Home سياسة تفاوت الأجور في هوليوود حقيقي ولكن الأمر ليس بهذه البساطة

تفاوت الأجور في هوليوود حقيقي ولكن الأمر ليس بهذه البساطة

46
0

عادة ما يكون الحديث عن أجور نجوم السينما أمراً غير محبب، ويعتبر مستفزاً بعض الشيء، أليس كذلك؟ بعض الشيء، تيمناً بمقولة شاندلر بينغ بطل مسلسل “فريندز” (أصدقاء): “محفظتي صغيرة جداً لا تتسع لنقودي وحذائي المصنوع من الألماس ضيق جداً”. إذ لا شيء يثير غضب المعلقين أسرع من حديث أحد المشاهير الأثرياء عن أجورهم – حتى لو كان الأمر يتعلق بـ أوليفيا كولمان.  لكنها تقدم وجهة نظر مهمة حول توزيع الأجور في هوليوود.

يوم الأحد (24 مارس/آذار)، أدلت النجمة الفائزة بجائزة “الأوسكار” بتصريح لشبكة “سي أن أن”، قالت فيه: “لو كنت أوليفر كولمان بدلاً من أوليفيا كولمان، لكسبت مبلغاً أكبر بكثير مما أكسبه الآن… أعرف حالة وصل فيها عدم المساواة في الأجور إلى 12000 في المئة. أترك لكم إجراء العملية الحسابية”.

فكرة وجود شخص يحمل اسم “أوليفر كولمان” يتلقى أجراً أفضل قد حظيت بأكبر قدر من الاهتمام ضمن تعليقات كولمان، وهذا أمر دقيق بشكل مفهوم – ولكنها أيضاً الفكرة الأقل إثارة للاهتمام من بين آرائها المتعلقة بالمساواة في الأجور في هوليوود. بدلاً من ذلك، تعليقاتها الأخرى حول التبرير الغامض قليلاً لتوزيع الأجور تكشف المزيد – وتعكس صناعة لا تعرف تماماً ما تفعله ولكنها لا تزال تدعي أنها تعرف. قالت كولمان إن الصناعة تبرر دفع أجور أعلى للرجال من خلال ادعائها بأنهم “يجذبون الجماهير” – “[ولكن] هذا لم يعد صحيحاً منذ عقود… لا تزال الصناعة ترغب في اللجوء إلى هذا لتبرير عدم دفع المبالغ نفسها للنساء”. إنه تفسير عفا عليه الزمان، ويتعارض تماماً مع صناعة تشهد تغيراً بشكل متزايد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحق أن المساواة في الأجور في هوليوود فكرة معقدة. وعلى عكس العالم الحقيقي، حيث فجوة الأجور حقيقة لا يمكن إنكارها – إذ أفادت تقارير العام الماضي بأنها تتسع بشكل أكبر، حيث وصلت إلى 14.4 في المئة بين متوسط أجور الذكور والإناث – فإن عالم السينما هو فقاعة ذات خصوصية مفرطة في ما يتعلق بالفرص واتخاذ القرارات بحيث يصعب تطبيق الحسابات نفسها عليها. يرجع ذلك جزئياً إلى أن الرواتب كانت عرضة للاستغلال – فالنجومية والقيمة سريعتا الزوال لدرجة أنه من الصعب في سياق الممثل المشهور محاولة إيجاد شيء من الاتساق فيه.

في الماضي، كانت إيرادات شباك التذاكر تحدد قيمة الممثل. عندما حصلت جينيفر لورنس على 20 مليون دولار (ما يعادل 15 مليون جنيه استرليني) مقابل 13 مليون دولار (10 ملايين جنيه استرليني) تقاضاها كريس برات في فيلم الخيال العلمي “ركّاب” Passengers عام 2016، كانا في مرحلتين مختلفتين جداً من مسيرتيهما الفنيتين: كانت لورنس قد انتهت للتو من التمثيل في سلسلة أفلام “مباريات الجوع” Hunger Games الناجحة، علاوة على فوزها بجائزة أوسكار وسلسلة من الأفلام الناجحة مثل “المعالجة بالسعادة” Silver Linings Playbook و”احتيال أميركي” American Hustle. أما برات فكان معروفاً بظهوره في المسلسل التلفزيوني “حدائق ومنتزهات” Parks and Recreation وقيامه ببطولة فيلم واحد فقط هو “العالم الجوراسي” Jurassic World عام 2015. قالت لورنس في عام 2018: “إذا لم تحقق الأفلام المقبلة نجاحاً جيداً في شباك التذاكر، فلن أحصل على الأجر نفسه… هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور. إذا لم تستطع إثبات أنك تستحق هذا الأجر، فلن تحصل عليه. المسألة متقلبة للغاية. لا أريد أن أبدو وكأنني متغطرسة، لأنني قد أجد نفسي في موقع أضعف في فترة قصيرة جداً”.

بحلول عام 2021، وبعد أداء ضعيف لفيلمين من بطولتها (“أمي!” Mother! الصادر عام 2017 و”العصفور الأحمر” Red Sparrow عام 2018)، تلقت أجراً أقل من ليوناردو دي كابريو في فيلمهما الكوميدي “لا تنظروا إلى السماء” Don’t Look Up الذي عرضته “نتفليكس” – 30 مليون دولار مقابل 25 مليون دولار – على رغم أن اسمها ظهر أولاً في شارة الفيلم. لكن لورنس تفهمت لماذا لم تتلق أجراً متساوياً، وقالت لمجلة فانيتي فير: “حسناً، يجلب ليو إيرادات في شباك التذاكر أكثر مني… أنا محظوظة للغاية بصفقتي وسعيدة بها”.

على رغم أن منطق لورنس يبدو معقولاً إلى حد ما، إلا أنه من السهل أيضاً إثارة شكوك حوله. فهوليوود، في نهاية المطاف، هي صناعة مبنية على الافتراضات، حيث لا يستطيع أحد حقاً التنبؤ بالنجوم الذين سيجذبون الجماهير بالفعل أو يقيمهم فعلاً. خذوا على سبيل المثال “كثيب: الجزء الثاني” Dune: Part Two. ذكر تقرير لم يتم التحقق منه أن تيموتي شالاميه حصل على 3 ملايين دولار مقابل دوره في الفيلم، بينما تقاضت زيندايا مليوني دولار. ولكن هل نجح الفيلم حقاً وكسب 574 مليون دولار وما زال يربح المزيد بفضل شالاميه، الممثل الذي يسير على خطى دي كابريو الشاب في طريق النجومية؟ أم أن زيندايا كانت عامل الجذب الأكبر، بفضل حضورها القوي على وسائل التواصل الاجتماعي وظهورها المتكرر على أغلفة المجلات رفيعة المستوى والاهتمام الإعلامي الذي اكتسبته بفضل إطلالتها المذهلة دائماً على السجادة الحمراء؟ أم أن عامل الجذب الرئيس لـ “كُثيب” كان الفيلم نفسه – وهو جزء من ملكية فكرية تتمتع بجاذبية كبيرة خاصة بها؟

يمكننا إطلاق هذا النوع من الاستفسارات باستمرار. إذا كانت سيدني سويني هي التي تسببت في نجاح الفيلم الرومانسي الذي لم يلاحظه كثيرون “أي شخص، إلا أنت” Anyone But You وتحقيقه أكثر من 200 مليون دولار (158 مليون جنيه استرليني) في جميع أنحاء العالم، فلماذا لم تتمكن من فعل الشيء نفسه مع فيلم مارفل الفاشل “مدام ويب” Madame Web بعد أقل من شهرين؟ كذلك لم يتسبب توم هولاند مطلقاً في رواج فيلم ناجح من بطولته لم يكن مقتبساً من القصص المصورة أو فيلماً يستند إلى لعبة فيديو رائجة – فهل هذا يعني أنه ليس نجماً سينمائياً حقيقياً؟ كما أن أفلام السيرة الذاتية الغنائية مثل “الملحمة البوهيمية” (بوهيميان رابسودي) Bohemian Rhapsody و”بوب مارلي: حب واحد” Bob Marley: One Love حققت نجاحات هائلة – لكن هل يعني هذا أن بطليهما رامي مالك وكينغسلي بن أدير على التوالي، سيجذبان الجمهور في الأفلام المقبلة التي سيلعبان بطولتها؟

هل تفهمون قصدي؟ كل هذا النقاش لا معنى له بطريقة ما ولا أحد يعرف الحقيقة على الإطلاق. من دون الرغبة في الظهور بمظهر عميل الشركات، من الصعب أن نرى كيف يمكن لاستوديوهات هوليوود تقديم أجور عادلة لنجومها عندما يكون من المستحيل معرفة من “يحقق المرابح” حقاً وما مقدارها.

بدلاً من ذلك، يعتمد عديد من عمليات المحاسبة في هوليوود بشكل كبير على الترويج والضجة الإعلامية، حيث يقوم وكلاء الممثلين بتقديم حجج مقنعة بما يكفي بأن عملاءهم يستحقون مبالغ معينة، وأن عملاءهم نجوم كبار جداً لدرجة القول “ثق بي، سيحقق هذا الفيلم الجديد نجاحاً ساحقاً سيبرر كل الملايين التي تدفعها لهم”.

أصبحت فرصة الدخول في هذا المجال أكثر تعقيداً، حيث تفضل هوليوود دائماً الشابات والبيضاوات وصاحبات الجمال التقليدي على رغم ادعائها أنها صناعة تقدمية. وبالمثل، يحصل الرجال البيض على فرص أكبر على رغم الفشل. مر آدم ساندلر بسلسلة من الإخفاقات في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، مع أفلام من بينها “مزيج” Blended و”هذا هو ابني” That’s My Boy و”بيكسلز” Pixels. ومع ذلك، فهوي لا يزال يجني أموالاً طائلة من صفقته مع “نتفليكس”، التي قادته بالصدفة إلى أن يُسمى أخيراً الممثل الأعلى أجراً لعام 2023. في المقابل، كانت مارغوت روبي وجينيفر أنيستون السيدتين الوحيدتين في قائمة الممثلين العشرة الأعلى أجراً، في حين أن الجزء الأكبر من أجر أنيستون لم يأت من الأفلام ولكن من العروض التلفزيونية وصفقات الدعاية. وهذا بحد ذاته يوضح الوضع كثيراً.

كولمان محقة في اعتقادها أنها يجب أن تحصل على أجر أعلى، بخاصة عندما تحقق رواجاً لأفلام مثل “رسائل صغيرة شريرة” Wicked Little Letters – الفيلم الكوميدي البريطاني الذي يسجل حالياً أعلى إيرادات في دور السينما البريطانية بعد جائحة كورونا – بشكل أساسي بسبب اسمها وشهرتها وليس لأي عوامل أخرى. ولكن من الصعب إنشاء حقل تنافس متكافئ تماماً في صناعة تعتمد إلى حد كبير على التكهنات والتملق. سيتطلب ذلك جهداً أكبر بكثير من تجاوز العقبات التي تواجه النساء. إذا كان شيء ما سيحدث، فإنه سيتطلب تغييرات جذرية في القطاع.