Home سياسة العقال العراقي يتحدى الزمن وأهل النجف يفتخرون بصناعته

العقال العراقي يتحدى الزمن وأهل النجف يفتخرون بصناعته

11
0

ذكر في وصف أزياء العصر العباسي، وتحديداً ما يوضع على الرأس في الزي الخاص بالرجال وضمن كتاب “الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي من المصادر التاريخية والأثرية”، ما يوضح وجود العقال ضمن الملبس الخاص بالرجال، إذ ورد “توضع الطرحة على الرأس بصورة منحرفة، وتوضع على الطاقية بهيئة تتدلى منها على الظهر الزاويتان المثنيتان والزاويتان الأخريان على الجهة الأخرى، وهناك قطعة من الصوف تكون مبرومة برماً شديداً بحيث تكون أشبه ما يكون بالحبل تلف حول الطرحة”، وهذه القطعة من الصوف هي العقال في الوقت الحالي .

 

ويختلف المؤرخون في نشأة العقال، فهناك من يرى أن السومريين اعتمروا العقال مستندين بذلك إلى وجود تمثال سومري يعتمر العقال، وهناك من يرى أن العقال مشتق من عقال البعير، أي الحبل الذي يعقل به البعير، وكان العربي في أثناء امتطاء بعيره يعقده على رأسه، فالعقال يضع لتثبت الغترة أو الشماغ.

وتفتخر العوائل النجفية التي تشتهر بصناعة العقال بأن النجف هي المدينة الأولى التي شهدت تصنيعه، وهناك روايات تثبت وجوده خلال مدة حكم ملك الحيرة النعمان بن المنذر. ومملكة الحيرة هي عاصمة المناذرة وهي من أهم الحواضر في تاريخ بلاد الرافدين قبل الإسلام وتقع جنوب شرقي مدينة النجف.

الأقدم في صناعة العقال

“النجف هي المنبع الأول لصناعة العقال، فهي الأصل لهذه الصناعة”، هذا ما يذكره حيدر كاظم حميد تويج (66 سنة)، وتويج تعلّم مهنة صناعة العقال من والده، وتوارثت العائلة صناعته من جيل إلى جيل، ويقول “النجف تصنع أفضل أنواع العُقُل، وهناك أنواع من العقال تصنع من خيوط القطن، وأخرى من خيوط النايلون، وهذه تتغير ألوانها بمرور الوقت، لكن العقال الذي تصنعه أيدينا يحافظ على جودته ولونه، ويبقى محافظاً على جودته مهما تقادم الزمن”.

 

أنواع الخيوط وجودة العقال

ويوضح تويج أن أنواع الخيوط التي يصنع منها العقال هي التي تتحكم بجودته، “فالعقال المصنوع من خيوط النعجة (أنثى الضأن)، هو أجود أنواع العُقُل ويعرف شعبياً بعقال “المرعز”، وهناك العقال المصنوع من خيوط مستوردة، من بريطانيا مثلاً، وهناك ما يصنع من خيوط الحرير والقطن”.

طريقة صناعة العقال

يقول جعفر حسين الذي توارث مهنة صناعة العقال عن والده حول كيفية صناعة العقال “تتم صناعة العقال عن طريق لف خيوط من القطن لكي تشكل الحشوة الداخلية له، ويتم برمه على شكل أسطواني، وبعدها يتم فصله ليصبح طبقتين واحدة تكون في الأعلى وأخرى في الأسفل، لننتقل بعدها لمرحلة صناعة رقبة العقال التي تنتهي بما يعرف بالشيرازة أي التطريز، وثم يوضع هذا الشكل في القالب الخشبي لكي يأخذ شكله النهائي، وبعدها تبدأ عملية خياطته وشده، وأخيراً تصنع الكركوشة (شرّابة) التي تعمل على حفظ توازن العقال لكيلا يسقط”.

 

لكل محافظة خصوصيتها

في محلة الصغير في سوق “الإستربادي” أقدم أسواق مدينة الكاظمية (شمال بغداد)، حافظ زهير عبد الأمير على صناعة العقال التي توارثها عن أجداده “تعلمت هذه الحرفة عندما كنت في سنواتي التسع، وكنا نعتمد على الغزول التي ينتجها أهم معمل في العراق لإنتاج الصوف، فضلاً عن الخيوط المستوردة، الآن أصبحنا نعتمد على الخيوط المستوردة بشكل كامل في صناعة العقال”. واكتسبت عائلة عبد الأمير اسم عائلة “العقل” استناداً للمهنة التي عمل بها أجداده وتوارثها الأحفاد. ويقوم بتصنيع مختلف أنواع العُقُل التي تختلف باختلاف المحافظات، فالمناطق الغربية والشمالية ترتدي العقال الأملس الرفيع الذي يخلو من الكركوشة (شرّابة) التي تتدلى من العقال، أما محافظات الفرات الأوسط والجنوب فترتدي العقال السميك الذي يحتوي على الوبر.

الصناعة المحلية هي الأكثر طلباً

ويوضح وسام عماد صاحب محل لبيع الملابس العربية أن هناك من يلجأ إلى العقال المستورد من سوريا لسعره المناسب للفئات المحدودة الدخل. ويرى بعضهم أن البيوت النجفية المشهورة بتصنيع العقال تبيعه بأسعار مبالغ بها، إذ يصل سعر العقال إلى 80 ألف دينار عراقي (60 دولاراً) في حين يبلغ سعر العقال الذي يتم تصنيعه واستيراده من سوريا 15 ألف دينار عراقي (11 دولاراً). كما يرى آخرون أن العقال المستورد لم يتغلب على المصنوع محلياً “لا يمكن لشيخ عشيرة أو شخص اعتاد ارتداء العقال الذي نصنعه وفقاً لرغبته أن يلجأ لشراء المستورد، الشباب هم من يقبلون على شراء المستورد وغالباً ما يرتدونه في المناسبات فقط”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صناعة العُقُل لن تتوارى

“في الخمسينيات، كنت أسمع والدي يقول إن صناعة العقال ستنتهي”، هذا ما يقوله زهير عبد الأمير الذي يستذكر مخاوف والده من اندثار هذه المهنة، “لكن ما يحدث يغاير كل هذه التوقعات، فالزي العربي المعتمد على العقال لن ينتهي، فالعراق عبارة عن قبائل وعشائر عربية، وهذا الزي يمثل الخصوصية العربية التي لن تندثر وبالتالي لن تتوقف صناعة العقال”.

وفي السياق، يقول حسين جابر الذي بدأ بتعلم صناعة العقل منذ سبع سنوات “لا يمكن أن تنتهي مهنة صناعة العُقُل، فهذا الزي جزء من الهوية العربية التي تعتز بها العشائر في العراق”.

العقال “المقصّب”

اختفى العقال “المقصّب”، وأصبح ارتداء هذا النوع يقتصر على الأمراء والشيوخ وفي المناسبات فقط. ويوضح صانع العُقُل علي اللامي، الذي يعمل في هذه المهنة منذ الثمانينيات “أول من ارتدى العقال المقصّب في العراق هو الملك فيصل الأول، وكان يرتديه أمراء وشيوخ عشائر، لكن هذا النوع لم يصمد أمام الزمن”. وعن صناعته يقول “يصنع العقال المقصّب من خيوط الكلبدون التي تستورد من فرنسا واليابان ويكون على نوعين فضي وأصفر”.

يتحدث معظم صناع العقال في العراق بتفاؤل وثقة حول ديمومة صناعة العقال، ويرددون ما قاله محمد مهدي الجواهري في قصيدته “المقصورة”:

وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ تاهَ “العِقالُ” بها وازدهى !

تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ على كتفَيْ “يابسٍ” كالصُوى