Home سياسة احتجاجات الجامعات الأميركية بين حربي غزة وفيتنام… 54 عاما من التقلبات

احتجاجات الجامعات الأميركية بين حربي غزة وفيتنام… 54 عاما من التقلبات

110
0

وسط فجوة عميقة بين الأجيال والاحتجاجات المناهضة للحرب في الجامعات الأميركية وقرب انعقاد المؤتمر الوطني للحزب “الديمقراطي” في شيكاغو، تتبادر إلى الأذهان مقارنات بين الاحتجاجات الحالية على الهجمات الإسرائيلية في قطاع غزة وبين الحركة المناهضة لحرب فيتنام.

وتحل اليوم السبت الذكرى السنوية 54 لإطلاق النار في جامعة كينت الحكومية، عندما تم إرسال قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو لقمع احتجاجات في الحرم الجامعي فأطلقت الرصاص على 13 طالباً، مما أسفر عن مقتل أربعة منهم وأطلق العنان لموجة من الاضطرابات في أنحاء البلاد.

وتختلف التحركات التي تشهدها الجامعات في الولايات المتحدة منذ أسبوعين من حيث الحجم والدوافع، كما تغيرت الاتحادات الطلابية وكذلك الحزب “الديمقراطي”، لكن بالنظر إلى السباق المتقارب المنتظر بين الرئيس الحالي جو بايدن المنتمي للحزب “الديمقراطي” والرئيس السابق دونالد ترمب المنتمي للحزب “الجمهوري” فإنه من المحتمل أن يكون للاحتجاجات تأثير سياسي.

 عدد القتلى

بحلول عام 1970، كانت حرب فيتنام أكملت خمس سنوات، وأعلن الرئيس آنذاك الجمهوري ريتشارد نيكسون توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا، وبحلول نهاية 1970، كان تم تجنيد ما يقارب 1.8 مليون شاب أميركي، ولقي نحو 30 ألفاً حتفهم.

ولا تقاتل أي قوات أميركية في الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن كثيراً من المواطنين الأميركيين فقدوا أفراداً من عائلاتهم هناك.

واندلعت الحملة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة عقب الهجوم الذي شنه مسلحو حركة “حماس” على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والذي أسفر بحسب الإحصاءات الإسرائيلية عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 253 رهينة.

وتقول سلطات الصحة في القطاع إن القصف الإسرائيلي أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 34600 فلسطيني ونزوح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

ونظم الطلاب في عشرات الجامعات على مستوى الولايات المتحدة تظاهرات أو اعتصامات للتعبير عن معارضتهم للحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبين المؤسسات بالتوقف عن التعامل مع الشركات التي تدعم الحرب، واعتقلت الشرطة ما يزيد على ألفين من المحتجين.

 تحول في دعم الحرب

تأثر الرأي العام مع تزايد أعداد القتلى في غزة وصور الدمار واسع النطاق هناك، إذ تراجع تأييد الهجوم العسكري الإسرائيلي من 50 في المئة في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 36 في المئة أواخر مارس (آذار) الماضي.

ويواجه بايدن الذي وقع الشهر الماضي على تشريع لتقديم مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار إلى إسرائيل، انتقادات متزايدة لطريقة تعامله مع الأزمة، إذ صوت مئات آلاف الناخبين بوضع العلامة أمام اختيار “غير ملتزم” في بطاقة اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي أخيراً للتعبير عن خيبة أملهم وغضبهم.

وفي مقارنة بين الحربين، أشار السيناتور بيرني ساندرز إلى قرار الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون بعدم الترشح في انتخابات 1968 وسط الغضب المتزايد من حرب فيتنام.

وقال ساندرز لشبكة “سي إن إن”، “أشعر بقلق بالغ من أن الرئيس بايدن يضع نفسه في موقف لا يكون فيه بمعزل فقط عن الشباب بل عن كثيرين ضمن القاعدة الديمقراطية، في ما يتعلق بآرائه حول إسرائيل وهذه الحرب”.

 حجم ونطاق الاحتجاجات

الأستاذ في جامعة برينستون كيفن كروس قال إن حجم الاحتجاجات وحدتها ازدادا بحلول 1970، إذ اجتذبت بعض التظاهرات عشرات بل مئات آلاف المشاركين.

وأضاف أن بعض تلك الاحتجاجات شهد عنفاً أيضاً، على عكس التحركات السلمية إلى حد بعيد التي شوهدت حتى الآن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.

وتابع أنه “في الليلة السابقة لإطلاق النار، أحرقوا مبنى فيلق تدريب ضباط الاحتياط، لم يكُن هؤلاء مجرد مجموعة من الطلاب يجلسون في خيام على العشب”.

 

 

وأثار إطلاق النار في جامعة كينت احتجاجات جديدة مناهضة للحرب في أنحاء الولايات المتحدة، بل في أماكن بعيدة مثل ملبورن بأستراليا، حيث تجمع 100 ألف للاحتجاج، واحتشد ما يقارب 100 ألف في واشنطن العاصمة بعد أيام قليلة من إطلاق النار.

وقال كروس إن الأمر تكرر ولكن على نطاق أصغر بكثير، إذ أثار رد فعل السلطات في البداية على الاحتجاجات المناهضة لحرب غزة في جامعة كولومبيا في أبريل (نيسان) الماضي أيضاً احتجاجات تضامنية، مضيفاً أن التحرك في كولومبيا كان من الممكن أن يتلاشى إذا اختار المسؤولون تجاوزه بهدوء حتى يحل الصيف.

 عدم الإنصات والقبعات الصلبة

أثارت أولى تعليقات بايدن على الاحتجاجات المتصاعدة اتهامات جديدة له بعدم الإنصات إلى المشكلات، تماماً كما يشير الناشطون العرب الأميركيون والمسلمون إلى أن البيت الأبيض لم يستمع إلى مخاوفهم إزاء دعم إسرائيل.

وقال بايدن “هناك حق في الاحتجاج، لكن ليس في إثارة الفوضى”.

وبعد وقت قصير من إطلاق النار في جامعة كينت، دعا نيكسون مجموعة من عمال البناء إلى البيت الأبيض في أعقاب ما أطلق عليه “شغب القبعات الصلبة”، عندما هاجم 400 عامل بناء و800 من القائمين بأعمال مكتبية نحو 1000 محتج في مدينة نيويورك.

مزيد من التنوع في العرق والنوع

في 1970، كان هناك زهاء 7.2 مليون طالب مسجلين في الجامعات الأميركية، شكلت النساء 41 في المئة منهم بينما كان الطلبة السود سبعة في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الآن، ووفقاً للمركز الوطني البحثي المعني بتبادل معلومات الطلاب، يوجد في الولايات المتحدة ما يربو على 15 مليون طالب جامعي، يمثل الطلاب البيض نحو 41 في المئة منهم واللاتينيون 18 في المئة والسود 11 في المئة والآسيويون ستة في المئة، فيما يفوق عدد الطالبات عدد الطلاب في الجامعات.

وقال جيمس زغبي، أحد المحتجين في حقبة فيتنام ومؤسس المعهد العربي- الأميركي إنه بينما كان للحركة النسائية وحركات الحقوق المدنية نشاط بارز في أواخر الستينيات، كانت تلك الجماعات أقل اتحاداً وأكثر خلافاً مما هي عليه اليوم.

وأضاف أن “هذا جيل يتسم بالتعددية، إنهم الأطفال نفسهم الذين كانوا يقودون حركة ’حياة السود مهمة‘ أو ’مسيرة النساء‘ أو الاحتجاجات ضد حظر دخول المسلمين أو الاحتجاج المطالب بإجراءات سلامة لحيازة الأسلحة”.

 انقسامات الديمقراطيين

كانت هناك انقسامات حادة آنذاك بين الأجيال، كما هي الحال الآن، حتى داخل الحزب “الديمقراطي”.

وحذر الخبير الاستراتيجي الديمقراطي جيمس كارفيل (79 سنة) الأحد الماضي المحتجين في مقطع مصور متداول مليء بالألفاظ النابية على منصة “إكس” من أنهم قد يساعدون ترمب على الفوز مجدداً بمنصب الرئيس عبر زرع الانقسامات داخل الحزب.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة “يوغوف” أول من أمس الخميس أن 53 في المئة من البالغين يشعرون بأن قرار مديري الجامعات بتعليق دخول بعض المحتجين المؤيدين للفلسطينيين فصولهم الدراسية أو فصلهم كان “صحيحاً” أو “ليس حازماً بما فيه الكفاية”، ويقفز هذا الرقم إلى 68 في المئة لدى من تبلغ أعمارهم 65 سنة أو أكثر.

وقالت ديلارا سعيد رئيسة التحالف المدني الإسلامي، وهو منظمة غير ربحية مقرها شيكاغو، إن الحزب لا يزال بعيداً من التواصل مع ناخبيه من الشبان والسود، مردفة أنه “كانت لدى الحكومة سياسة عارضها الشبان والأميركيون من أصحاب البشرة الداكنة، وهي استخدام أموال ضرائبنا وإرسال قوات إلى القتال في حرب لا نوافق عليها، وهذا هو ما نحن فيه الآن”.

وقال عباس علوية، وهو مساعد كبير سابق في الكونغرس وأحد منظمي حملة “غير ملتزم” في ميشيغان إن قيادة الحزب معرضة بشدة لتكرار أخطاء حقبة فيتنام.

وأضاف علوية أنه “في 1968، كان أحد الإخفاقات الكبرى لمؤسسة الحزب هو تجاهل الشبان المناهضين للحرب ومواصلة الحرب المروعة في فيتنام وإبعاد الناخبين الشبان، ولدي شعور بأنهم معرضون لخطر ارتكاب الأمر نفسه”.

وقالت ميا إرينبرغ المتحدثة باسم حملة الرئيس جو بايدن إن الحملة تتفاعل بصورة نشطة مع الناخبين الشبان، مشيرة إلى أن هذه الجهود بدأت قبل أشهر من الدورة الانتخابية السابقة، وذكرت الحملة أن بايدن حصل أيضاً على تأييد 15 مجموعة تصويت من الشبان ستوظف مئات المنظمين وتحشد مئات آلاف المتطوعين.

وشدد المتحدث باسم المؤتمر الوطني للحزب “الديمقراطي” مات هيل على أهمية الاحتجاج السلمي من أجل الديمقراطية في الولايات المتحدة، قائلاً إن المؤتمر سيسلط الضوء على ما سماه “وحدة الديمقراطيين وحماستهم، في تناقض صارخ مع الفوضى والتطرف المشتعل في الحزب الجمهوري”.

24  ساعة في اليوم

تلقت الحركة المناهضة لحرب فيتنام زخماً من التغطية الإعلامية للصراع الذي أطلق عليه “الحرب التلفزيونية” الأولى للولايات المتحدة، مع البث اليومي لصور جثث الجنود القتلى العائدين للبلاد. ويحظر الجيش الأميركي الآن هذه الصور.

 

 

وقالت كريستيانا ليهي، وهي عضو مجلس إدارة سابقاً في منظمة العفو الدولية وأكاديمية في كلية مكدانيال بماريلاند، إن الطلاب اليوم يشاهدون تطور الحرب لحظة بلحظة عبر هواتفهم.

وأضافت “من خلال ’إنستغرام‘ و’تيك توك‘ وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي، يحصلون على صور كل يوم، إنها موجودة على هواتف الجميع 24 ساعة في اليوم”.

 مؤتمر أقل صخباً

ربما تتفاقم الانقسامات خلال المؤتمر الوطني للحزب “الديمقراطي” في شيكاغو في أغسطس (آب) المقبل ولكن زغبي رجح أن تكون التحديات التي يواجهها بايدن خلاله أقل مما كانت عليه في 1968.

وأضاف “لم تعُد حال الحزب كما كانت في 1968 عندما كان هناك شقاق داخله”، مشيراً إلى أن بايدن نجح في نيل ترشيح الحزب ولا توجد فرصة أمام أي مرشح آخر للظهور في معركة أمامه في قاعة المؤتمر.

وهناك اختلاف رئيس آخر هذا العام، فقد عُقد مؤتمر 1968 بعد أشهر قليلة من اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج والمرشح الرئاسي الديمقراطي البارز روبرت كنيدي، مما أزعج أمة منقسمة بالفعل بسبب حرب فيتنام والثورة الاجتماعية.

ويستعد حاكم ولاية إيلينوي جي بي بريتسكر ووكالات إنفاذ القانون المحلية لمواجهة احتجاجات.

وقالت مؤسسة منظمة “نيو ساوث سوبر بي إيه سي” إنسيه أوفوت “لن يجد الحزب (الديمقراطي) أي مكان في الولايات المتحدة يعقد فيه مؤتمره من دون أن يواجه بإحباط أفراد قاعدته ورغبتهم في رؤية أولوياتهم تنعكس في برنامج الحزب”، مردفة أنه “لا يمكنكم الاختباء يا أعزائي”.