Home سياسة ما مشروع “نيمبوس” الذي ضحت غوغل بموظفيها وسمعتها من أجله؟ | تكنولوجيا

ما مشروع “نيمبوس” الذي ضحت غوغل بموظفيها وسمعتها من أجله؟ | تكنولوجيا

114
0

تصاعدت الاحتجاجات من موظفي شركة غوغل ضد إدارة الشركة خلال الأسابيع الماضية، فقررت الشركة الرد بفصل أكثر من ٥٠ موظفا. وكانت الشركة الأميركية قد فصلت في الماضي موظفين انتقدوا الشركة علنا، لكنها لم تفصل هذا العدد الكبير من الموظفين دفعة واحدة.

وحظيت غوغل على مدى سنوات بسمعة طيبة باعتبارها الأكثر حرية وانفتاحا بين شركات التقنية الكبرى من حيث ثقافة وبيئة العمل. وكانت الشركة تحتفي بثقافة داخلية يعرف فيها الموظفون ما تعمل عليه الفرق الأخرى وتشجعهم على مناقشة قرارات قادة الشركة والاعتراض عليها.

ولكن الاحتجاجات الأخيرة من الموظفين لم تكن بسبب ظروف العمل في الشركة، بل كانت اعتراضا على مشروع لتزويد الحكومة والجيش الإسرائيلي بخدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، والذي اشتهر باسم “نيمبوس” (Nimbus)، وهو تعاون بين غوغل وأمازون مع إسرائيل.

البداية قبل طوفان الأقصى

في عام 2022 ، تظاهر العشرات من موظفي غوغل وأمازون أمام مكتب غوغل في مدينة نيويورك، احتجاجا على مشروع للحوسبة السحابية عُرف باسم مشروع “نيمبوس”. قبلها بعام، وتحديدا في أبريل/نيسان عام 2021، وقَّعت حكومة إسرائيل على اتفاق مع شركتي غوغل وأمازون لبناء مراكز بيانات إقليمية لتقديم الخدمات السحابية، وبهذا ستضمن استمرارية الخدمة حتى إن تعرضت الشركتان لضغوط دولية لمقاطعة إسرائيل فيما بعد، وقُدرت تكلفة المشروع بنحو 1.2 مليار دولار.

هذا بالطبع ما ذُكر رسميا في وسائل الإعلام حينها، لكن مشروع “نيمبوس” كان ينطوي على أكثر من مجرد مراكز بيانات إقليمية، ورغم عدم توفر تفاصيل رسمية كثيرة حول مشروع “نيمبوس”، فإن تقريرا لموقع “ذا إنترسبت”، صدر في شهر يوليو/تموز عام ٢٠٢٢، استشهد بوثائق ومقاطع فيديو تدريبية داخلية من غوغل تشير إلى أن جزءا أساسيا من المشروع سيوفر لإسرائيل مجموعة كاملة من أدوات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي تقدمها منصة غوغل السحابية.

الاحتجاجات التي نظمها موظفو الشركتين كانت تنتشر بالفعل في عدد من الولايات الأميركية، وكان السبب الأساسي وراءها في ذلك الحين هو مخاوف الموظفين من استخدام الجيش الإسرائيلي لهذه التقنيات في مراقبة الفلسطينيين وقمعهم ضمن نظام الفصل العنصري الذي تتبعه دولة الاحتلال منذ سنوات طويلة.

وتعتمد الأجهزة العسكرية والأمنية لدولة الاحتلال بالفعل على أنظمة معقدة للمراقبة الإلكترونية والرقمية، وربما أشهرها هو نظام “الذئب الأزرق”، الذي يستخدم فيه جنود الاحتلال هواتف خاصة مزودة بالتطبيق، ويقومون بتصوير الفلسطينيين وبطاقات الهوية الشخصية بهدف إنشاء قاعدة بيانات رقمية عن مواطني الضفة الغربية المحتلة.

لكن التقنيات الأكثر تطورا التي تقدمها عروض تحليل البيانات في أنظمة غوغل وأمازون من المرجح أن تؤدي إلى زيادة القدرات القمعية لجيش الاحتلال الذي أصبح يعتمد على تلك البيانات بصورة متزايدة خلال السنوات الماضية.

 

“نيمبوس” أذكى وأقوى من “الذئب الأزرق”

لم يكشف تقريبا عن أي شيء حول مشروع “نيمبوس” علنا خارج نطاق وجوده، وبقيت وظيفته الأساسية لغزا حتى بالنسبة لمعظم العاملين في الشركات التي طوّرته من الأساس. لكن مجموعة الوثائق التدريبية ومقاطع الفيديو الخاصة بشرح المشروع، والموجَّهة لموظفي الحكومة الإسرائيلية، وضحت لأول مرة مزايا منصة غوغل السحابية التي تقدمها الشركة لجيش الاحتلال من خلال المشروع.

فغوغل توفر مجموعة كاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، تلك التقنيات ستمنح جيش الاحتلال قدرات أكبر في التعرّف على الوجوه، والتصنيف الآلي للصور، وتتبع مسار تحرك الأجسام، وحتى القدرة على تحليل المشاعر الذي تدّعي الوثائق أن بإمكانه تقييم المحتوى العاطفي داخل الصور والكلام والكتابة. تلك الإمكانيات ستزيد من قدرات جيش الاحتلال على فرض رقابة صارمة على المواطنين الفلسطينيين، بجانب معالجة كميات هائلة من البيانات.

ما أثار قلق موظفي الشركة أكثر، بشأن تقنيات المراقبة والتطبيقات العسكرية لهذا النظام، هو نموذج أوتو إم إل”AutoML”، وهي أداة أخرى من أدوات تعلم الآلة التي توفرها غوغل عبر مشروع “نيمبوس”.

ويعرف تعلم الآلة بأنه نموذج تدريب للذكاء اصطناعي لكي يتعرف على الأنماط داخل مجموعة من البيانات، ثم يتمكن مستقبلا من التنبؤ الصحيح عندما يرى بيانات مشابهة لتلك التي تدرب عليها، ويطبق في مختلف الأنظمة، مثل أنظمة التعرف على الصور، أو حتى إنتاج النصوص مثل نظام “جي بي تي” الذي يعتمد عليه روبوت المحادثة “شات جي بي تي” الشهير.

المشكلة هنا أن تدريب مثل هذا النموذج من الصفر يحتاج إلى موارد كثيرة، سواء كانت موارد مالية أو أجهزة حاسوبية قوية للغاية. لكن بالنسبة لشركات بحجم غوغل وأمازون، لا يُشكِّل هذا الأمر أي مشكلة من الأساس، ولهذا تختارهما الدول والشركات الأخرى للاستفادة من أنظمة الذكاء الاصطناعي الجاهزة والمُدربة مُسبقا على مجموعة من البيانات، وهذا ما يقدمه في الأساس مشروع “نيمبوس”.

لكن فكرة نموذج “أوتو إم إل” تسهل عملية تدريب تلك النماذج، بحيث يمكن للعملاء استخدام بياناتهم الخاصة ليُصمِّموا نموذجا من الصفر دون استهلاك موارد ضخمة، ودون الحاجة إلى بيانات أو خبرات الشركة المطورة من الأصل.

أيضا من المزايا لهذا النموذج والذي يثير مخاوف الموظفين هو حقيقة أنه بلا رقابة، فالنماذج الجاهزة التي تقدمها غوغل عادة ما تضع عليها بعض القيود التقنية، فمثلا قد يقتصر عمل النموذج على مجرد اكتشاف أن هناك وجها أمام الكاميرا، ولا يمكنه التعرّف على هذا الوجه ومطابقته بالبيانات التي يملكها وبالتالي التعرف على صاحب هذا الوجه. بينما مع نموذج “أوتو إم إل” يمكن للجيش الإسرائيلي الاستفادة من قدرات وإمكانيات غوغل الحاسوبية القوية لتدريب نماذج جديدة باستخدام البيانات الحكومية الخاصة التي تمتلكها بالفعل عن الفلسطينيين، مثل البيانات التي تجمعها من تطبيق “الذئب الأزرق”.

العَقد الذي فضح ادعاءات غوغل

في الثامن من أبريل/نيسان الجاري، صرح متحدث باسم غوغل لمجلة تايم: “لقد كنا واضحين جدا أن عقد نيمبوس مخصص لوزارات الحكومة الإسرائيلية، مثل المالية والرعاية الصحية والنقل والتعليم، وغير موجه إلى الأعمال العسكرية الحساسة للغاية أو السرية التي تتعلق بالأسلحة أو أجهزة المخابرات”.

لكن، كشفت وثيقة حديثة أن شركة غوغل تقدم خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وقد تفاوضت الشركة العملاقة على تعميق شراكتها خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حسبما أظهرت الوثيقة التي اطلعت عليها مجلة تايم.

ووفقا للوثيقة، امتلكت وزارة الدفاع الإسرائيلية ما تسمى “منطقة هبوط” في خدمة غوغل السحابية، وتعني حساب دخول إلى البنية التحتية للحوسبة التي توفرها الشركة، وتسمح للوزارة بتخزين البيانات ومعالجتها والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي، وهي جزء من خدمات مشروع “نيمبوس”.

كانت قد أشارت تقارير في الصحافة الإسرائيلية سابقا إلى أن عقد شركتي غوغل وأمازون لا يُتيح لهما تزويد الجهات العسكرية بالتكنولوجيا الخاصة بهما بموجب مشروع “نيمبوس”. لكن للمرة الأولى يعلن عن وجود عقد يوضح أن وزارة الدفاع الإسرائيلية هي أحد عملاء تكنولوجيا غوغل السحابية.

بهذا تتورط شركات التقنية الكبرى مثل غوغل وأمازون في الاستهداف المباشر للفلسطينيين، رغم أن تلك الشركات تقدم دائما تعهدات بتجنب استخدام تقنياتها في الحروب وانتهاكات حقوق الإنسان.