببت رياح قوية وأمطار غزيرة في اقتلاع خيام مهترئة في مخيم للنازحين برفح وغمرت المياه الأرض، مما أجبر النازحين على قضاء الليل وهم متجمعين في البرد وعلى الرمال المبتلة.

وتتتبع الأمم المتحدة حالات إصابة بنحو 14 مرضاً لها “إمكانية التحول لأوبئة”، وينصب قلقها على ارتفاع معدلات الإصابة بصورة حادة بأمراض منها الدوسنتاريا والإسهال والالتهابات التنفسية الحادة، وذلك وفقاً لقائمة تستخدمها الأمم المتحدة حالياً لمتابعة الوضع في قطاع غزة.

شح المياه

من ناحيته قال مدير مركز الصحة الإنسانية في كلية جون هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة بول شبيجل الموجود في القاهرة، ويعمل ضمن فريق استجابة الأمم المتحدة، إن تفشي الإسهال يمكن أن يحدث في وقت قريب جداً مثل الغد، ما لم يتم السماح لعديد من شاحنات المساعدات بالدخول وتوفير مياه نظيفة.

وأضاف شبيجل أن الأمم المتحدة تعتزم بدء توثيق معدلات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال في قطاع غزة قريباً، من خلال قياس محيط الذراع من أعلى المنتصف والمعروف باختبار “أم يو أي سي”.

وتابع شبيجل “عندما يكون لديك سوء تغذية حاد، الذي يسمى الهزال، يموت الناس من ذلك، لكن أيضاً وقتها يكونون أكثر عرضة بكثير لأمراض أخرى”.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الإثنين الماضي إن 83 في المئة من النازحين إلى جنوب قطاع غزة لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء.

 مناشدة إغاثية

يقول عاملون في مجال الإغاثة إن المستشفيات والمراكز الصحية في حاجة إلى تكون قادرة على معالجة هذا العدد الكبير من الناس من تلك الأمراض لتجنب تفشي أوبئة بدلاً من معالجة جروح القصف والدمار فقط وهي الحالات التي تفوق طاقتهم بالفعل.

وأضافوا أن مياه الشرب والاستحمام يجب أن تكون متاحة بمستويات الحد الأدنى وفقاً لمعايير أوضاع الطوارئ الإنسانية، كما يجب أن تدخل إلى قطاع غزة كميات أكبر بكثير من الأغذية والأدوية وتقديم ممرات آمنة لقوافل المساعدات الإنسانية لإيصالها.

 

 

وخلال هدنة في الحرب، دخلت نحو 200 شاحنة مساعدات يومياً للقطاع لكن العدد تناقص منذ ذلك الحين إلى 100، ويمنع القتال العنيف الدائر أي توزيع للمساعدات بما يتخطى رفح.

بؤر أمراض

وقال أطباء في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح إنهم يتعاملون مع عدد يفوق طاقتهم من مئات المرضى المحتاجين إلى علاج من التهابات وأمراض معدية بسبب الأوضاع المتردية في الملاجئ المكتظة، منهم جمال الهمص الذي أضاف “ستكون هناك بؤر تفش لكل الأمراض المعدية في رفح”.

ويقول أطباء وعاملون في مجال الإغاثة إن الرضع يعانون الجوع أيضاً في ظل غياب المياه النظيفة لخلط ألبان الرضع بها، وحتى الميسورون نسبياً من سكان قطاع غزة من العاملين لصالح وكالات دولية أو شركات إعلامية يقولون إن أطفالهم مرضى ومعتلون حالياً وليس لديهم ما يكفي من غذاء ومياه.

وأشار محمود أبو شرخ وهو يقف وسط بحر من الخيام قرب مستشفى ناصر بعد أن فر من شمال القطاع في بدايات الحرب مع أطفاله الثلاثة، وجميعهم دون الثالثة من العمر، إلى الأوضاع المتردية حوله في المخيم المترب، متابعاً “يتحسن الأطفال ليومين ثم في اليوم الثالث يمرضون مجدداً”.