Home سياسة هل تلتزم إسرائيل بحدود الرد العسكري المنضبط مع إيران؟

هل تلتزم إسرائيل بحدود الرد العسكري المنضبط مع إيران؟

109
0

تتجه الحكومة الإسرائيلية إلى تبني خيار الرد، أياً كان شكله أو إطاره، على الضربات الإيرانية التي وجهت إلى الأراضي الإسرائيلية، ولم تؤد إلى أضرار حقيقية، لكن شكل الضربات المحتملة للجانب الإسرائيلي متعدد وفقاً لمصادر دولية وإسرائيلية، في ظل تحذيرات من انفتاح المشهد الإسرائيلي تجاه إيران في الفترة المقبلة. وبصرف النظر عن أن كلفة اعتراض الهجوم الإيراني من إسرائيل نحو 1.3 مليار دولار، أضيفت إلى خسائر قدرت بأكثر من 70 مليار دولار منذ بدء طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (تشرين الثاني).

ضوابط مهمة

وتتركز أهم التوقعات المطروحة تجاه احتمالات الرد الإسرائيلي على الجانب الإيراني وفقاً لمستويات عدة، الأول منها يتبناه بعض قيادات أجهزة المعلومات، بخاصة الاستخبارات العسكرية “أمان”، وبعض جنرالات هيئة الأركان، وهو استئناف سياسة اغتيالات القيادات الميدانية في الحرس الثوري الإيراني، الموجودين في سوريا ولبنان، مع التركيز على الضباط المسؤولين عن إدارة الشبكات الموجهة إلى إسرائيل، بخاصة من وحدات الصواريخ، والقائمين بمهمات استخبارية في عمق سوريا ولبنان.

وكذلك الاتجاه إلى تصفيات جسدية لعلماء إيرانيين داخل إيران تأكيداً لذراع إسرائيل القوية والقادرة على العمل في الأرض الإيرانية، وليس في دولة جوار إقليمي أو خارج إيران، مع القيام بأعمال تخريبية في بعض المنشآت النووية، بخاصة في منشأة فوردو أو نتنانز بهدف تعطيل عمليات التخصيب، أو من خلال بث نظام اختراق متطور لنقل رسالة إلى إيران بقدرة إسرائيل على التعامل مع المنشآت النووية الإيرانية، ودفع بعض العملاء داخل إيران للحصول على نماذج محاكاة أو معلومات مخزنة في المجمع العلمي الإيراني، بهدف تأكيد قدرة إسرائيل للوصول إلى آخر التطورات في البرنامج النووي الإيراني في الوقت الراهن.

كما سيجري تكثيف العمل العسكري في الجبهتين السورية واللبنانية في المقام الأول، على اعتبار أن الخطر الرئيس في التمدد الإيراني وقوات “حزب الله” في مناطق الجوار الإقليمي، مع التركيز على استهداف إسرائيل القواعد الجوية الإيرانية أو القواعد البحرية أو المواقع النووية أو مخازن الصواريخ.

وقد تستهدف أيضاً بعض المطارات، مع تأكيد أن أي رد سيرتبط أن رداً إسرائيلياً على الهجوم الإيراني سيبقى محكوماً أساساً بالموقف الأميركي وبحسابات واشنطن والرئيس جو بايدن شخصياً، كما أن الهجوم الإيراني واعتراضه من المنظومات الدفاعية الإسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا يعكس نجاحاً عملياتياً، إذ يمكن أن يشكل فرصة لتشكيل تحالف أميركي – إسرائيلي – عربي ضد إيران.

مواجهات تكتيكية

يتركز المستوى الثاني في رؤية بعض وزراء مجلس الحرب على ضرورة الانتقال من التعامل مع الجانب الإيراني انطلاقاً من مقاربة جديدة تركز على عدم الاقتصار على استئناف سياسات تقليدية وفق لما جرت الإشارة إليه سلفاً، والعمل وفق استراتيجية الاختراق إلى الداخل الإيراني، وهو ما سيؤدي إلى إنهاك الداخل الإيراني، وتشتيته بصورة كبيرة، مع التركيز على عنصر التوقيت خلال الأشهر المقبلة، وفي ظل انشغالات الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما يتوقع توجيه ضربات نوعية تكتيكية على مراحل لبعض المنشآت النووية على رغم التقدير بأنها تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة للتعامل وإصابة الأهداف الموضوعة والمخطط لها، مع التحسب لإمكان الرد الإيراني. وفي كل الأحوال ينبغي، وفقاً لهذا الرأي، القيام بالرد في الأراضي الإيرانية مع تبني استراتيجية حالة عدم اليقين، بخاصة أن الجانب الإسرائيلي يتعمد في خطابه الإعلامي والسياسي تبني رأي مفاده بأن الشرعية الدولية تؤيد قصف مفاعلات إيران النووية، إذ أشار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي في الـ16 من أبريل (نيسان) الجاري إلى قلقه إزاء احتمال استهداف إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، مع تأكيده أن عمليات تفتيش الوكالة للمنشآت الإيرانية ستستأنف.

ومن اللافت أن فتح إسرائيل مجالها الجوي واستئناف الرحلات في مطار بن غوريون، يعني أن احتمال الرد الإسرائيلي الفوري، الذي وعد به المقربون من نتنياهو أصبح ضئيلاً، مع التقدير بأن نتنياهو سيستفيد من إعادة ترميم العلاقة مع الغرب، بخاصة مع الرئيس جو بايدن، بعدما كان الغرب ينتقد إسرائيل كثيراً في الآونة الأخيرة على خلفية تدهور الأحداث في غزة.

وعلى أكثر من مستوى، يمكن القيام بأعمال شاملة بهدف تهميش أخطار التوصل الإيراني إلى مرحلة العتبة النووية، وإن كان ذلك الأمر مرتبطاً بتوافقات أميركية – إسرائيلية غير موجودة حتى الآن، وفي ظل قيود عديدة على الذهاب إلى هذا السيناريو، والعمل الدوري من خلال توجيه ضربات غير منتظمة على مواقع للحرس الثوري داخل إيران ومقار حكومية وغيرها ووفق ما يجري إعداده من عناصر لبنك الأهداف الموضوعة، وبما يسمح باستعادة قدرة الردع الاستراتيجي الموجه لإيران دورياً مع التحسب للتحفظات الأميركية على القيام بهذا الأمر.

وهو ما يعني تكرار نموذج ما يجري في توجيه الضربات الدورية على “حزب الله” في سوريا ولبنان، إذ التركيز على الشحنات أو مرافق التخزين التي تحوي أجزاء صواريخ متقدمة أو أسلحة أو مكونات ترسل من إيران إلى “حزب الله”، مع تأكيد أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي رد عسكري، وإن كان من المتوقع وبالتأكيد أن تقوم إسرائيل بمشاركة المعلومات حول أي ردود مع واشنطن مقدماً، كذلك يمكن لإسرائيل وفي المقابل أن تقصف إيران بدقة بالطائرات، لكن لا تستطيع أن تصل تلك الطائرات إلا إذا حلقت فوق الدول العربية، وهذا حذرت منه إيران، أو أن تنطلق من قواعد عسكرية أميركية، وهذا لن تسمح به الولايات المتحدة.

من الواضح إذاً أن هناك توجهاً حقيقياً داخل الحكومة الإسرائيلية باستثمار الوضع الراهن بعد الالتفاف الدولي حول إسرائيل، للقيام باستراتيجية محاصرة وتطويق التحرك الإيراني، وهو ما سينعكس على السلوك السياسي والعسكري لإسرائيل تجاه تبني أي خيار للتعامل مع إيران مع التوقع أن هذه الجولة من الأعمال العدائية قد تستمر بضعة أيام أو أسابيع، وفي مرحلة ما، قد يوقف الجانبان الهجمات، مع إدراك كل منهما بأنه قد توصل إلى أهدافه في الأقل في الوقت الراهن، بخاصة أن إيران أدركت أن تدخلها المباشر في المواجهة مع إسرائيل سيؤدي إلى معادلة ردع جديدة، مع دخول جبهة أخرى كبيرة ووازنة على ساحة الصراع مع إسرائيل، مما سيكون له تقييماته السياسية والاستراتيجية لدى كل الأطراف المعنية في الشرق الأوسط.

الخلاصات الأخيرة

من المبكر أن تقدم الحكومة الإسرائيلية على توجيه ضربات شاملة على الداخل الإيراني، وإن كانت ستقوم بعمل تدريجي ومحسوب جيداً على إيران، تأكيداً لاستراتيجية الردع المباشر، وسيكون أي رد متوقع من الجانب الإسرائيلي وفقاً للمعايير نفسها على المواقع العسكرية لا المدنية والاقتصادية، مع الاكتفاء بتوجيه ضربات على مواقع تقليدية، وعلى مواقع أطلقت منها صواريخ، وعلى مصانع طائرات مسيرة داخل إيران.

ومن المرجح أن تلتزم إيران بإدارة المشهد الراهن وعدم الخروج عن إطاره في ظل الضوابط غير المباشرة، التي تتحرك في تفاصيلها الإدارة الأميركية، وتسعى إلى إقرارها، مع التحسب أن يكون الرد الإسرائيلي عبر مواصلة ضرب أهداف عسكرية، بما فيها تلك التابعة للميليشيات المرتبطة بإيران في سوريا ولبنان والعراق، إضافة إلى عمليات نوعية داخل إيران.

وربما تكون هذه العمليات أوسع من العمليات السابقة مع التقدير بأن القوات الإسرائيلية الجوية ستقوم بمهمة على مسافة 1500 كيلومتر، لضرب أي أهداف إيرانية رمزية مثل مبنى حكومي ومستودعات أسلحة وآبار النفط وحتى السفن الإيرانية التي تبحر في البحر.

وأخيراً وعلى رغم أي تباين في الرؤى المطروحة، وما بين خاسر ورابح، فإن إيران استفادت عسكرياً واستراتيجياً من تغير قواعد الاشتباك التي تغيرت بالفعل من الآن فصاعداً. أما سياسياً فاستعادت جزءاً من هيبتها التي فقدتها في السنوات الماضية، عندما التزمت طهران فعلياً بما يسمى سياسة الصبر الاستراتيجي.