Home سياسة النفط والمناخ والنمو الاقتصادي بين الأساسات والادعاءات

النفط والمناخ والنمو الاقتصادي بين الأساسات والادعاءات

130
0

أنهت أسعار النفط تعاملات الأسبوع مساء الجمعة مستقرة على ارتفاع أسبوعي للمرة الأولى منذ مطلع أبريل (نيسان) الجاري، مستفيدة من عمليات السحب الكبيرة من المخزونات، من ثم زيادة الطلب على العقود الخام الآجلة، وأيضاً من استمرار التوتر في منطقة الشرق الأوسط.

لكن الأسعار ظلت دون حاجز الـ90 دولاراً للبرميل، في وقت استبعدت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مقولات قرب نهاية عصر النفط، بحسب ما جاء في مقال للأمين العام للمنظمة نشر نهاية الأسبوع.

استقرت أسعار العقود الآجلة بنهاية تعاملات الأسبوع على 89.5 دولار لبرميل خام “برنت” القياسي، وعند 83.85 دولار لبرميل الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس)، ومما حد من ارتفاع الأسعار فوق حاجز 90 دولاراً للبرميل ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، وتبخر الآمال باحتمال خفض “الاحتياط الفيدرالي” (البنك المركزي) الأميركي أسعار الفائدة قريباً بعدما عزز التباطؤ في نمو قطاع التصنيعي في الولايات المتحدة توقعات الأسواق ببدء “الفيدرالي” في خفض سعر الفائدة.

أما الضغط الصعودي على الأسعار هذا الأسبوع بعد أسابيع من التراجع الطفيف، فيعود إلى انخفاض المخزونات التجارية الأميركية بصورة واضحة الأسبوع الماضي، واستمرار التصعيد في الشرق الأوسط ما يزيد المخاوف من اضطراب الإمدادات في ظل زيادة الطلب على النفط.

تقليل الانبعاثات وليس ترك النفط

في ما يتعلق بالطلب، تذهب تقديرات غالب المؤسسات إلى مواصلة الزيادة في الطلب، على عكس توقعات البعض بأن الطلب ربما وصل إلى ذروته وسيبدأ في التراجع. حتى وكالة الطاقة الدولية، التي تتزعم حملة “نهاية عصر النفط”، في أحدث توقعاتها تتفق مع تقديرات منظمة “أوبك” في شأن النمو السنوي للطلب العالمي على النفط، وإن اختلفت أرقام التوقعات قليلاً، إلا أن المنحى العام هو استمرار نمو الطلب على النفط باعتباره محرك أساس لنمو الاقتصاد العالمي.

قال أكبر مسؤول بمنظمة “أوبك” إن نهاية النفط ليست في الأفق لأن وتيرة نمو الطلب على الطاقة تعني أن البدائل لا يمكن أن تحل محله بالحجم المطلوب، وأن التركيز يجب أن ينصب على خفض الانبعاثات وليس استخدام النفط.

وفي تقرير المسح الاقتصادي للشرق الأوسط لمجلة “ميس” التخصصية في مجال الطاقة الذي نشر أمس الجمعة، كتب الأمين العام لمنظمة “أوبك” هيثم الغيص، أن هناك اتجاهاً مثيراً للقلق من الروايات التي تستخدم مصطلحات مثل نهاية النفط، والتي لديها القدرة على تعزيز سياسات تثير فوضى في قطاع الطاقة العالمي. وتساءل الغيص، “ماذا لو انخفضت الاستثمارات في العرض نتيجة لذلك، لكن الطلب على النفط استمر في الزيادة، كما نشهد اليوم؟”، مؤكداً أن “الحقيقة هي أن نهاية النفط ليست في الأفق”.

تأتي تصريحات أمين عام “أوبك” في مقاله بالمجلة في ظل بعض التوجهات التي تتحدث عن ضرورة التخلي عن الوقود الأحفوري (فحم ونفط وغاز) في سياق مكافحة التغيرات المناخية، على رغم أن اتفاق باريس للمناخ عام 2015 لم يذكر مسألة الاختيار بين مصادر الطاقة، إنما أكد هدف تقليل الانبعاثات الكربونية، وهناك آليات بالفعل لتقليل الانبعاثات من خلال “صيد” الكربون من الجو وتخزينه.

وكتب الغيص أن صناعة النفط تستثمر في تقنيات استغلال الكربون وتخزينه، والهيدروجين النظيف والاحتجاز المباشر للهواء، من ثم “إظهار أنه من الممكن تقليل الانبعاثات مع إنتاج النفط الذي يحتاج إليه العالم”.

أخطار دعوة التخلي عن النفط

تتجاهل تلك الدعوات أن النفط ما زال يمثل أكثر من ثلث مزيج الطاقة العالمي الذي بدونه يتعطل النشاط الاقتصادي، وعلى الأرجح سيظل، في حين لا تقتصر الحاجة إلى النفط على توفر الوقود الذي تحتاج إليه البيوت للتدفئة والطبخ أو الأسر لقيادة السيارات وحركة وسائل النقل من البنزين إلى وقود الطائرات، بل إنه من دون النفط “لن يكون هناك الصابون ولا أجهزة كمبيوتر ولا إطارات سيارات ولا الحقن الطبية في المستشفيات وأنواع كثيرة من المستلزمات الطبية وغير ذلك”، وفق ما جاء في المقال.

بالنسبة إلى الداعين إلى أن تحل مصادر الطاقة المتجددة الأقل انبعاثات محل النفط فهم يتجاهلون حقيقة أنه من دون النفط “لن يكون هناك الفايبرغلاس ولا البلاستيك المطلوب لإقامة توربينات الطاقة من الرياح ولا الإيثلين اللازم لألواح الخلايا الضوئية”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فضلاً عن ذلك، فإن إنتاج الطاقة المتجددة عالمياً يظل لا يمثل سوى نسبة ضئيلة من المعروض لتلبية الطلب العالمي على الطاقة، وعلى رغم أن “العالم استثمر أكثر من 9.5 تريليون دولار في كلفة التحول على مدى العقدين الماضيين، فإن طاقة الرياح والطاقة الشمسية ما زالت توفر فقط ما يقل قليلاً عن أربعة في المئة من الطاقة العالمية”، بحسب مقال الغيص.

ويضيف أمين عام “أوبك”، “الحقيقة هي أن كثيراً من البدائل لا يمكن أن تحل محل النفط بالمستوى اللازم، أو أنها لا يمكن تحملها في عديد من المناطق”.

فقر الطاقة

النقطة الأخيرة التي في غاية الأهمية هي أن الداعين إلى تحويل الاستثمارات حصراً إلى مصادر الطاقة المتجددة يتجاهلون تماماً خيارات الناس حول العالم، بخاصة في الدول غير المتقدمة والغنية.

ومن يتحدثون عن “نهاية النفط” يتجاوزون حقيقة أن هناك نحو 700 مليون نسمة في دول العالم النامية والفقيرة ليست لديهم كهرباء، علاوة على أن هناك 2.3 مليار نسمة يفتقرون إلى وسائل الطبخ. ويتساءل هيثم الغيص في مقاله، “ألا يستحق كل البشر مستويات معيشة مثل سكان الدول المتقدمة؟ هل من المقبول ألا تحقق الجهود العالمية للتنمية المستدامة في البند السابع المتعلق بالطاقة النظيفة والتي يمكن تحمل كلفتها؟”.

تجدر الإشارة إلى أن دعوات البعض مثل وكالة الطاقة الدولية وأصوات أخرى في الدول المتقدمة للتخلي عن الاستثمار في إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري يمكن أن يزيد من فقر الطاقة لدى شعوب الدول الصاعدة والنامية، ذلك في وقت لا يزيد استهلاك النفط في الدول النامية عن نحو برميل واحد، أو على أقصى تقدير أقل من برميلين للفرد من السكان سنوياً، بينما استهلاك النفط في دول الاتحاد الأوروبي يصل سنوياً إلى تسعة براميل للفرد، أما متوسط استهلاك النفط في الولايات المتحدة فعند 22 برميلاً للفرد في السنة.

ومع استمرار نهج انتقال السكان من الريف إلى الحضر، يتوقع أن يشهد العالم في السنوات الست القادمة زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة مع استمرار النمو العالمي في كثافة الحضر، إذ يتوقع أن يزيد التحول الحضري للسكان بمقدار ما يوازي 50 مدينة بحجم العاصمة البريطانية لندن، لذا يتوقع أن يستمر نمو الطلب على النفط، على أن تشكل الدول الصاعدة والنامية القدر الأكبر من ذلك النمو.

ومن أخطار دعوات التخلي عن النفط وقصر الاستثمار على مصادر الطاقة المتجددة أن يشهد العالم نقصاً في المعروض من الطاقة بصورة كبيرة يقود إلى اضطراب أسواق الطاقة، وارتفاع الأسعار بصورة لا يحتملها كثر حول العالم.