Home سياسة طيف ترمب يطغى على معركة في الكونغرس قد تحسم حرب أوكرانيا

طيف ترمب يطغى على معركة في الكونغرس قد تحسم حرب أوكرانيا

9
0

تشهد أوكرانيا معارك ضارية تعتبر من بين الأكثر شراسة منذ بداية الغزو الشامل الذي أطلقته موسكو، ولا توفر روسيا جهداً لاختراق عدد من مواقع القتال الأمامية على الجبهة الأوكرانية، على رغم الإصابات الهائلة في صفوف قواتها.

وحتى لو تكبد الجنود الأوكرانيين أيضاً إصابات وخسائر كبيرة في الأرواح، إلا أنهم نجحوا حتى الآن في منع الروس من إحراز أي تقدم يذكر.

وفي هذا الإطار، ذكر القائد العام للجيش الأوكراني، الجنرال فاليري زالوجني، أن الصراع قد بلغ طريقاً مسدوداً، وقد شبه الوضع بتكافؤ القوى المجبول بالدماء في خنادق الجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى.

وفي إطار مقال نشره أخيراً في صحيفة “إيكونوميست” أقر زالوجني بأنه على رغم الكم الهائل من الأسلحة الحديثة التي زودتها دول الغرب لأوكرانيا، إلا أنه من المستبعد أن يفضي الهجوم المضاد الذي أطلقته كييف خلال الصيف الماضي إلى أي تقدم لافت وحاسم كانت تأمل أوكرانيا في تحقيقه. وفي سياق المقال نفسه، سلط ذلك الجنرال الضوء على أهمية الدور الراهن للمسيرات وتقنيات الحرب الإلكترونية في الصراع، مضيفاً أن دورها حيوي لتحقيق النصر ضمن جدول زمني لا يتسبب باستنفاد احتياط عديد الجنود في أوكرانيا.

إلى ذلك، لفت زالوجني إلى أن استمرار الحرب لفترة زمنية مطولة يفيد مصالح روسيا، لأنها تتمتع بتفوق في عدد سكانها واقتصادها وقدرتها على تصنيع الأسلحة. وأضاف الجنرال أن الديكتاتور الروسي فلاديمير بوتين دائماً ما يعتبر حياة البشر من الموارد البخسة، فيما أظهرت أوكرانيا اهتماماً فائقاً بحياة جنودها، مما حثها على اعتماد تكتيك [حربي] أكثر حذراً.

وفي سياق متصل، سلط زالوجني الضوء على خمسة مكونات اعتبرها ضرورية لخروج أوكرانيا من حالة الشلل التي علقت فيها، وتشمل اكتساب التفوق في مجال القدرات الجوية، واختراق حقول الألغام الروسية المدججة بالمتفجرات، وتحسين قدرة كييف في استخدام وحدات القصف المضاد لمدفعية العدو، واستقدام قوات احتياطية وتدريبها، وتطوير إمكاناتها في تشغيل المسيرات واستعمال أسلحة الحرب الإلكترونية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الإطار، ذكر زالوجني أنه على ثقة مستمرة في أن أوكرانيا قادرة على هزيمة روسيا، مع أنه شدد على أن انتصار الأوكرانيين الذين أظهروا استعدادهم لخوض المعارك “بالروح وبالدم”، مرهون بمواصلة حصول كييف على التكنولوجيا، والأسلحة، والذخائر، وغيرها من وسائل الدعم من حلفائها الغربيين.

في المقابل، ترتبط قدرة كييف على مواصلة القتال بمعركة أخرى مضنية ومتواصلة، بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، حول كمية المساعدات الواجب إرسالها إلى أوكرانيا.

وفي ذلك الصدد، تجدر الإشارة إلى أن حكومة أوكرانيا لم تطالب يوماً بانضمام جنود أجانب إلى المعارك المستمرة على أراضيها، لكنها أوضحت باستمرار أنها في حاجة إلى كميات هائلة من المساعدات العسكرية بغية التعويض عن تفوق روسيا الكبير على صعيد كميات الأسلحة وأعداد المقاتلين.

في ذلك الإطار، لا بد من التذكير بأن حصة الأسد في تلك المساعدات وصلت من الولايات المتحدة، ومكنت أوكرانيا من كبح جماح روسيا وطرد قوات موسكو من قسم كبير من الأراضي التي استولت عليها في بداية الحرب.

وكثيراً ما حظيت كييف بدعم الحزبين [الجمهوري والديمقراطي] في الولايات المتحدة، وذلك أمر نادر فعلاً، بالنظر إلى العداوة السياسية بينهم التي تحول دون توافقهما على أية مسألة مهمة تقريباً.

 

ظل ترمب يتمدد فوق قرار تمويل أوكرانيا

في الأشهر القليلة الماضية، مارست فئة صغيرة لكنها نافذة، من أعضاء الحزب الجمهوري الموالين للرئيس السابق دونالد ترمب، ضغوطاً متزايدة بغية تقليص حجم المساعدات المكلفة المزمع إرسالها إلى أوكرانيا، أو حتى حجبها بشكل كامل.

وللتذكير، تتوزع المقاعد في مجلسي الكونغرس الأميركي، أي مجلس النواب (غالبيته من الجمهوريين) ومجلس الشيوخ (يملك فيه الديمقراطيون أكثرية ضئيلة)، بالتساوي بين الحزبين، حتى إن أقلية يمينية متطرفة وموالية لترمب في صفوف الجمهوريين باتت قادرة على ممارسة تأثير كبير يفوق عددها الصغير. وبالفعل، مارست تلك الأقلية نفوذها الشهر الماضي، حينما أقدمت على طرد رئيس مجلس النواب [النائب الجمهوري كيفن ماكارثي] متسببة بفوضى دامت طوال أسابيع، قبل أن يستبدل هذا الأخير وينتخب أحد اليمينيين المؤيدين لترمب مكانه في رئاسة المجلس.

واستطراداً، لا بد لمجلس النواب أن يصادق أولاً على الاقتراحات، قبل أن يصوت عليها مجلس الشيوخ فتصبح قوانين نافذة. وفي موضوع حزمة المساعدات المزمع إرسالها إلى أوكرانيا، لم يوافق مجلس النواب إلا على عدد محدود من الإجراءات الموقتة بغية التوصل إلى تسوية دستورية حالت دون تعطيل عمل الحكومة الفيدرالية الذي كان ليحدث لو جرى التخلي عن تلك المساعدات بصورة شاملة. واستكمالاً، تنتهي مدة اتفاق التسوية هذا في الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023. من ثم من المتوقع أن تتزايد الفوضى في شأن إرسال مساعدات إلى أوكرانيا، فيتأتى عن ذلك معركة كبيرة، وسط سعي الحزبين إلى تجنب تعطيل عمل الحكومة مرة أخرى.

وفي الآونة الأخيرة، صار تقديم المساعدات لأوكرانيا، بالأحرى صد الفئات اليمينية المتطرفة ضمن الحزب الجمهوري لأي دعم موجه إلى كييف، بمثابة اختبار ولاء لترمب. فالواقع أن جمهوريين كثراً، ممن صوتوا في أوقات سابقة، وبلا تردد، لمصلحة تقديم مساعدات لأوكرانيا، وممن يصرحون حتى يومنا هذا، خلف الكواليس، بأنهم يريدون مواصلة تقديم هذه المساعدات، باتوا يخشون أن يتسبب ذلك بتدمير مسيرتهم السياسية.

فمن المعروف أن ترمب الذي يشكك في ضرورة تقديم مساعدات لأوكرانيا، يعتبر المرشح الأول للرئاسة عن حزبه. من ثم فإن تأثيره كبير في أسماء المرشحين الحزبيين الذين سيختارهم مؤيدوه في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونغرس المرتقبة خلال السنة المقبلة.

ووفق الترجيحات، فإن غالبية من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بقيادة زعيمهم المخضرم ميتش ماكونيل المعروف بكونه حليفاً وثيقاً لأوكرانيا، ستعمل على دعم توفير مساعدات إضافية لأوكرانيا، لكن أي حزمة مساعدات جديدة ستحتاج أولاً إلى مصادقة مجلس النواب.

ومن ناحية أخرى، يعرف ماكونيل بميوله المحافظة التقليدية، على خلاف نظيره الجمهوري، رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون. من ثم فإن مصير إرسال حزمة مساعدات جديدة إلى أوكرانيا مرهون بتوصل هذين الرجلين إلى اتفاق.

وفي أعقاب التسوية التي توصل إليها مجلس النواب الشهر الماضي، اقترح الرئيس جو بايدن حزمة مساعدات بقيمة 105 مليارات دولار (86.6 مليار جنيه استرليني) توزع بين أوكرانيا وإسرائيل، فيرسل 61 مليار دولار (50.3 مليار جنيه) منها إلى كييف. في المقابل، طالب جونسون بفصل المساعدات المقدمة لإسرائيل عن تلك المخصصة لأوكرانيا.

في مسار مواز، حصل الجمهوريون في مجلس النواب على أصوات داعمة لاقتراحهم بتقديم 14.3 مليار دولار (11.3 مليار جنيه استرليني) لإسرائيل، ولم يحظوا بعدد كاف من أصوات لضمان الحصول على أكثرية لمصلحة تقديم مساعدات إلى أوكرانيا. ولكن، بما أن الديمقراطيين يمثلون الأكثرية في مجلس الشيوخ، وموافقتهم ضرورية للمصادقة على هذا الإجراء، فمن شبه المؤكد أن هذا الأخير سيلاقى بالرفض، بغية السعي إلى تقديم المساعدات للبلدين معاً [على عكس ما وافق عليه مجلس النواب]، مما قد يؤدي إلى حالة من الجمود والشلل [السياسي]، ستلحق الضرر بإسرائيل وأوكرانيا على حد واحد وسواء.

 

أوكرانيا تردع تقدم روسيا حتى الآن

استطراداً، تتزايد أهمية حلفاء أوكرانيا الآخرين ضمن حلف الناتو وفي الغرب، على صعيد توريد الأسلحة والذخائر والمساعدات الحيوية الأخرى إلى تلك البلاد، لكن في حال تسجيل تراجع جذري في كمية المساعدات الأميركية، أو إيقافها بشكل كامل، فقد ينذر الأمر بالكارثة بالنسبة إلى أوكرانيا.

ولا شك في أنه ما من توقيت أسوأ من الآن لظهور خطر من هذا القبيل، بالنظر إلى أن أوكرانيا تصد هجمات حازمة من الجانب الروسي، وسط سعي الأخير إلى الاستيلاء على مزيد من الأراضي قبل أن يبطئ فصل الشتاء وتيرة القتال. وفي هذا الإطار، يرى كثر أن فلاديمير بوتين يتوق إلى تحقيق انتصار على أرض المعركة، كي يستغله في الانتخابات الرئاسية الروسية التي يتوقع أن يخوضها في الربيع المقبل.

في ذلك الصدد، تكثف موسكو محاولاتها للسيطرة على مواقع أوكرانية في مدينة أفدييفكا القريبة من دونيتسك، التي تعتبر أهم مدينة يحتلها الروس، باعتبارها غنيمة قيمة وأساسية في قطاع دونباس، منذ أن أطلقت [موسكو] مساعيها في هذا الاتجاه مطلع الشهر الجاري، فيما قد يتحول إلى معركة أشد ضراوة حتى من المعركة التي شهدها محيط باخموت واعتبرت الأكثر ضراوة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

في ملمح متصل، تفيد أجهزة الاستخبارات البريطانية بأنه في أقل تقدير، لقي 1000 روسي حتفهم، فيما خسرت موسكو أكثر من 100 دبابة وآلية مدرعة في محيط أفدييفكا. وفي المقابل، تتحدث قيادة الأركان الأوكرانية عن أرقام أكبر بكثير حينما تتحدث عن عدد الوفيات وخسائر العتاد في صفوف الروس. في هذا السياق، من المعروف أن عدد الإصابات كبير أيضاً في صفوف الأوكرانيين، حتى لو جاءت أقل من تلك التي يتكبدها الروس، مع العلم بأن كييف كثيراً ما امتنعت عن توفير إحصاءات حول عدد الإصابات في صفوف الأوكرانيين.

في الإطار نفسه، كشف وزير الداخلية الأوكراني إيهور كليمينكو عن أن روسيا قصفت 118 بلدة وقرية أوكرانية في غضون 24 ساعة هذا الأسبوع، مما جعل حصيلة ذلك القصف أكبر من أي يوم آخر من هذا العام. وقد أشار هذا الأخير إلى أن 10 مناطق من أصل 27 منطقة في أوكرانيا تعرضت للهجوم، وقد تسببت حملة القصف على هذه المواقع بسقوط قتلى وجرحى.

وتجدر الإشارة إلى أن أفدييفكا التي يدافع عنها الأوكرانيون منذ الغزو الأساس في عام 2014، تكتسب أهمية رمزية كبيرة بنظر كييف وموسكو على حد واحد وسواء. فمع أن معظم المدينة تحول إلى أطلال وركام، إلا أنها تحمل أهمية استراتيجية بسبب الطرقات وسكك الحديد التي تعبرها، وتمنع الوصول إلى روسيا ما دامت بين أيادي الأوكرانيين. ومنذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) نسق الروس محاولتين للاستيلاء على المدينة، وباءت مساعيهم هذه بالفشل. في المقابل، تعتقد أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، بالنظر إلى توجه عدد كبير من الجنود الجدد والآليات المدرعة إلى تلك المنطقة، بأن موسكو تستعد لشن هجوم ثالث [على المدينة] عما قريب.

والأربعاء الماضي، ذكر زعيم حكومي محلي اسمه فيتالي باراباش أن المدينة “تمحى عن الوجود وتسوى بالأرض. وقد شهد يوم أمس أكثر من 40 جولة قصف عنيف طاولت أراضي المنطقة”.

ومع أن الآلاف يخسرون حياتهم في تلك المنطقة، لم تطرأ إلا تغيرات ضئيلة على امتداد خطوط القتال الأمامية. ولم يحرز سوى تقدم محدود على امتداد الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في مطلع يونيو (حزيران) الماضي، الذي سعى إلى طريق عبر بحر أزوف وقطع “الجسر البري” الذي أنشأته موسكو لإمداد قواتها المتمركزة على طول ساحل شبه جزيرة القرم بتعزيزات قادمة من روسيا.

وبالنسبة إلى الأوكرانيين، قد يتمثل هدف أكثر واقعية من وصول قوات كييف إلى الساحل قبل نهاية العام الحالي، بوصولهم إلى مكان بعيد بما فيه الكفاية في الجبهة الجنوبية بغية تمكين مدفعياتهم من إصابة مئات مستودعات الإمدادات الروسية على طول الطريق التي تسلكها.

ووفق تقييم أجهزة الاستخبارات الغربية و”معهد دراسة الحرب” Institute for the Study of War، وهو منظمة بحوث مستقلة، فإن القوات الأوكرانية نجحت في الصمود معظم الوقت، وتمكنت من صد الهجمات الروسية.

وإلى جانب بعض التقدم الذي أحرز خلال التقدم نحو مليتوبول، في غرب منطقة زابوريجيا، لاحظ “معهد دراسة الحرب” في الأسابيع القليلة الماضية حدوث تقدم أوكراني تدرجي في محيط باخموت. وتنبه أيضاً إلى أن الأوكرانيين استحدثوا نقطة عبور إلى الضفة اليسرى (الشرقية) لنهر دنيبرو في خيرسون، وقد تشكل مصدر خطر كبير بالنسبة إلى القوات الروسية المتمركزة في ذلك المكان، ونقطة عبور جديدة لقوات كييف، تتيح لها الوصول إلى بحر أزوف.

في المقابل، إذا تراجعت إمدادات الأسلحة والذخائر القادمة من الولايات المتحدة، فقد يعني ذلك من جديد أن أوكرانيا لا تكتفي بخوض الحرب للحفاظ على أراضيها، بل إن جنودها سيصبحون عزلاً في مواجهة القوات الروسية المدعومة بأعداد كبيرة من المجندين الجدد حتى لو كانوا سيئي التدريب، وبكميات وافرة من الأسلحة الثقيلة، حتى لو كانت متقادمة.

خلال هذا الأسبوع، مثل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن أمام الكونغرس، وناشداه الموافقة على تقديم الدعم لأوكرانيا وإسرائيل.

وقد أكد أوستن أن أوكرانيا في حاجة إلى المساعدة لمواصلة القتال خلال فصل الشتاء المقبل، محذراً من أن بوتين يعتمد على تراجع حجم المساعدات الغربية إلى كييف، وذلك أمر استمر الديكتاتور الروسي في توقعه بصورة متكررة مما مكنه من إقناع الروس بأن النصر سيكون حليفهم في نهاية المطاف.

وختم أوستن إفادته بالإشارة إلى أنه في حال امتنع الكونغرس الأميركي عن تقديم المساعدة، فسيكون قد “سحب البساط” من تحت أقدام أوكرانيا. وأصدر تحذيراً عن ذلك الشأن بكلمات صريحة، “أضمن لكم أنه بغياب دعمنا، سينجح بوتين”.