Home سياسة انخفاض مفاجئ للنمو السكاني في مصر

انخفاض مفاجئ للنمو السكاني في مصر

111
0

ارتبطت الزيادة السكانية في مصر بالأنباء السلبية، يمكن ملاحظتها في الإعلام المصري طوال العقود الماضية، مصحوبة بتحذيرات المسؤولين للمواطنين من “قنبلة سكانية” ستنفجر في وجوههم وتعطل “مسيرة التنمية”، لكن هذه المرة اقترن معدل الزيادة السكانية بالانخفاض مقارنة بالأعوام السابقة.

وبنسبة كبيرة فاجأت كثراً وحازت على انتباه الرأي العام المصري، إذ أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية أن معدل النمو السكاني بلغ 1.4 في المئة في العام الماضي، وهو أقل معدلات نمو الزيادة السكانية خلال الـ50 عاماً الأخيرة، وبدا ذلك الرقم مفاجئاً حتى للوزارة التي أعلنت عنه، فقبل أربعة أيام فقط من ذلك الإعلان قالت الوزارة إن خطتها لعام 2023/2024 تستهدف خفض معدل النمو السكاني إلى 1.69 في المئة.

وذكر بيان للوزارة أن مصر نجحت في خفض معدلات النمو السكاني بنسبة 46 في المئة خلال الفترة بين 2017 و2023، وكذلك بنسبة 10 في المئة بين عامي 2022 و2023، وبلغ عدد المواليد خلال العام الماضي نحو 2.044 مليون مولود، فيما انخفض بنسبة 2.2 في المئة، إذ بلغ 661 ألف حالة وفاة خلال عام 2023، مقابل 675 ألف حالة وفاة في عام 2022.

مصر صاحبة الكتلة السكانية الكبرى في العالم العربي تخطى عدد سكانها 106 ملايين نسمة في فبراير (شباط) الماضي، بعدما زادت مليون نسمة في 250 يوماً، بمعدل مولود كل 15 ثانية، بعدما كان عدد السكان يزيد مولوداً كل 14 ثانية.

نجاح للدولة

التفاوت الكبير في معدل الزيادة السكانية العام الماضي عما سبقه أرجعه المدير السابق لمكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان بمصر، مجدي خالد، إلى أن ذلك يرجع إلى سنوات من العمل الحكومي وليس إلى عام أو اثنين، بخاصة في محوري الوعي السكاني وتنظيم الأسرة.

وقال خالد إن الدولة ركزت على ملف تنظيم الأسرة منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في 2014، موضحاً أن الرئيس يشير دائماً إلى القضية السكانية باعتبارها أولوية للدولة ووصف ذلك بأنه حشد للجهود، مضيفاً أن الإنجاز في علم السكان وتنظيم الأسرة لا يحدث بين ليلة وضحاها بل يستغرق وقتاً طويلاً للحصول على نتائج ملموسة.

ويركز الرئيس المصري دائماً على قضية زيادة السكان في خطاباته، بل إنه قرن الإرهاب والأزمة السكانية باعتبارهما أكبر خطرين على مصر، خلال خطاب ألقاه في يوليو (تموز) 2017، وشدد في سبتمبر (أيلول) 2023 على ضرورة تنظيم “الحرية المطلقة” في الإنجاب، مشيراً إلى أن المطلوب هو الوصول إلى معدل 400 ألف مولود سنوياً لمدة قد تستمر 20 عاماً، لتحقيق التوازن في عملية الزيادة السكانية، فيما تسجل مصر حالياً مليوني مولود كل عام.

كما وصف الرئيس المصري في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 معدل الزيادة السكانية الذي تمضي به مصر بأنه بمثابة “انتحار” بعدما زاد عدد السكان 25 مليوناً منذ عام 2011، بخاصة في ظل ندرة المياه.

ليست كافية

وتضاعف عدد سكان مصر مرات عدة بدءاً من عام 1850 حين كان التعداد نحو 5 ملايين، وبعد 100 سنة وصل العدد إلى 20 مليوناً ثم تضاعف إلى 40 مليوناً عام 1978، وفي 2007 بلغ عدد المصريين 70 مليوناً ثم 92 في 2016، وتخطى 100 مليون في 2020، ليصل الآن إلى أكثر من 105 ملايين نسمة، وإجمالاً سجلت مصر بين 1947 و2015 تضاعف عدد السكان خمس مرات.

وعلى رغم إقرار المسؤول الأممي السابق بأن الأرقام الأخيرة التي أعلنتها وزارة التخطيط “جيدة”، بتسجيل مليوني مولود بانخفاض قدره 15 في المئة مقارنة بـ2018 وسبعة في المئة مقارنة بعام 2022، وهو الأقل منذ 50 عاماً، فإنه يؤكد أن تلك الأرقام لم تصل إلى المستوى المستهدف، وأن درجة الوعي لدى المواطن ليست كافية حتى الآن.

 

 

وأضاف خالد أن مصر لديها مسار طويل لرفع الوعي وتحسين الخدمة، فحالياً معدل الأطفال لكل أسرة 2.8 والمستهدف اثنان لكل أسرة، مما يمهد للوصول إلى استقرار سكاني وتعويض الفاقد من السكان.

وشدد المدير السابق لمكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان أن النتائج الإيجابية تعطي دفعة لتكثيف الجهود أكثر، والدولة عليها الاستمرار في إبراز القضية إضافة إلى توفير الموارد، كما توجد مسؤولية على المواطن في التزام تنظيم الأسرة.

برامج تنظيم الأسرة

وبدأت مصر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي برامج لتنظيم الأسرة، ونجحت في خفض معدل خصوبة المرأة المصرية من 5.6 طفل لكل امرأة عام 1976 إلى ثلاثة أطفال في 2008، لكن مع إهمال ملف الزيادة السكانية في أعقاب عدم الاستقرار السياسي ارتفعت نسبة الخصوبة إلى 3.5 طفل للمرأة في 2014، لكن الدولة عادت إلى الاهتمام بالملف عبر إطلاق حملة “2 كفاية” في يناير (كانون الثاني) 2019، وهي حملة إعلامية وتوعوية تدعو إلى الاكتفاء بطفلين، وفي 2022 بلغ معدل الخصوبة نحو 2.7 طفل لكل امرأة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلى جانب مشروع أطلقته وزارة التنمية المحلية بعنوان “تسريع الاستجابة المحلية للقضية السكانية”، في خمس محافظات كمرحلة أولى، هي “سوهاج وقنا وأسيوط والمنيا والقليوبية”، حيث تعاني المحافظات الأربع الأولى من ارتفاع معدلات النمو السكاني وتدنى مستويات التشغيل والتعليم وارتفاع الإنجاب المبكر قبل السن القانونية للزواج، مما يؤدي لتوابع اقتصادية أبرزها زيادة نسب الفقر.

وأطلقت الحكومة المصرية في فبراير 2022 المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي تضمن خطة تنفيذية تقوم على خمسة محاور هي التمكين الاقتصادي للمرأة، وتوفير وسائل تنظيم الأسرة وإتاحتها بالمجان وتأهيل الكوادر الطبية، وكذلك رفع وعي المواطن وتصحيح المفاهيم المغلوطة المرتبطة بالقضية السكانية، وبناء منظومة إلكترونية متكاملة لرصد ومتابعة وتقويم الخدمات المقدمة للأسرة المصرية، إلى جانب وضع إطار تشريعي وتنظيمي حاكم للسياسات المرتبطة بقضية النمو السكاني وتقديم حوافز إيجابية للالتزام بإنجاب طفلين فقط.

عوامل أخرى

لكن الخفض الحاد في معدل الزيادة السكانية لا يرجع فقط إلى جهود الحكومة في زيادة الوعي وإتاحة وسائل تنظيم الأسرة، وفق المتخصصة في علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر، التي لفتت إلى أن الوضع الاقتصادي في مصر خلال السنوات الأخيرة وزيادة الأسعار التي أثرت في كل طبقات المجتمع دفعت كثيراً من الأسر إلى إعادة النظر في فكرة الإنجاب من الأساس، موضحة أن الشباب والفتيات غير مقبلين على الزواج، على عكس السابق كان الشاب يتخرج في الجامعة ويتزوج، أما الفتاة فكانت لا يمكن أن تصل إلى سن الـ30 من دون زواج.

وقالت خضر إنه إلى جانب العامل الاقتصادي هناك عوامل فكرية واجتماعية تغيرت في المجتمع، إذ أصبحت الإناث أكثر ميلاً للعمل و”تحقيق الذات” مما يؤخر زواجهن أحياناً، وأصبح من المعتاد أن تتخطى الفتاة الـ30 من دون زواج، فيما يزداد الميل نحو السفر بين الشباب الذين لا يرغبون في تحمل المسؤولية مبكراً، بخاصة مع التخوف من زيادة الأسعار.

وأشارت الأكاديمية في علم الاجتماع إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق في السنوات الأخيرة يؤثر في فرص الإنجاب، كما أن لها تأثيراً في الخوف من تكرار تجارب غيرهم وقلة فرص الأسر في إنجاب أطفال جديدة، مؤكدة أن الأهالي لا يجبرون أولادهم على الزواج على عكس الماضي.

وبلغ عدد حالات الطلاق نحو 269.8 ألف حالة عام 2022، مقابل 254.7 ألف حالة في 2021 بنسبة زيادة قدرها 5.9 في المئة، ثم تراجعت بنسبة 12 في المئة خلال 2023 لتصل إلى 238 ألف حالة، لكنها لا تزال مرتفعة كثيراً مقارنة بما كان عليه الحال قبل نحو 15 عاماً، حين سجلت مصر أكثر من 141 ألف حالة طلاق في 2009، وارتفعت إلى 199.8 ألف حالة في 2015 ثم 211.5 ألف في 2018، وإجمالاً سجلت مصر في 2022 حالة طلاق كل 117 ثانية في مقابل حالة زواج كل 34 ثانية.

الأوضاع الاقتصادية

كما يعزو خبير السكان ودراسات الهجرة، أيمن زهري، خفض معدلات المواليد بصورة ملحوظة إلى الظروف الاقتصادية، مستبعداً أن يكون لجهود الدولة المباشرة في تنظيم الأسرة تأثير يذكر في النتائج الحالية، وأشار في تصريحات صحافية إلى خفض معدلات الزواج السنوية، فبعدما اقتربت من مليون زيجة سنوياً، تراجعت بنحو 10 في المئة مما أدى إلى خفض أعداد المواليد بالنسبة نفسها.

وأوضح زهري أن الضغوط الاقتصادية التي واجهها المواطنون أخيراً دفعتهم إلى اعتبار الإنجاب عبئاً كبيراً، مما دفع البعض إلى تأجيل الخطوة وارتفعت كذلك حالات الطلاق، إضافة إلى عزوف كثير من الشباب المتزوجين عن الإنجاب كظاهرة عالمية لأن الجيل الحالي أصبح أكثر ذاتية ورغبة في تحقيق الذات، وبخاصة الفتيات، مما يؤثر في معدلات المواليد الجدد.

منذ رزق أحمد كمال وزوجته أمنية بطفلتهما “ملك” في 2018، قررا الاكتفاء بها كي يمنحاها بعضاً من التعليم الجيد والترفيه، لأنهما لا يستطيعان توفير ذلك لطفلين أو أكثر، إذ يعيش الشاب الثلاثيني في شقة مستأجرة وسط القاهرة، ويعمل محاسباً بإحدى الشركات، فيما تعمل زوجته موظفة “كول سنتر”، ويقول أحمد إن دخلهما معاً لا يجاوز 20 ألف جنيه (424 دولاراً) شهرياً، يربط أحمد وأمنية التراجع عن قرار الطفل الواحد بتغير وضعهما الاقتصادي، بامتلاك مسكن وتضاعف الدخل الشهري.

فيما قرر محمود يونس وزوجته تأجيل خطوة إنجاب الطفل الثاني، وذلك منذ ارتفاع الأسعار بنسب كبيرة قبل عامين، فبعدما كان الموظف بأحد المراكز التجارية الكبرى يفكر مع زوجته “أن يخاوي” نجله أحمد ذا الأعوام الأربعة، جاءت الأزمة الاقتصادية وتضاعفت أسعار كثير من الخدمات وعلى رأسها المستشفيات وعيادات الأطباء، لتدفعهما نحو إرجاء تلك الخطوة، لكنه أكد أنه في كل الأحوال سيأتي وقت وينجب الطفل الثاني لأنه لا يريد أن ينشأ ابنه وحيداً.

 

أ ف ب

وارتفع معدل التضخم الأساس في مصر في فبراير الماضي إلى 35.1 في المئة على أساس سنوي، بدلاً من 29 في المئة في يناير الماضي، مدفوعاً بزيادة سنوية لأسعار الطعام والمشروبات بنسبة 48.5 في المئة، وارتفاع أسعار الملابس 26.1 في المئة، والمسكن والمياه والكهرباء والغاز والوقود بنسبة 11.2 في المئة، وفق بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الصادر الشهر الماضي عن البنك المركزي المصري.

وشهدت مصر أزمة اقتصادية حادة في السنوات الثلاث الأخيرة، دفعتها إلى خفض قيمة عملتها مرات عدة، لتصل حالياً إلى نحو 47 جنيهاً للدولار، بدلاً من 15.6 جنيه في مارس (آذار) 2022، ورافق ذلك ارتفاع أسعار كل المنتجات والخدمات.

سبب الفقر

وتربط الحكومة المصرية دائماً بين معدلات النمو السكاني ونسب التنمية، إذ أكدت الحكومة في خطتها لعام 2023/2024 المقدمة لمجلس النواب أن النمو السكاني المرتفع “يلتهم ثمار التنمية، ولا يستشعر معه المواطن بالتحسن الحقيقي في مستوى معيشته”.

وبحسب بيان سابق للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تعد الزيادة السكانية أحد أهم التحديات التي تواجه مسيرة التنمية والسبب الرئيس لمشكلة الفقر، إذ تزداد نسبة الفقراء مع زيادة حجم الأسرة، موضحاً أن 80.6 في المئة من الأفراد الذين يعيشون في أسر بها 10 أفراد أو أكثر هم من الفقراء، و48.1 في المئة من الذين يقيمون في أسر بها من ستة إلى سبعة أفراد هم من الفقراء، مقارنة بـ7.5 في المئة بالأسر التي بها أقل من أربعة أفراد. ويبلغ متوسط الأسرة المصرية في العام الماضي أربعة أفراد وفق إحصاءات الجهاز، وهو الهيئة الحكومية المعنية بحصر وإعلان تعداد المواطنين.

وتبلغ نسبة الفقر وفق آخر الأرقام الرسمية المعلنة عن عامي 2019/2020 نحو 29.7 في المئة، إلا أن دراسة مستقلة أجرتها مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هبة الليثي، توقعت أن يكون مستوى الفقر في عام 2022/2023 مرتفعاً إلى 35.7 في المئة، مع ارتفاع خط الفقر إلى 1478 جنيهاً (31.2 دولار) شهرياً، وارتفاع خط الفقر المدقع إلى 1069 جنيهاً (22.6 دولار) شهرياً.

وذكر تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري أنه إذا انخفض معدل الخصوبة إلى 2.1 مولود لكل امرأة سينعكس ذلك على نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي عام 2030 ليصل إلى نحو 60 ألف جنيه (1267.8 دولار)، مع تسجيل 117.3 مليون فرد، أما لو استمر بالمعدلات الحالية فسيكون نصيب الفرد 56.1 ألف جنيه (1185.4 دولار) ووصول عدد السكان إلى 120 مليون نسمة في عام 2030.