Home سياسة الصواريخ الإيرانية وجسور الحوار مع واشنطن (5)

الصواريخ الإيرانية وجسور الحوار مع واشنطن (5)

116
0

يمكن اختصار الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط ما بين تاريخ الأول من أبريل (نيسان) الماضي والهجوم الإسرائيلي على القسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في العاصمة السورية دمشق، ومقتل سبعة من كبار قيادة “قوة القدس” في حرس الثورة، وتاريخ الـ 14 من الشهر ذاته والرد الإيراني باستخدام نحو 350 طائرة مسيرة وصواريخ “كروز” وباليستية على العمق الإسرائيلي، يمكن اختصاره بمعادلة بسيطة، وهي أن الإسرائيلي اختار المكان والجهة الخطأ وعدم دقة في الحسابات للرد على ما يتعرض له من ضغوط عسكرية وسياسية وإنسانية جراء الحرب التي يقوم بها على قطاع غزة، في حين أن الإيراني الذي يمثل الطرف الآخر من المعادلة كان خياره في الرد أكثر دقة في حساباته عندما اختار استهداف الداخل الإسرائيلي مستفيداً ومستعيناً بغطاء من المادة (51) في ميثاق الأمم المتحدة، واعتبار الاعتداء على السفارة اعتداء على السيادة الإيرانية.

إلا أن النقطة الأساس في هذه المعادلة هي أن كلا الطرفين لعب بآخر الأوراق التي يمتلكها، لأن الأوضاع في حال ذهبت إلى تداعيات دراماتيكية بينهما فلن تؤدي سوى إلى مزيد من الخسائر لكليهما، فضلاً عن إمكان إدخال المنطقة في دائرة نار واسعة قد يكون من الصعب التكهن بتداعياتها ونتائجها على جميع الأطراف.

هذه التطورات أسهمت في انهيار الجدار الذي كانت تختبئ خلفه طهران على مدى الأشهر السبعة الماضية من بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووضعتها في مواجهة مباشرة مع تل أبيب التي دفع رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو منذ البداية إلى محاولة تحميل النظام الإيراني المسؤولية المباشرة عن عملية “حماس”، وبالتالي تحولت إلى طرف داخل في هذه المعركة بعد أن كانت تعمل تحت عنوان الداعم والمساند سياسياً وإعلامياً ومعنوياً.

المرشد الأعلى للنظام الإيراني وفي أول تعليق له على عملية “الوعد الصادق” التي قامت بها قوات الدفاع الجوي والصاروخي لـ “حرس الثورة الإسلامية”، حاول التقليل من أهمية عدد الصواريخ التي استطاعت اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو التي استطاعت عبور المظلة الدولية التي شكلتها الولايات المتحدة للتصديق لهذا الهجوم، وأيضاً القلق من أهمية الأهداف التي تم استهدافها أو إصابتها، معتبراً أن قرار الهجوم في حد ذاته يعتبر تحولاً إستراتيجياً غير مسبوق، لأنه أرسى أو أدخل المنطقة في معادلات جديدة ضمنت لإيران موقعاً أساساً ومحورياً فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المرشد ذهب مباشرة إلى تداعيات الهجوم الإيراني على المعادلات الجديدة في الإقليم، معتبراً أن إيران باتت قوة لا يستهان بها على المستويين الإقليمي والدولي، ومن الصعب تجاوزها في أي تسوية مقبلة، بخاصة أن هذا الرد أفهم الجانب الأميركي أن تفويض الجانب الإسرائيلي برسم معادلات الإقليم لم يعد مطروحاً، وأن إسرائيل باتت بحاجة إلى حماية أميركية مباشرة للحفاظ على استقرارها وأمنها وموقعها في المنطقة، وبالتالي فإن مشروع محاصرة إيران قد تراجع ولم يعد قادراً على تحقيق أهدافه.

وقد يكون هدف إيران المباشر من الهجوم الصاروخي والمسير على العمق الإسرائيلي هو الانتقام لمقتل قياداتها العسكرية والاعتداء على أراضي سفارتها السيادية في سوريا، إلا أن الواضح لدى هذه القيادة وجود هدف أكثر أهمية وإستراتيجية كان موجهاً للإدارة الأميركية، بشكل خاص ومباشر، تحاول القول فيه إن أية تسوية في المنطقة عامة والمسألة الفلسطينية بخاصة من دون الأخذ بالاعتبار المصالح الإيرانية لن تمر بسهولة، وإن طهران على استعداد للذهاب إلى آخر الخيارات من أجل  الدفاع عن مصالحها الإستراتيجية ومشروعها الإقليمي، لأن أية خسارة في هذا الإطار ستعني أن النظام لن يكون قادراً، في المستقبل، عن الدفاع عن نفسه أمام الضغوط والتهديدات الداخلية والخارجية.

وعندما اختار رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كسر أو تجاوز الخطوط الحمر التي كانت قائمة بينه وبين طهران، والتي كان مسرحها الجغرافيا الأوسع التي تتجاوز الإقليم، وجد النظام الإيراني الفرصة أمامه متاحة لتوجيه رسائله إلى الجهة التي تولت مهمة تثبيت الأركان الإسرائيلية والحد من الآثار السلبية للحرب التي تخوضها ضد قطاع غزة، وعدم قدرتها على الوصول إلى مرحلة الحسم النهائي لها بعد أكثر من ستة أشهر على بدئها.

الميدان الإيراني (مؤسسة حرس الثورة) الذي استعد ودخل في حال استنفار لكل مقدراته العسكرية والأمنية الداخلية والإقليمية، حاول تجنب نقطة الصفر من خلال منح الدبلوماسية هامشاً للعب دور سياسي مع الأطراف المعنية بالتصعيد وتداعياته، في محاولة لابتزازها والحصول على مكاسب ومكتسبات في مقابل السكوت عن العمل العسكري، إلا أنه وعلى رغم إعطاء هذا الهامش للدبلوماسية من جهة، فقد عمد إلى مصادرة دورها من جهة أخرى من خلال استدعاء سفير سويسرا إلى مقر قيادته وتحميله رسالة إلى الجانب الأميركي، باعتبار أن دولته هي الراعي الرسمي للمصالح الأميركية في إيران، ليقول بهذا الإجراء إنه الجهة المعنية بالتفاوض وإن “الأمر لي” في مستقبل الموقف الإيراني من التطورات التي يشهدها الإقليم.

الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي انطلقت في الـ 14 من أبريل الماضي لم يكن الهدف منها فقط إيصال رسالة ردع لإسرائيل وإعادة تثبيت قواعد الاشتباك ضمن خطوط حمر جديدة، بل أيضاً حملت رسالة أكثر أهمية للجانب الأميركي بأن الأمور وصلت إلى مرحلة قد يكون من الصعب التراجع عنها في حال استمر التصعيد، وأن ما حملته هذه الصواريخ والمسيرات من المفترض أن يفتح الطريق أمام عملية حوار شاملة حول مختلف الملفات بما فيها العقوبات والأزمة النووية والتسويات الإقليمية ضمن معادلات جديدة.