Home سياسة معارك الأبيض تعيد شراسة المواجهات في حرب السودان

معارك الأبيض تعيد شراسة المواجهات في حرب السودان

111
0

اندلعت معارك شرسة في السودان أمس في مدينة الأبيض وامتدت إلى مدن تندلتي وأم روابة في ولاية شمال كردفان، ووصلت المعارك إلى الطريق الرابط بين الأبيض ومدينة الرهد.

وتحاصر قوات “الدعم السريع” مدينة الأبيض منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، ومنذ ذلك الوقت ظلت المدينة مسرحاً للمعارك حولها من دون تمكن الجيش من السيطرة عليها.

وفي التطور الأخير أعلن الجيش السوداني استعادة قاعدة عسكرية وسيطرته على معسكر قوات الاحتياط المركزي التابع للشرطة السودانية بمدينة الأبيض من “الدعم السريع”، ولكن متحدث القوات ذكر أنهم صدوا الهجوم فيما قتل نحو 900 من قوات الجيش.

وأصدرت “الدعم السريع” بياناً في وسائل التواصل الاجتماعي، وبثت مقطع فيديو يظهر قوات تابعة لها داخل معسكر الاحتياط المركزي، وكان رد الجيش بمقطع فيديو آخر لجنوده داخل المعسكر نفسه.

أهمية “عروس الرمال”

 وعلى رغم هذه التطورات وتضارب الأنباء إلا أن هناك أخباراً عن محاولة الجيش فتح الطريق القومي الرابط بين مدينتي الأبيض وكوستي على النيل الأبيض، حيث تسيطر “الدعم السريع” على هذا الطريق المهم الذي يهدد مدن تندلتي وأم روابة والرهد التي تحوي مشاريع زراعية مهمة للاقتصاد القومي.

وتربط كوستي بين شمال وغرب وجنوب السودان بدولة جنوب السودان، حيث تنشط المدينة في مجال النقل النهري للبضائع والسكان بين الدولتين، كما تتوارد أنباء عن محاولات الجيش التوسع نحو استعادة مواقع حيوية بالسيطرة على منطقة الكهرباء التحويلية، وهي محطة مركزية خارج الأبيض تغذيها بالكهرباء، ظلت منذ مدة تحت سيطرة “الدعم السريع”.

 وتقدر مساحة ولاية شمال كردفان بنحو 700 كيلومتر مربع وتضم خليطاً قبلياً، وتنبع أهمية مدينة الأبيض المسماة “عروس الرمال” من ناحية إستراتيجية لكونها واحدة من أكبر مدن السودان، وبها قوات “الهجانة” من قيادة الفرقة الخامسة مشاة التابعة للجيش، وكذلك تضم القاعدة الجوية.

ومن الناحية الاقتصادية فهي ممر تجاري مهم وتشتهر بأكبر سوق للمحاصيل النقدية، وبها أكبر بورصة للصمغ العربي في العالم، كما يمر بها خط أنابيب النفط الممتد من دولة جنوب السودان إلى ميناء بشائر في بورتسودان بولاية البحر الأحمر شرق البلاد، وفيها مصفاة الأبيض أحد أربع مصاف للنفط إلى جانب مصفاة الخرطوم (الجيلي) ومصفاة بورتسودان ومصفاة أبوجابرة.

كرة النار

  وتعكس المعارك في ولاية شمال كردفان اتساع كرة النار في غرب البلاد، فمنذ بداية الحرب سُلطت الأضواء على اجتياح قوات “الدعم السريع” ولايات غرب وجنوب دارفور في الإقليم المجاور لكردفان، وارتكاب ما وصفته منظمات دولية بمجازر تطهير عرقي ضد قبيلة المساليت، ولم تقتصر الحرب على ذلك وإنما تجمعت قوات “الدعم السريع” خلال الأيام القليلة الماضية حول مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، فيما شن الجيش قصفاً جوياً ودارت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة.

 

 

 وفي يناير (كانون الثاني) الماضي تعرضت ولاية غرب كردفان أيضاً إلى معارك عنيفة أحاطت بمدينة بابنوسة، حيث شن الجيش السوداني غارات استهدفت مواقع لقوات “الدعم السريع” غرب وجنوب المدينة مستخدماً الطيران الحربي الذي أسقط طائرة مسيرة تابعة للقوات التي يقودها محمد حمدان دقلو، بينما واصل الطرفان القتال بالأسلحة الثقيلة.

وتدخلت قوات “الفرقة الخامسة مشاة” والمعروفة باسم “الهجانة” من مقرها مدينة الأبيض خلال القتال، وأشار الجيش في صفحته على “فيسبوك” إلى أن قواته استولت على عدد من المركبات القتالية والأسلحة والذخائر من قوات “الدعم السريع”.

دور الهجانة

عندما قاد محمد علي باشا حملته من مصر لفتح السودان عام 1820، كانت هناك حملة موازية عام 1821 لفتح كردفان غرب البلاد بقيادة محمد بك الدفتردار، وتحركت من الجيش التركي – المصري الموحد الذي وصل إلى مدينة دنقلا شمال البلاد، وتحركت حملة في الغرب حتى وصلت إلى مدينة بارا شمال الأبيض وضمت عدداً من أبناء قبائل كردفان العربية وهم من راكبي الجمال، وحدثت معركة في العام نفسه انتهت بهزيمة جيش السلطان محمد الفضل سلطان دارفور.

واستقرت رئاسة “الهجانة” في كردفان نسبة إلى النجاح الذي حققته قوات “الهجانة” الأولى التي صاحبت الكولونيل ماهون في الحملة على كردفان، إضافة إلى وقوع مدينة الأبيض في منطقة إستراتيجية كملتقى طرق التجارة وسهولة التحرك منها وإليها، ووجود المراعي في سهولها المنبسطة.

وفي عام 1902 جندت رئاسة “الهجانة” لواء جميع جنوده من قبيلة البقارة في شمال الإقليم، وأبناء جبال النوبة في جنوب كردفان، وكان اللواء الأول يعسكر في غرب بارا ثم أعقبه تأسيس لواء آخر عسكرت قواته في مدينة الأبيض، وكانت قوات “الهجانة” تُدار من مكاتب الكنيسة الإنجليزية واستمرت حتى عام 1980 حيث انتقلت إلى مبناها الحالي في مدينة الأبيض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشاركت قوات “الهجانة” في معارك داخلية عدة منها معركة تلودي (أبو رفاس)، ومعركة جبال تقلي جنوب كردفان عام 1910، وأسهمت تحت رعاية الحكم البريطاني – المصري في وضع الحدود بين السودان وكل من إثيوبيا وكينيا ويوغندا وزائير، وكذلك الكونغو وأفريقيا الوسطى، كما اشتركت في الحرب الإيطالية الحبشية في منطقة أم بريقع في جبال البحر الأحمر 1939.

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية فرضت إيطاليا حصاراً على مدينة كسلا شرق السودان، فاشتركت الهجانة في فك الحصار عن المدينة عام 1940، وتوغلت القوات داخل إريتريا ضمن قوات الحلفاء، كما شاركت في استرداد حامية الاستوائية بجنوب السودان من قوات التمرد عام 1955.

خسائر مؤكدة

من جانبه قال موقع “مراقبة حرب السودان، “بما إنه لم يصور جميع قتلى الحرب في الفيديوهات التي بثها الطرفان، فإن إجمال عدد القتلى أقرب إلى أن يكون ما بين 500 و 1000 قتيل”.

وأورد الموقع أن “مصادر في قوات الدعم السريع اعترفت بوجود خسائر في صفوفها، بينهم ضابط برتبة مقدم وهو عبدالمنعم توتو الشهير بـ ’شعيرية‘ إضافة إلى نقيبين وملازمين”.

وأضاف الموقع أنهم استخدموا تحديد الموقع الجغرافي وتمكنوا من تحديد المنطقة التي صورت فيها كثير من مقاطع الفيديو، بما فيها مقطع يظهر قوات “الدعم السريع” وهي تحاول إطلاق النار على جنود القوات المسلحة السودانية الهاربين، والجنود القتلى والجرحى.

ووفقاً لذلك أوضح الموقع “هزمت قوات الدعم السريع قوة من القوات المسلحة السودانية في منشأة عسكرية تابعة لفرقة المشاة الخامسة، وليس مقر الفرقة الرئيس، قرب جبل كردفان جنوب الأبيض، بعد تقدم القوات المسلحة السودانية جنوب شرق الأبيض”.

وأوضح أنه “وبشكل منفصل قام مقاتلو القوات المسلحة السودانية في وقت سابق بتصوير مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يتقدمون نحو هذا الموقع ويسيطرون موقتاً على المنشأة العسكرية في جبل كردفان، قبل هجوم مضاد لقوات الدعم السريع”.

وتابع، “أطلق أحد جنود الدعم السريع رصاصة تهديدية على الأرض بجوار سجناء معصوبي الأعين وما زالوا على قيد الحياة، مما يدل على استعداده لإيذاء أسرى الحرب”.

ورجح الموقع أن “الفيديو يظهر جثث مجموعة من الجنود العزل الذين اعتقلتهم قوات الدعم السريع واقتادتهم إلى هذا الموقع قبل أن تقتلهم بالرصاص، وبدلاً من ذلك فربما كان الرجال مختبئين في هذا الأخدود ومحاولين تجنب القبض عليهم عندما تم اكتشافهم ومهاجمتهم”.

وذكر الموقع أنه اطلع على نسخة أطول من هذا الفيديو وفيه قوات “الدعم السريع” وهي تستجوب جندياً جريحاً من القوات المسلحة ينتمي إلى الفرقة الخامسة – مشاة بالأبيض، فيما يبدو أنه سُحب إلى الوادي ناجياً من إطلاق النار الذي أدى إلى مقتل رفاقه.

أوضاع قاسية

وتسببت الحرب التي اندلعت في السودان منذ الـ 15 من أبريل 2023 في حركة نزوح ولجوء واسعة طاولت معظم أقاليم السودان، خصوصاً الخرطوم ودارفور والجزيرة، فقد كشفت منظمة الهجرة الدولية عن ارتفاع عدد النازحين واللاجئين منذ اندلاع الحرب إلى نحو 9 ملايين شخص فروا من منازلهم إلى داخل السودان وخارجه، حيث نزح 6.5 ملايين شخص داخل البلاد وتم إيواؤهم في جميع ولايات السودان.

 

 

وأشارت المنظمة إلى أن ولاية جنوب دارفور ونهر النيل سجلتا أعلى نسبة استقبال للنازحين بلغت 11 في المئة للولايتين، تليهما شرق دارفور بـ 10 في المئة.

وأوردت منظمة الهجرة عبور نحو 1.5 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، كما خلفت الحرب أكثر من 13 ألف قتيل ونحو 26 ألف مصاب.

ويعاني النازحون أوضاعاً إنسانية قاسية بسبب الإيواء غير الملائم وعدم توفر المساعدات وأزمة المياه والكهرباء في مختلف الولايات إلى جانب ارتفاع كلف المعيشة والمساكن، وعدم توفر فرص العمل.

 وفي السياق ذاته حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن “ما لا يقل عن 25 مليون شخص يعانون ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية، إذ تجبر الحرب في السودان آلاف الأشخاص على عبور الحدود إلى تشاد وجنوب السودان كل أسبوع”، محذراً من كارثة جوع مدمرة تلوح في الأفق مع ارتفاع الحاجات الغذائية في البلدان الثلاثة.

 ويقول مسؤولون في منظمات دولية إن الأوضاع الإنسانية في معسكرات النزوح تزداد سوءاً في ظل نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، كما حذرت الأمم المتحدة من خروج الأوضاع الإنسانية عن السيطرة، مناشدة طرفي الحرب بوقف القتال وفتح الممرات الإنسانية.