بعد الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة الحفلات “كروكوس سيتي هول” في موسكو مساء الـ 23 من مارس (آذار) الماضي وأسفر عن سقوط 137 ضحية وعشرات الجرحى، أدركت فرنسا جدية الوضع وبخاصة بعد إعلان تنظيم “داعش” مسؤوليته عن الهجوم، وعقد اجتماع لمجلس الدفاع في الإليزيه لمناقشة التهديد الإرهابي المتصاعد مع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية وزيادة التهديدات ضد المدارس.
وبعد الاجتماع أعلن رئيس الوزراء غابرييل أتال رفع مستوى التأهب إلى أعلى درجة، ونشر آلاف رجال الأمن والجيش والاستخبارات في الأماكن الحساسة، مع تعزيز الحراسة على المواقع الدينية والمدارس وتسيير الدوريات، ومتابعة متشددة لمواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فرض مراقبة دائمة على الأشخاص المسجلين على لوائح تهديد أمن الدولة.
وفي السياق قدم وزير الداخلية غيرالد دارمانين تحليلاً للتهديدات الرئيسة التي تواجهها قوات الأمن، بما في ذلك التهديد الإرهابي، وأكد جهوده الجادة في التحضير للألعاب الأولمبية على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، ورغبته في جعل حفل الافتتاح فخراً لفرنسا.
ومع ذلك أكدت وزيرة الرياضة أميلي أوديا كاستيرا أن “هناك جهوداً مكثفة تبذل لتأمين الأولمبياد”، مما يعكس التزاماً قوياً بضمان السلامة في الحدث الرياضي، ومع ذلك يبقى السؤال مطروحاً “هل تواجه باريس حقاً تهديداً إرهابياً أثناء الأولمبياد”؟
حفظ الأمن في أولمبياد باريس
ورداً على السؤال حول مدى تعرض فرنسا لخطر الإرهاب خلال فترة الألعاب الأولمبية في باريس، يؤكد الباحث في الشأن الدولي والفرنسي منير حميد، بناء على معلومات استخباراتية، أن هناك تعاوناً أمنياً أوروبياً في هذا الشأن، وبناء على ذلك ستستدعى قوة من الجيش البولندي وفرق صغيرة من بعض الدول الأوروبية لتنظيم وحفظ الأمن في أولمبياد باريس.
ويشير حمدي إلى أنه ستتخذ إجراءات احترازية لمواجهة التهديد الإرهابي خلال استعدادات باريس لاستضافة الألعاب الأولمبية، وسيعزز التأهب الأمني بنشر قوات إضافية ورفع مستوى الحضور الأمني في الأماكن الحساسة، مثل المدارس وأماكن العبادة والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
ويوضح، “إضافة إلى ذلك ستشارك قوات من الجيش في مهمة حفظ الأمن، إذ ستتعاون مع الشرطة والدرك لتعزيز الجهود الأمنية في الأحياء والمناطق الحيوية في باريس، وهذه الإجراءات تشمل زيادة استخدام كاميرات المراقبة والتفتيش الدقيق وتعزيز التدابير الأمنية العامة لمكافحة أية تهديدات محتملة خلال فترة الألعاب الأولمبية”.
وتابع أن “هناك تعاوناً عسكرياً من بعض الدول الأوروبية والاستفادة مما تقدمه من تكنولوجيا متطورة ومنها ألمانيا”، مشيراً إلى أنه بعد تعرض فرنسا لعمليات إرهابية متكررة خلال الأعوام الماضية فقد أنشأت غرفة عمليات خاصة لتبادل المعلومات مع جميع الدول الأوروبية وتكثيف التعاون الأمني، مما أسهم في ضبط بعض المشتبه فيهم بشكل سريع”.
تعاون وثيق
ويرى الباحث في الشؤون الأوروبية محمد رجائي بركات أنه من الصعب التكهن في شأن احتمال وقوع هجمات إرهابية في فرنسا خلال الألعاب الأولمبية، وعلى رغم التصريحات الأخيرة التي أدلى بها كبار المسؤولين الفرنسيين، بما في ذلك الرئيس ماكرون، إلا أن الإجراءات التي اتخذت تشير إلى استعدادهم لمواجهة هذا الاحتمال.
ويضيف بركات أن الحكومة الفرنسية تسعى إلى التعاون مع بعض الدول التي ينتمي إليها الأشخاص المشتبه في إمكان قيامهم بعمليات إرهابية، وبينها المغرب وبلجيكا، وسبق لها أن تعاونت معها استخباراتياً وتبادلت معها المعلومات والاستشارات.
التأهب الأمني
من جانبه يذهب الباحث في الشؤون الأوروبية صلاح سليمان إلى أن التهديد المحتمل للإرهاب سيؤدي بالتأكيد إلى تكثيف الإجراءات الأمنية على المنشآت والرياضيين والزوار، مما قد يسبب لهم بعض الاضطرابات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن هجوم موسكو يظهر إلى أي مدى قد تكون الهجمات الإرهابية موجعة، ومع ذلك اعتبر أن اليقظة الأمنية والتنسيق الاستخباراتي بين أوروبا يمكن أن يلعبا دوراً حاسماً في الكشف عن المخططات الإرهابية قبل حدوثها.
وألمح إلى ضرورة الحذر الدائم والتنسيق الدولي الفعال لمواجهة التحديات الأمنية في أوروبا، سواء كانت سياسية أو رياضية، مبرزاً أهمية الاستعداد والتدريب المكثف للقوات الأمنية لضمان تأمين الحدث وسلامة المشاركين.
تعزيز الرقابة وتنظيم الهجرة غير الشرعية
وفي ما يتعلق بالتدابير التي يمكن أن تتخذها الحكومة الفرنسية لضمان ثقة الجمهور والرياضيين في سلامتهم خلال الفعاليات الرياضية، أشار سليمان إلى أن رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال طمأن الجميع بإعلان خطط الحكومة لمواجهة العمليات الإرهابية المحتملة، خصوصاً عندما أشار إلى أن قوات الأمن الفرنسية نجحت في إحباط 45 مخططاً إرهابياً منذ عام 2017، بينها ثلاثة مخططات خلال الأشهر الأخيرة.
ويضيف سليمان أنه تم إصدار قوانين في عام 2017 وأخرى خلال 2021، إضافة إلى تدابير اتخذت نهاية العام الماضي وتمحورت جميعها حول تعزيز الرقابة وتنظيم الهجرة غير الشرعية، وضرورة معرفة هويات الأشخاص الذين وصلوا إلى الأراضي الفرنسية ومن يقف وراءهم.
نظام أمني صارم
ومع اقتراب موعد الألعاب الأولمبية يظل الأمن أولوية قصوى للسلطات الفرنسية، ومن المقرر إقامة نظام أمني صارم قبل أسبوع من تاريخ حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في الـ 26 من يوليو (تموز) المقبل، إذ سينشر قرابة 45 ألفاً من رجال الشرطة والجيش، إضافة إلى تشديد الإجراءات على المواطنين والضيوف.
ومن المنتظر أيضاً قبل أسبوع واحد من حفل الافتتاح إغلاق حركة المرور اعتباراً من الساعة الواحدة ظهر ذلك اليوم، باستثناء حالات الطوارئ، كما ستغلق نحو 15 محطة مترو في منطقة الافتتاح، على أن تظل الأماكن الرمزية مثل متحف اللوفر متاحة من المداخل الأخرى خارج نطاق مكافحة الإرهاب، ولكن يتعين على الزوار حجز تذاكرهم مسبقا وإظهار وثيقة هويتهم.
ومن المرتقب حضور 104 آلاف لحفل الافتتاح على المقاعد المدفوعة في الأرصفة المنخفضة لنهر السين، و220 ألف شخص على المنصات العالية، وهو نصف الجمهور المتوقع في البداية، أي 600 ألف مشاهد.
