Home سياسة نحن في عام 2023 وما زلنا نمنح معاملة تفضيلية للجذابين

نحن في عام 2023 وما زلنا نمنح معاملة تفضيلية للجذابين

7
0

يتيح العيش في مدينة لندن الكثير من الفرص، منها فرصة تقديم تبرعات شهرية كبيرة على نحو مثير للذهول، للرهن العقاري الذي يتوجب دفعه لمالك العقار، لقاء الحصول على شقة هي أشبه بصندوق أحذية كي تبيت فيها. كما يوفر فرصة الوجود وسط محيط غامض من الأشخاص ذوي المظهر الجميل الاستثنائي، كل سبع دقائق أو نحو ذلك، خصوصاً عندما يحل موعد وصول أسبوع الموضة إلى لندن، كما حدث هذا الشهر.

لكن على مدار السنة، تمتاز بعض الأحياء في العاصمة البريطانية مثل “كوفينت غاردن”، بمزايا مثيرة للقلق تجعلها مقراً جذاباً بالنسبة إلى “ذوي المظهر الجميل”، إلى درجة أنه بات شائعاً أن يجد الفرد نفسه يقوم بما قد أود أن أطلق عليه “تدفق الجمال”، وهو مصطلح يجسد فكرة أن الناس ينجذبون إلى الأفراد جميلي المظهر وقد يجدون أنفسهم عن غير قصد يتبعونهم أو يراقبون العالم بلمحة خاطفة من وجهة نظرهم. إنه موكب لا نهاية له من الابتسامات الدافئة واللقطات المزدوجة والنظرات الخفية والسعادة الإنسانية الجامحة من حولك. ويمكن لأي فرد أن يختبر لثوان معدودة، ما يعنيه أن تكون جذاباً، وما تعنيه الاستفادة مما يُعرف بـ”امتياز الجمال”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد لا يُعتبر أمراً مستغرباً القول إن الأفراد الجذابين غالباً ما يكونون محظوظين بطريقة لا يتمتع بها سائر الأشخاص العاديين. ومع ذلك، عندما نتعمق في مفهوم “امتياز الجمال”، نكتشف إلى أي مدى هو مدهش. ويؤكد فيضٌ من الدراسات – خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالجوانب المالية على سبيل المثال – أن هناك ما يُعرف بـ “التحيز للجمال”. ويُظهر كتاب الخبير الاقتصادي دانييل سليم هامرميش بعنوان “الجمال له مردود: لماذا يكون الأشخاص الجذابون أكثر نجاحاً” Beauty Pays: Why Attractive People Are More Successful، أن هذه الفئة من المجتمع لا تحصل على رواتب أعلى فحسب، بل يُتاح لأفرادها أيضاً المزيد من فرص العمل، وسهولة الحصول على قروض مالية. حتى أن هامرميش ذهب إلى حد التساؤل عما إذا كان الأشخاص الأقل جاذبيةً يجب أن يحصلوا على دعم حكومي.

وتشير أبحاث إضافية إلى أن تعريفنا للجمال يجعل الناس أكثر إنتاجية، فيما يبدو أنه حتى تكويننا البيولوجي الداخلي يظهر تفضيلاً للجمال. وفي هذا الإطار أشار بحث أجري في عام 2022 إلى أن أولئك الذين شملهم الاستطلاع – والذين اعتُبروا جذابي المظهر – لديهم مستويات أعلى من الخلايا المناعية “القاتلة الطبيعية” Natural Killer، التي تقاوم العدوى والفيروسات مقارنةً بغيرها.

وبعيداً من مستوى الخلايا، غالباً ما يكون تحيزنا البشري نتيجةً لعامل يسمى “تأثير الهالة”، وهي ظاهرة ننسب فيها الصفات العامة للشخص بناءً على انطباع إيجابي واحد بارز، غالباً ما يكون جاذبيته الجسدية، عند اللقاء به للمرة الأولى. ولا يزال هذا الاتجاه مستمراً، لأننا ما زلنا متشبثين بالمفهوم المدمر والمتمثل في أن بعض الأفراد يتمتعون بمظهر جميل تقليدياً، فيما البعض الآخر ليست لديهم هذه الميزة.

مع ذلك، فإن هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن الواقع. إذ إن الأشخاص البالغين الذين لديهم خبرة في الحياة، يدركون في أعماق أنفسهم أن هذا الكلام هو هراء وغير منطقي. فكروا في دائرة أصدقائكم الخاصة على سبيل المثال، وتخيلوا لو أن شخصاً خارجياً اعتبر أحداً منهم “قبيح المظهر”، ستعتبرون ذلك مسيئاً للغاية، وستُغفر لكم رغبتكم في لكمه. في العالم الحقيقي، ينجذب الناس بعضهم إلى البعض الآخر لأسباب عدة. لكن على رغم ذلك، لا نزال نسمح بشكل سلبي لقطاع الترفيه والإعلام والأزياء والأفلام، بتوجيهنا نحو مفهوم موحد عالمي لمعايير الجمال.

في المقابل، نصنف الأشخاص الذين تظهر صورهم بشكل متكرر على غلافات المجلات، أو الذين يتولون أدواراً رومانسية رئيسية في الأفلام، على أنهم “جذابون تقليدياً”. وغالباً ما تكون لديهم ملامح وجه متماثلة، وأجسام نحيلة وطويلة إلى حد ما، لكن ليس بشكل مفرط، ولديهم بشرة صافية بشكل عام. إنهم يتجولون بيننا، ويتمتعون بقيمة واحترام واهتمام أكبر من غيرهم. وبالطبع، هم أكثر نجاحاً على المستوى الرومانسي والجنسي من بقية الناس.

لكن حتى عندما يكون الجنس غير وارد بسبب ميولنا الجنسية المحددة، فإنه لا يزال من الشائع على نحو غريب، على سبيل المثال، أن يثق الرجال المستقيمون أكثر في شخص حسن المظهر. فقبل أعوام، شهدتُ ذلك عندما انضم شاب طموح ذو مظهر جميل إلى مكان العمل الذي كنتُ أشغل فيه منصباً رفيعاً. في البداية، قام الجميع بالترحيب به بحرارة. لكن مع مرور الوقت، أصبح من الواضح أنه لم يتمتع بالمهارات المفترضة. وفي صباح أحد الأيام، أثناء جلسة نقاش ودي، حول ماكينة القهوة، أقر عدد من الرجال بسعادة بأنهم كانوا يشعرون بافتتان إلى حد ما به، على رغم أنهم لم يكونوا منجذبين إليه عاطفياً بالضرورة. ولكنهم افترضوا في اعتقادهم اللاوعي، بأنه سيكون متفوقاً في وظيفته، بناءً على مظهره الجميل. وتمثل تقييم أحد الزملاء له بالقول: “لقد بدا كما محياه… لائقاً للمهمة”.

نوجه اللوم إلى منصات مثل “إنستغرام” لأنها تمنح المظهر دوراً بارزاً في الحياة المعاصرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى تفضيلها الخوارزمي للمشاركات التي تظهر الوجوه. ومع ذلك، أعتقد أن المنصة التي تبذل المزيد من الجهد لتعزيز مفهوم “امتياز الجمال”، هي “لينكد إن”، التي تحظى باهتمام أقل نسبياً في هذا السياق. قد يبدو الأمر تافهاً، إلا أنه من خلال إدراكي لما نعرفه عن مفهوم “امتياز الجمال”، فإن ما يثير قلقي هو أن فرص العمل المحتملة لأي شخص مرتبطة بشكل وثيق بالفكرة المتمثلة في الصورة الموجودة على ملفه الشخصي، خصوصاً عندما تنم عن أن الثقة الكبيرة لدى الأفراد في أنفسهم، إنما تنبع من شعورهم بتفوق جاذبيتهم على بقيتنا.

المشهد الموسيقي البديل كان بمثابة الملاذ الوحيد للأشخاص غير العابئين بمظهرهم، وأولئك غير الجذابين أو المهتمين بمعايير الجمال – لكن ذلك تغير وانتهى إلى الأبد

وعلى رغم أن “قانون المساواة لعام 2010” في بريطانيا  Equality Act of 2010 ينص على أنه ينبغي على أرباب العمل في المملكة المتحدة عدم التمييز على أساس عناصر مثل العمر أو العِرق أو الجنس، فمن الناحية العملية، يتعين على “لينكد إن” كسوق عالمية للتوظيف – التي تعرض بشكل بارز الصورة الشخصية للمرشح للوظيفة – أن تحرص على الحد من ذلك، كيلا تشجع عن غير قصد التمييز على أساس المظهر، وهذا أمر مثير للقلق قد لا يفهمه كثيرون ويعترفون به.

في المقابل، تسلك الأمور منعطفاً أكثر غرابةً عندما يدخل الأفراد ذوو الجمال التقليدي إلى عالم الأعمال. لنأخذ على سبيل المثال مشروع كايت موس الأخير المعروف بـ “كوسموس” Cosmoss، وهي علامة تجارية للعناية بالصحة تشبه علامة “غوب” Goop لغوينيث بالترو، التي تقوم هي أيضاً ببيع منتجات متوافقة مع المفاهيم العلمية الزائفة لمفهوم “الشفاء بالكريستال” أو “الشفاء البلوري”، إلى جانب العطور والشاي ومنتجات العناية بالبشرة. فإن قرص أوراكل الكريستالي مثلاً – وهو عبارة عن قلادة ثلاثية (ذات فائدة كونية مفترضة) بسعر 355 جنيهاً استرلينياً (433 دولاراً أميركياً) – يُزعم أنه “يعزز الثقة وفهم” المعرفة “التي تنبع من عمق ذاتك (أو قدراتك البديهية)، وربط كيانك ووجودك بالكون”.

وفي ظل حملة إعلامية للترويج لهذه العلامة التجارية، بدت مقابلة أجرتها صحيفة “صانداي تايمز” مع موس نهاية هذا الأسبوع، مراعية لجمالها إلى درجة أنها لم تذكر أي شيء عن الحقيقة المشكوك فيها للشفاء بالعلاج الكريستالي، واحتمال أن يكون مفهوماً زائفاً. موس هي مجرد آخر حلقة من سلسلة طويلة من رموز وأيقونات الجمال التقليدية (بما في ذلك كيتي بيري، بيلا حديد وجيزيل بوندشين) اللواتي يؤيدن الفوائد المفترضة للشفاء الكريستالي ويروجن لخصائصه، وهي ممارسة خالية من أي أساس علمي. لكن كم من مرة ترون أشخاصاً يعتبرونها خردة أو علماً زائفاً؟ إنه أمر نادر الحدوث، ويبدو لي ذلك مثالاً رئيسياً على “امتياز الجمال”.

قد يبدو الأمر كما لو أنني أركز قليلاً على كايت موس كمثال في هذا السياق. ومع ذلك، فقد اضطلعت في كثير من النواحي، بدور بارز في تقويض شيء كنت أعتز به طوال حياتي، ألا وهو المشهد الموسيقي البديل باعتباره ملاذاً لأولئك المنحرفين عن معايير الجاذبية التقليدية. لقد اعتبرتُ نفسي دائماً محظوظاً لأنني بلغت سن الرشد في التسعينيات، وهي الفترة التي شهدت على رغم عيوبها الكثيرة فرقاً هزيلة تدعمها مواقع مثل “ناشيونال ميوزيك إكسبريس” NME والصحافة البديلة، تحقق فجأة نجاحاً كبيراً. فقد قدم هؤلاء الموسيقيون وجوهاً تتناقض بشكل صارخ مع تلك المصقولة في فرق مثل “تيك ذات” Take That، و”ويت ويت ويت” Wet Wet Wet. وهي فرق طبعت ذاكرة طفولتي وشكلت رمزاً لا مثيل له للجاذبية غير التقليدية، وقد بلغ غارفيس كوكر من فرقة “بالب” Pulp من العمر 60 سنة الأسبوع الماضي.

ما زلت أعتقد أن أداء فرقة “بالب” على المسرح الرئيسي في غلاستونبري في عام 1995 كان بمثابة نهاية حقبة تتصدر فيها فرقة من الغرباء ذوي المظهر غير التقليدي، العناوين الرئيسية أو رأس الهرم، قبل أن يفتح روبي ويليامز الباب أمام موسيقى “البوب” على مصراعَيه في عام 1998. وفي وقت لاحق، ساعدت شهرة كايت موس في تأسيس معيار جديد للجمال في المهرجانات ما أكسبها لقب “ملكة غلاستونبري” بعد سنوات قليلة. المشهد الموسيقي البديل كان بمثابة الملاذ الوحيد، لفترة طويلة من الزمن، بالنسبة إلى الأشخاص غير العابئين بمظهرهم، وأولئك غير الجذابين أو المهتمين بمعايير الجمال التقليدي – لكن ذلك تغير، وانتهى إلى الأبد.

مع ذلك، في الثقافة الشعبية البديلة اليوم، ألاحظ أخيراً ظهور موقف أيديولوجي حقيقي ضد هيمنة معايير الجاذبية التقليدية ـ وهو الموقف الذي ينبغي للتيار السائد أن يسلط الضوء عليه بشكل أكبر. ينطوي مصطلح “حرية الهوية الجنسية” Queerness على عدد لا يُحصى من المعاني المختلفة، لكن عندما يرتبط بالموسيقى، ولا سيما بثقافة النوادي والـ “دي جي” DJ، فإنه يمثل التزاماً عميقاً بعدم إصدار أحكام تتعلق بالمظهر الخارجي للناس.

في سياق إزالة التمييز على أساس جنس الأفراد، يعمل الفنانون “الكويريون” بنشاط، على القضاء بشكل جذري على الخجل من الجسد، والتمييز على أساس القدرة، وأي شكل من أشكال التمييز على أساس مظهر الشخص على الإطلاق. ويتميز هذا المشهد برفض المفاهيم المسبقة عن الجمال. ومن اللافت للنظر أنه أثبت فعاليته إلى الحد الذي أصبح فيه المزيد من الأندية يتبنى “سياسات الأبواب الشاملة” التي تتبعها أندية المثليين، ويقضي المزيد من الأفراد ليالي السبت في بيئات حيث المظهر الجسدي لشخص ما هو غير مهم على الإطلاق. ونأمل في أن تمتد هذه الذهنية تدريجاً إلى ما هو أبعد من هذه المساحات، لتصل إلى لجان المقابلات في المؤسسات وقاعات مجالس الإدارة.