Home سياسة الناتو في الـ 75 خجول ومتردد ويخشى الشيخوخة

الناتو في الـ 75 خجول ومتردد ويخشى الشيخوخة

116
0

إنه عالم غريب بالفعل. وطيلة سنتين وأكثر، إن لم يكن لمدة أطول بكثير، هاجمت روسيا بوحشية وبلا هوادة نظام الأمن في أوروبا. وماذا يفعل الناتو حيال ذلك؟ إن التحالف الأضخم قوة عالمياً الذي يحتفي بعامه الـ75 هذا الأسبوع، يحذر المعتدين بألا يوسعوا عدوانهم.

لمَ كل هذا الخجل؟ وكذلك اختار الناتو عدم إلغاء معاهدة الشراكة مع روسيا المبرمة في 1997، والاكتفاء بتعليق العمل فيها، فيما يستمر في إثبات عدم اعتزامه منح أوكرانيا عضوية فيه.

بالتأكيد، يرغب الناتو في إبقاء الأمور تحت السيطرة. وإن استنزاف روسيا ببطء أفضل بكثير من إحراز أوكرانيا نصراً صريحاً، إذا أدى ذلك إلى لجم روسيا المحاصرة عن المبادرة إلى أمر ما متهور بأسلحتها النووية.

في المقابل، لا يمسك الناتو بزمام السيطرة إلا بصعوبة، إذ تأتي المساعدة إلى أوكرانيا من دول متجمعة في تحالف واسع، وليس لديها إلا القليل لتعطيه. في خلفية ذلك المشهد، يستمر الناتو في الاستعداد لـ”الدفاع والردع” ضد إمكانية عدوان روسي يطاول ذلك الحلف نفسه. وفي نهاية الأسبوع الماضي، كتب سفراء بريطانيا في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، أنه على الناتو الاستعداد لمواجهة هجوم “وجودي” يشنه بوتين ضده، وكذلك تناولوا كيف تستطيع روسيا “الاستدارة بسرعة” من أوكرانيا كي تغزو دول في جوارها الأوروبي. وتذكيراً، كانت تلك الدول الثلاث الواقعة كلها على بحر البلطيق، أول بلدان أعلنت الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي. [استقلت الدول الثلاث في مطلع التسعينيات من القرن الـ20 على رغم تدخل عسكري روسي فشل في قمع استقلاليتها. وشكل ذلك بداية التفكك النهائي للاتحاد السوفياتي].

لا غبار على صحة “الدفاع والردع”، إذ يجب على الناتو أن يقدر على الدفاع عن دول البلطيق وغيرها من دول المواجهة مع روسيا. وهو مصيب حين يأخذ الناتو ذلك الأمر بجدية، إذ يطالب حلفاءه الأوروبيين المعاندين المتلكئين، بأن يظهروا كفاءة أكبر في استخدام الأموال التي يقدموها للحلف عبر زيادة القوات المخصصة لرد الفعل [التصدي لهجوم متوقع]، ورفع المدى المستقبلي لقواها العسكرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد أشار ديفيد كاميرون وزير الخارجية البريطاني، إلى كثير من تلك الأمور أثناء مؤتمر الناتو في بروكسل حينما حض الحلفاء على “زيادة التجهيز والإنفاق” على الدفاع. وعلى رغم ذلك، لم تصدر سوى استجابة فاترة لاقتراح ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للحلف، بتكوين صندوق تمويل يجمع ما يصل إلى 100 مليار يورو لدعم أوكرانيا عسكرياً. ولا ريب في أن الأمور يجب ألا تبقى على حالها.

في قمتهم المقبلة بواشنطن خلال يوليو (تموز) المقبل، سيناقش الحلفاء في الناتو ذلك التغيير. وسيتحدثون عن زيادة القوات والإنفاق الدفاعي، والانتقال إلى تحالف أكثر توازناً (بمعنى إيلاء الأوروبيين مزيداً من الأعمال)، وإرساء علاقات شراكة أكثر حيوية في منطقة المحيطين الهندي والهادي. تحمل تلك الأمور ما يكفي من المشاغل للمنظمة في عامها الـ75.

ولكن، إن ما سبق لا يشكل جوهر المسألة التي تتمثل في استمرار العدوان الروسي المسلح وحقيقة أن أوكرانيا تعاني بالنيابة عن القارة الأوروبية.

إن انشغال الناتو بالحفاظ على سلامته وأمنه فيما تحوم روسيا حوله، يحمل مشهدية محملة بالدلالة والمخاوف. ومنذ تأسيسه في الرابع من أبريل (نيسان) 1949، تعاظم حجم الحلف الأطلسي من 12 عضواً مؤسساً إلى 32 دولة متحالفة. لكن، بدلاً من أن يشكل الحجم علامة قوة، يعطي الناتو انطباعاً بأنه منهك إلى حد أنه يستطيع الدفاع والردع، وليس المنافسة والإرغام. وبالتأكيد، إن روسيا تعتمد على ذلك. وفيما تتردد الولايات المتحدة، وينخرط الأوروبيون في النقاش وأوكرانيا في الصراع، قد لا يمثل الحلف رهاناً يعتد به.

استناداً إلى تلك الأسباب كلها، يجب على الناتو الآن التجهز والتجرؤ على الانخراط الفعلي. كبداية، يجب أن يلغي بالكامل اتفاق الشراكة مع روسيا لعام 1997، وأن يسمي تحريف بوتين للتاريخ الأوروبي، بلقب يليق به واقعياً، بمعنى اعتباره أمراً غير مقبول. وكذلك يجب على الحلف تشييد دفاعاته الأمامية وبذل مزيد من الجهد لتشجيع وتوجيه الحلفاء في تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا. وبشكل حاسم، يجب على الحلف أن يربط بين الوعد بالحد من التسلح في القارة والحوار مع روسيا وتخليها عن الإمبريالية [النزعة التوسعية]. وأخيراً، حري به أن يمنح أوكرانيا خريطة طريق واضحة لنيل العضوية في الناتو.

ومع التنبه إلى المتغيرات في المشهدية الجغرافية السياسية، يجب على الناتو التنبه إلى ثغراته. وبفضل غزو أوكرانيا الذي أقنع فنلندا والسويد بالتوقيع على الانضمام إلى الناتو، اختفت الثغرات الاستراتيجية في منطقة شمال أوروبا. في المقابل، على خلاف الثغرات في منطقة البلقان.

إذ تعمل النزعة القومية الصربية على تمزيق كوسوفو ودولة البوسنة والهرسك، مما يجعل من صربيا عنصر تخريب إقليمي مفتوح على النفوذ الروسي والصيني. وتشكل مولدافيا نقطة توتر أخرى، إذا أخذ بالحسبان الوجود الروسي في مقاطعة ترانسنيستريا الانفصالية.

ويجب على الناتو منع روسيا من استخدام تلك الدول أداة لإضرام النار في المنزل [البر الأوروبي]. لا يقدر الناتو على فعل ذلك بنفسه، لكنه يستطيع ويجب عليه، تولي القيادة. ربما توجب أن يبدأ التوسع المقبل للناتو من أوكرانيا ومولدافيا، ثم يمتد إلى دول البلقان الغربية. وحينها، ربما ذات يوم، قد تفكر دول غربية حيادية على غرار إيرلندا والنمسا وسويسرا، في مدى اعتمادها على الأمن القاري. لقد أنهى السويسريون خمسة قرون من الحياد في الصراعات الأوروبية كي ينضموا إلى الاتحاد الأوروبي في معاقبة روسيا على غزوها أوكرانيا. ومن شأن ذلك أن يثبت إمكانية حدوث ذوبان، إذا صحت الكلمة، في جليد الحياد.

والآن، تبقى تلك الدول [إيرلندا والنمسا وسويسرا] متحصنة خلف حيادها، لكن الباب مفتوح أمامها، بحسب ما لا تنفك قيادة الحلف في تذكيرهم به. وهذا يصب في مصلحتنا أجمعين.   

* ستان رايننغ، مؤلف كتاب “الناتو، من الحرب الباردة إلى أوكرانيا، تاريخ للتحالف الأقوى في العالم”.