Home سياسة اغتيال سياسي إثيوبي بارز يوحد المشهد… فهل يحرر القضاء؟

اغتيال سياسي إثيوبي بارز يوحد المشهد… فهل يحرر القضاء؟

118
0

أثار اغتيال السياسي الإثيوبي البارز باتي أورغيسا الأربعاء الماضي في منطقة أوروميا، صدمة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية الإثيوبية، واجتاحت موجة الغضب وسائط التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مغردون أنها حادثة غير مسبوقة أن يُقتاد سياسي بارز من فندق يقيم فيه من قبل مسلحين، لم يتسنَّ التأكد من هويتهم، فيما ترددت على نطاق واسع اتهامات بأنهم ربما يكونون تابعين لأجهزة الأمن الرسمية، قبل العثور عليه في أحد الشوارع جثة نتيجة إصابته بطلقات نارية عدة اخترقت رأسه وصدره وهو مقيد اليدين.

ووفقاً لروايات متعددة، تم إخراج أورغيسا من غرفته بالفندق في مسقط رأسه ميكي في منطقة شوا الشرقية بإقليم أوروميا قرابة منتصف ليل الثلاثاء الماضي، وعُثر على جثته ملقاة على الطريق على مشارف المدينة صباح اليوم التالي.

وأكد التقرير الطبي أن السياسي توفي نتيجة إصابته بطلقات نارية عدة في رأسه وأجزاء أخرى من جسده، وأظهرت الصور التي جرى تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي جثته ملقاة على الأرض في موقع مقتله ويداه مقيدتان خلف ظهره، وآثار الرصاص في رأسه وحول أسفل ظهره وصدره. 

وقال أفراد من عائلته لوسائل الإعلام إن الأشخاص الذين اقتادوه من غرفته في الفندق ليلة الثلاثاء “يبدو وكأنهم قوات الأمن الحكومية”، زاعمين تورطهم المحتمل في مقتله، لكن حكومة إقليم أوروميا نفت علاقة قوات الأمن بذلك. 

وفي بيان صدر في وقت متأخر أول من أمس الخميس، قالت الحكومة الإقليمية لأوروميا إن السياسي قُتل على يد “مهاجمين مجهولين”، مضيفة أن “الفعل غير مقبول على الإطلاق بغض النظر عمّن كان مرتكبه”.

وفي بيان يتناقض مع الرواية الحكومية، زعمت الجماعة المسلحة “جيش تحرير أورومو” (OLA) أن أورغيسا “أخذ من غرفته وأعدم عن قرب من قبل قوات الأمن الحكومية”.
وعقب مراسم الدفن التي أقيمت في مدينة ميكي أول من أمس، أفادت وسائل الإعلام المحلية عن اعتقال اثنين من أشقاء باتي، وهما ميلو وسيمبو أورغيسا، على خلفية ما أدلوا به من تصريحات حول تورط أجهزة الأمن في عملية الاغتيال، فيما أعلن رئيس شرطة منطقة شرق شوا تاريكو ديربابا اعتقال 13 مشتبهاً فيهم بالتورط في مقتل باتي أورغيسا.

وظل أورغيسا الذي يشغل منصب المسؤول السياسي في “جبهة تحرير أورومو” مثار إزعاج للنظام الإثيوبي، إذ تعرض للاعتقال مراراً وأطلق سراحه في مارس (آذار) الماضي بكفالة مالية بعدما احتجز لمدة أسبوعين بتهمة “التآمر مع مجموعتين مسلحتين، أولا-شيني OLA-Shene وميليشيا فانو للتحريض على الاضطرابات في العاصمة”، وأوقفته قوات الأمن إلى جانب الصحافي الفرنسي أنطوان غاليندو أثناء إجرائهم مقابلة صحافية في أديس أبابا في الـ22 من فبراير (شباط) الماضي.

وصنع المسؤول السياسي اسماً لامعاً في مسيرته السياسية القصيرة، باعتباره سياسياً معارضاً ومدافعاً قوياً عن النضال اللاعنفي.

وقال السياسي الإثيوبي البارز جوهر محمد أن “اغتيال أورغيسا القاسي بدم بارد ليس مجرد قتل لزعيم سياسي، بل هو اعتداء على اللياقة والكياسة والاعتدال في سياساتنا”، واصفاً إياه بأنه “أحد الشخصيات السياسية القليلة التي ظلت هادئة وملتزمة اتباع المعارضة اللاعنيفة في وقت استسلم كثيرون للترويج للحرب والتطرف. وعلى رغم سجنه وتعرضه للتعذيب المتكرر، إلا أنه قاوم سياسة الانتقام”.

ميثاق جديد 

من جهتها، توحدت الأحزاب المعارضة مع بعض الأحزاب التي تصنف موالية للحكم في إقليم أوروميا في إصدار بيان مشترك طالبت فيه بضرورة بناء ميثاق جديد للسياسة في البلاد، وقالت الأحزاب الموقعة على البيان ومن بينها “حزب الأورومو الديمقراطي” الموالي و”حزب المؤتمر الأورومي” المعارض، إلى جانب منظمات المجتمع المدني أن ثمة ضرورة ملحة لتشكيل هيئة تحقيق مستقلة للكشف عن ملابسات اغتيال السياسي الأورومي البارز، وأشار البيان إلى أن كل الاتهامات ينبغي أن تُدرس بعناية كبيرة، بعيداً من المشاحنات السياسية القائمة. 

وطالب حزب باتي أورغيسا “جبهة تحرير أورومو” بإجراء تحقيق فوري محايد وغير متحيز في “القتل الوحشي” لمسؤوله السياسي،  معلناً أن “القتل غير المبرر وخارج نطاق القضاء لشخصيات سياسية وثقافية واعية ونشطة من الأورومو كان عملاً منهجياً وغير مسؤول لإسكات الأورومو على مدى أعوام وعقود”.
ولحظ بيان للحزب تزامن اغتيال أورغيسا مع الذكرى السنوية لاغتيال فنان الأورومو الشهير هاشالو هوديسا، قائلاً “إننا، كشعب، نشهد مرة أخرى موتاً مأسوياً آخر لروح الأورومو البليغة وغير الأنانية والشجاعة”، وأضاف أن “هوديسا وعائلته وشعب الأورومو لم يحصلوا على العدالة بعد، ولم يتم تقديم قتلته إلى محكمة محايدة”، مردفاً أن “شعب الأورومو ينتظر حدوث ذلك، مما يثير حالاً من عدم اليقين في شأن ما إذا كانت العدالة ستسود في قضية أورغيسا”.
بدورها دعت الهيئة الوطنية لمراقبة حقوق الإنسان واللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان (EHRC) إلى إجراء تحقيق سريع ونزيه وكامل من قبل كل من منطقة أوروميا والسلطات الفيدرالية لمحاسبة الجناة.

نحو تدويل القضية  

وانضمت الولايات المتحدة إلى الدعوات وحثت على “إجراء تحقيق كامل في مقتل باتي أورغيسا”، وشدد بيان صادر عن مكتب الشؤون الأفريقية التابع لوزارة الخارجية الأميركية على أن “العدالة والمساءلة أمران حاسمان لكسر دائرة العنف” في إثيوبيا. 

إلى ذلك، حض رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور بن كاردين ضمن بيان أصدره أول من أمس  السلطات الإثيوبية على السماح “لهيئة دولية محايدة وذات مصداقية بإجراء تحقيق شامل” في ظروف مقتل باتي أورغيسا، منتقداً تصرفات أديس أبابا ضد شخصيات المعارضة السياسية والإعلاميين والأصوات المعارضة ومشيراً إلى أن هذه الإجراءات أسهمت في انعدام الأمن وعدم الاستقرار في البلاد. 

من جهتهم، أصدر سفراء الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لدى إثيوبيا، تصريحات رسمية في شأن اغتيال أورغيسا، مكررين دعوة اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان إلى إجراء تحقيق سريع ونزيه وكامل لمحاسبة الجناة، لافتين ليس فقط إلى العواقب الوخيمة لندرة المساءلة ولكن أيضاً إلى الضربة الكبيرة التي تسببها مثل هذه الأحداث لقيم الخطاب السياسي السلمي والتسامح في الساحة السياسية الإثيوبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوروميا مسرح الاغتيالات

بدوره رأى الناشط الأورومي بقلي جريما أن إقليم الأورومو أضحى مسرحاً للاغتيالات السياسية المتكررة، مما يوجه الاتهام للسلطات المحلية، بما فيها حكومة الإقليم وأجهزة الأمن التابعة لها، بفشلها في ضبط الأمن، على أقل تقدير، مضيفاً أنه “على رغم الوعود المتكررة بتشكيل لجان تحقيق تكشف عن الحقيقة، إلا أن التجارب السابقة توحي بأن لا شيء أنجز في هذا الصدد”، وأشار إلى أن اللجان القانونية والشرطية التي تشكلت للتحقيق في شأن اغتيال المطرب الشهير هاشالو هوديسا عام 2020، لم تصل إلى نتائج مرضية وأفلت المتهمون حتى الآن من العقاب”. 

وأكد جريما أن الأوساط السياسية والشعبية لم تعد تثق بوعود الحكومتين المركزية والإقليمية بالتحقيق في الجرائم، وعوضاً عن ذلك أضحت تعهداتهما مثار سخرية فبرزت مقولات شعبية من قبيل “إذا أردت دفن الحقيقة فشكل لجنة تحقيق نزيهة”، إذ إن مصير مثل تلك اللجان أضحى يساوي العدم تماماً.

ويرى أن “المخاوف أضحت أبعد من اغتيال شخصيات سياسية وفنية وثقافية، إذ إن التداعيات المصاحبة لعمليات الاغتيال باتت تكلف البلاد عشرات الأرواح”، موضحاً أن “حصيلة الاحتجاجات التي أعقبت عملية اغتيال هوديسا تجاوزت 122 قتيلاً، مما يعني أن ثمة إفراطاً في استخدام القوة لا يتناسب مع حماية الأمن، وتصاحب ذلك عمليات اعتقال واسعة، بعضها كيدي وسياسي الطابع”.

ويقدّر جريما بأن “ثمة اهتماماً دولياً كبيراً بمسألة تكرار عمليات اغتيال السياسيين في إثيوبيا عموماً ومنطقة الأورومو خصوصاً”، مشيراً إلى “البيانات الصادرة من واشنطن وبروكسل ولندن وغيرها من العواصم الغربية التي تدرك تأثير هذه الاغتيالات في السلم الأهلي والتحول الديمقراطي في البلاد”. 

دائرة العنف 

ويرى الناشط الأورومي أن “هناك مفارقة غريبة تتعلق باستهداف الشخصيات التي تناضل بطرق سلمية، ولا تؤمن بالعنف”، مرجحاً أن “تأثير النضال السلمي أضحى أكثر بروزاً وتأثيراً من العمل المسلح الذي تقوده مجموعة من الحركات المطلبية ذات البعد القومي”، ويضيف أن “ثمة جهات، سواء داخل النظام الحاكم أو خارجه، تريد إقناع الأوروميين بعدم جدوى الكفاح السلمي ودفعهم إلى العمل المسلح، حتى يسهل اصطيادهم بمختلف التهم ونزع الشرعية عن نضالاتهم التي استمرت لأكثر من نصف قرن”. 

ويختم جريما حديثه بالقول إن “إدارة رئيس الوزراء آبي أحمد والحكومة الفيدرالية في أوروميا تقفان أمام تحدٍ تاريخي يتعلق بتأكيد جديتهما ومصداقيتهما في التعاطي مع التحقيقات الخاصة بهذه الاغتيالات المتكررة”، موضحاً أن “التهاون في عمليات التحقيق، أو محاولة تسييسها سيجر البلاد إلى دائرة جديدة من العنف”. 

تسيس القضاء وأخطار التدويل 

من جهته رأى المتخصص في الشأن الإثيوبي غيداون بيهون أن “ثمة إشكالية في الواقع السياسي الإثيوبي بصورة عامة، والأورومي تحديداً، إذ إن النخب السياسية سرعان ما تتبارى لإصدار الأحكام قبل إجراء أي تحقيق حول جرائم بعينها”، مشيراً إلى أن “الأمر تحول إلى ظاهرة مقلقة، فعلى رغم توافر دوافع حقيقية لجهات وقوى عدة يمكن أن تتورط في هذه الجرائم، الا أن النخب السياسية غالباً ما توجه الاتهام لقوات الأمن”.

وأوضح أن “أورغيسا تعرض للاعتقال مراراً وأطلق سراحه مرة لأسباب صحية، ومرة أخرى بكفالة مالية، مما يعني أن النظام لم تكُن لديه الرغبة في اغتياله، لا سيما أن الأسباب الصحية خاضعة لتقدير الجهات القانونية والأمنية التي كثيراً ما تتهم بالتواطؤ مع النظام السياسي الحاكم”، مضيفاً أنه “على رغم معارضة أورغيسا القوية للحزب الحاكم، ظل يؤمن بالمعارضة السلمية، ويوجه انتقادات لاذعة للحركات المسلحة، لذا قد يصبح هدفاً للاغتيال من قبل تلك المجموعات القومية”.

ورجّح غيداون أن “تسفر التحقيقات الجارية الآن عن حقائق جديدة، بخاصة أن الأمر أصبح قضية رأي عام، إذ تراجعت التباينات السياسية بين المعارضين والموالين من أجل الكشف عن ملابسات هذه القضية”، مردفاً أن “ثمة محاولات لتدويل القضية، مما يجعل ملف التحقيق عرضة للتدخلات الخارجية”، وشدد على أن “السماح لأفراد أو جهات أجنبية بالمشاركة في التحقيقات ربما يمثل خصماً لمسيرة القضاء الإثيوبي، وسابقة خطرة لتسييس السلطة القضائية المستقلة وفق الدستور الفيدرالي الإثيوبي”. 

وأوضح المتحدث ذاته أن “ثمة ضغوطاً تتعرض لها حكومة آبي أحمد من قبل جهات دولية متحالفة مع قوى محلية لتوجيه التحقيق، مما ينذر بتصدع الثقة بالجسم القضائي الإثيوبي، وفنّد الأطروحات التي صاغتها بعض مواقع المعارضة والتي تزعم أن “دم أورغيسا سيحرر البلاد”، قائلاً إنه “لا يمكن أن تتحرر السلطة القضائية من خلال الارتهان للتدخلات والإملاءات الخارجية”، داعياً “القوى السياسية الأورومية إلى الدفع في اتجاه إشراك شخصيات قانونية مستقلة في لجان التحقيق والمطالبة بالكف عن التدخلات الخارجية لأن الأمر يتعلق باغتيال شخصية سياسية إثيوبية على أرض إثيوبية”.