Home سياسة زراعة البن… التغير المناخي يمنح مصر أملا بعيدا

زراعة البن… التغير المناخي يمنح مصر أملا بعيدا

109
0

تسعى مصر منذ سنوات إلى زراعة البن على أراضيها، سعياً إلى توفير قيمة استيراد المشروب الضروري، لضبط “مزاج” المصريين. وفي الأيام الأخيرة سادت حالة من التفاؤل بقرب تحقيق النجاح في ذلك الملف، غير أن وزارة الزراعة قالت إن الأمر “ما زال طور التجارب العلمية”.

ما أعاد فتح الملف هو تقارير إعلامية نقلت عن خبراء في وزارة الزراعة نبأ نجاح تجارب زراعة المحصول الاستوائي للمرة الأولى بعد 17 عاماً من التجارب، إذ أعلنت أستاذ الزراعات الاستوائية في مركز البحوث الزراعية، نهاد مصطفى، أن التجارب الجارية في القناطر الخيرية، شمال القاهرة، “أتت بثمارها من طريق زراعة البن تحت أشعة الشمس المباشرة في مساحة تقدر بـ1.5 فدان”.

وأضافت مصطفى، في تصريحات صحافية، أن الأبحاث بدأت على أرض الواقع منذ عام 2007، والآن بدأ حصاد ثمار التجربة بتحقيق إنتاجية جيدة من الفدان الواحد. مشيرة إلى أنه سابقاً كان السبيل لزراعة أشجار البن في مصر هو أن تكون تحت أشجار المانغو والنخيل والأفوكادو، لتوفير رطوبة لنمو أشجار البن.

المتخصصة في الزراعات الاستوائية بمعهد بحوث البساتين كشفت عن أن تجارب زراعة البن بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي، حين أهدى اليمن لمصر بعض الأشجار، لكن التجارب “لم تنجح لعدم وجود صوبات زراعية آنذاك”.

تفاؤل شعبي

واستقبل المواطنون تلك التقارير الإعلامية بكثير من التفاؤل، إذ اعتبروا في تعليقاتهم على مواقع التواصل أنه “سيكون حلاً لأسعار البن التي ارتفعت في العامين الأخيرين”، مثل كل المواد المستوردة. وأشار كثر إلى سوء بعض المنتجات في السوق، وأنها تكون مخلوطة بـ”نوى البلح” و”البسلة”، وأحياناً قشر الفول السوداني والقمح، وغيرها من الإضافات الرخيصة الثمن التي تستخدم لتقليل نسبة البن الخام والغش في مكوناته.

وتزايدت في الفترة الأخيرة وقائع ضبط مطاحن للبن المغشوش تعمل من دون ترخيص، بعضها يعبئ بناً سابق الاستخدام، ويضيف خامات مجهولة المصدر.

ومنذ العام الماضي، أزعج عشاق “فنجان القهوة” ارتفاع أسعار البن أربع مرات خلال أقل من عامين، لتتخطى بعض الأنواع نحو 900 جنيه للكيلوغرام الواحد (19 دولاراً أميركياً)، وهو ما أرجعته شعبة البن في الغرف التجارية إلى ارتفاع الأسعار العالمية، وكذلك زيادة قيمة الدولار مقارنة بالجنيه، إذ وصل إلى نحو 48 جنيهاً للدولار حالياً بدلاً من 15.6 جنيه، وزاد من كلفة الاستيراد ارتفاع كلف الشحن، بسبب التوترات في البحر الأحمر، وتداعياتها على مسارات السفن وكلفة الشحن.

 

لكن وزارة الزراعة المصرية كبحت جماح ذلك التفاؤل، وأصدرت بياناً يوضح حقيقة الأمور، بعد اجتماع عقده وزير الزراعة السيد القصير مع الفريق البحثي لتجربة زراعة البن، وجه خلاله بإجراء مزيد من التجارب التطبيقية في ضوء التغيرات المناخية الجديدة، إضافة إلى العمل على تحليل صفات جودة ثمار شجرة البن قيد التجربة، ودراسة الجدوى الاقتصادية لها، قبل اتخاذ خطوات اعتمادها وتسجيلها وإعلانها.

وذكر البيان أن رئيس مركز البحوث الزراعية عادل عبدالعظيم، أرجع نجاح تجارب زراعة البن إلى “تغير الظروف المناخية خلال العامين الماضيين”، مما دفع وزير الزراعة إلى التوجيه بإعادة تجارب زراعة محاصيل لم تزرع من قبل بسبب التغيرات المناخية، ومنها محصول البن وبعض المحاصيل الاستوائية الأخرى.

وأوضح أنه بسبب التغيرات المناخية أخيراً “بدأت أشجار البن تثمر”. مشيراً إلى وجود تجارب بحثية سابقة لزراعة البن في مصر، لكنها “لم تحقق نتائج بسبب عدم ملاءمة الظروف المناخية المصرية لزراعة البن الذي يحتاج إلى أجواء استوائية للنضوج”.

ومن المتوقع أن توسع وزارة الزراعة تجارب زراعة البن بزراعة 120 ألف شتلة في محافظات عدة لم تحدد حتى الآن، حسب تقارير صحافية، ذكرت أنه فور الانتهاء من التجارب سيجري الإعلان رسمياً عن المحافظات التي ستشهد زراعة البن.

مبالغات

رئيس مركز معلومات تغير المناخ في وزارة الزراعة، محمد فهيم، وصف ما تردد عن استغناء مصر عن استيراد البن عقب الإعلان عن نجاح تجربة زراعته بالقناطر بأنه “مبالغات لا يجوز تناولها، وبث الآمال الكاذبة للمواطنين”.

وشرح فهيم تفاصيل “إعلان زراعة البن في مصر”، قائلاً لـ”اندبندنت عربية” إن التغيرات المناخية على المدى البعيد وليست الآنية “قد تغير جزئياً” مناخ مواسم معينة وليس المناخ الكلي في مصر، بحيث لن تصبح مصر دولة مطيرة مثلاً. موضحاً أن التغيرات المناخية الجزئية في مصر “غيرت من التراكيب المحصولية لشجرة البن فأزهرت وأثمرت”.

وأضاف، “البن محصول مناطق استوائية يزهر في الحرارة العالية، وجرت تجربة أشجار البن في مصر على مدى الـ40 عاماً الماضية، لكن مع التغيرات المناخية بدأت الشجرة تستجيب لتغيرات متعلقة بزيادة الرطوبة وتذبذبات حرارة معينة فبدأ التزهير وإنتاج ثمار كأنها أقرب للموطن الأصلي”، وفق قوله.

 

وأوضح فهيم أن أشجار البن زرعت في الدلتا والقناطر، إذ الرطوبة العالية، وما حدث يعد “حالة استثنائية”، فأشجار البن جاءت هدية من اليمن عام 1985، وزرعت في أماكن عدة في مصر، لكنها لم تستمر سوى في منطقة القناطر، لأنها أقرب إلى المناخ الاستوائي، أما الباقي فبقي أشجار زينة.

لكن، هل نضوج ثمار يعني أنها تتساوى مع “البن الأصلي” الذي يزرع في المناطق الاستوائية؟ يقول فهيم إن الإجابة عن هذا السؤال “قيد البحث والتجربة حالياً، بعد النجاح في زراعة الشجرة، للتأكد من جدواها الاقتصادية ثم نشرها”. مشيراً إلى أن زراعة نباتات استوائية في مصر “حدثت من قبل نتيجة التغيرات المناخية وبدأت تزرع تجارياً، بداية من المانغو ثم الموز، وأخيراً الأفوكادو وفاكهة التنين والأناناس والباباظ، وهي جميعاً أصبحت متأقلمة مع مناخ مصر”.

وأشار إلى أن تأثير التغيرات المناخية على زراعة البن “لم تقتصر على زراعته في دول غير معتادة مثل مصر، لكنها طاولت أيضاً أماكنه التقليدية، فصدرت تقارير خلال السنوات القليلة الماضية أشارت إلى تأثر كبير لإنتاج البن في مناطق الزراعة الأصلية، مثل البرازيل وكولومبيا وكينيا وفيتنام، بعدما طالتها التغيرات المناخية، مثل الجفاف واختلاف توزيعات الأمطار واختلاف درجات الحرارة”، لافتاً إلى تأثر محاصيل معينة فعلياً مثل البن والكاجو والشاي، متوقعاً تراجع إنتاج البن بصورة كبيرة في الفترة المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فشل سابق

كذلك، استبعد أستاذ المياه والأراضي بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، زراعة البن في مصر. ووصفه بأنه “لا يقوم على أساس علمي، مصر ليس بها مرتفعات وهضاب ولا مناخ استوائي ولا حرارة أقل من 30 درجة مئوية باستمرار على مدى العام، وهي جميعاً العوامل الأساسية لزراعة المحاصيل الاستوائية مثل البن والشاي والكاكاو والمكسرات”.

وأشار نور الدين، في تدوينة على حسابه في “فيسبوك”، إلى أنه جرت تجربة زراعة الشاي من قبل في محافظة الفيوم، جنوب غربي القاهرة، وبالفعل أثمرت الشجرة، لكن المحصول “لم يكن طعمه له علاقة بطعم الشاي”، متوقعاً تكرار ذلك في تجربة زراعة البن في مصر.

وتستورد مصر حاجاتها الاستهلاكية من البن كاملة، وقبل عامين كانت تصل كمية البن المستوردة إلى 70 ألف طن سنوياً، من دول عدة أبرزها إندونيسيا والبرازيل والهند وفيتنام.

 

وارتفعت قيمة واردات مصر من البن 1.9 في المئة خلال أول 10 أشهر من العام الماضي، لتسجل 167.6 مليون دولار، في مقابل 164.434 مليون دولار خلال الفترة نفسها من 2022.

غير أن الواردات انخفضت في الربع الأول من العام الحالي 30.8 في المئة، لتسجل نحو 14.5 مليون دولار، بدلاً من 20.8 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وأفاد تقرير صادر عن المنظمة الدولية للقهوة، ومقرها العاصمة البريطانية لندن، بأن شعبية مشروب القهوة في قارة أفريقيا باتت تزداد سنوياً بمعدل 2.6 في المئة. وجاءت مصر في المركز الثالث من جهة الاستهلاك في القارة الأفريقية بعد إثيوبيا والجزائر.

ووفق إحصاء 2020 – 2021 الصادر عن منظمة القهوة العالمية جاءت مصر في المرتبة الثانية في استهلاك القهوة بين الدول العربية بـ1.27 مليون كيس، بعد الجزائر بـ2.13 مليون.

وتحتل البرازيل قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للبن، إذ تنتج ما بين 30 و32 في المئة من الإنتاج العالمي، تليها فيتنام 18 في المئة، ثم كولومبيا وإندونيسيا ثمانية في المئة لكل منهما، وإثيوبيا ستة في المئة، وتنتج دول أخرى نسباً أقل، منها أوغندا والهند والمكسيك.