Home سياسة إثيوبيا والصومال… اتفاق على “الميناء” وحق “السيادة”

إثيوبيا والصومال… اتفاق على “الميناء” وحق “السيادة”

12
0

أعلن وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف رسمياً أن بلاده رعت الجولة الأولى من المحادثات بين إثيوبيا والصومال في العاصمة الكينية نيروبي. وأكد أنها انتهت بإرساء مبادئ أساسية بين الطرفين لاستمرار المحادثات في جولات لاحقة في جيبوتي.

وأعرب يوسف عن عزم بلاده لعب دور الوسيط في المحادثات بين الصومال وإثيوبيا، موضحاً أن المبادئ الأساسية للمحادثات ترتكز على ضرورة الحفاظ على سيادة الصومال ووحدة أراضيه.

وكانت العلاقات بين أديس أبابا ومقديشو شهدت توتراً ملحوظاً في أعقاب إبرام الأولى مذكرة تفاهم مع أرض الصومال “صوماليلاند” للحصول على ميناء على المحيط الهندي مقابل اعترافها باستقلال الثانية، الأمر الذي اعتبرته الصومال بمثابة “إعلان حرب” على سيادته ووحدة أراضيه، وانطلاقاً من ذلك كثفت الدبلوماسية الصومالية، أنشطتها على مستوى المحافل الدولية والإقليمية لإدانة الاتفاق والمطالبة بإلغائه، مما وفر لها دعماً إقليمياً ودولياً، بخاصة من الاتحاد الأوروبي الذي طالب باحترام سيادة الصومال، ووجه انتقادات لمذكرة التفاهم الموقعة مع هرجيسا.

وبدا الموقف الأميركي متفهماً للمطالب الإثيوبية، إذ امتنع المتحدث باسم البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي عن التعليق على شرعية المذكرة الموقعة، مكتفياً بدعوة الطرفين “لحوار بناء”.

ودعمت جهات دولية عدة من بينها جامعة الدول العربية وتركيا الموقف الصومالي صراحة، معتبرة مذكرة التفاهم خرقاً للسيادة الصومالية ومبادئ القانون الدولي، باعتبار أن إبرامها تم مع جهة غير معترف بها دولياً ولا تمثل إرادة الشعب الصومالي. 

إدارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد تجد نفسها أمام التراجع عن المذكرة، لا سيما بعد تأكيد الوزير الجيبوتي، وأن جولة المحادثات الأولى مع مقديشو تقوم على قاعدة “الحفاظ على السيادة الصومالية”، مما يعني اعترافاً ضمنياً من أديس أبابا بوحدة الصومال، والتراجع عن شرط الاعتراف باستقلال “صوماليلاند”.

وقد يرى آبي أحمد أن البدء في المحادثات مع الصومال ليس سوى محاولة لنزع فتيل الأزمة، وأن المطالب الإثيوبية المتعلقة بإيجاد منفذ بحري يمكن طرحها مع مقديشو عوضاً عن هرجيسا، بالتالي تكون أديس أبابا حققت جزءاً من تعهداتها تجاه شعبها، دون الحاجة إلى مواجهة بدت محتملة بين الطرفين.

ثمة إمكانية لتحقيق هذا الهدف بصورة سلمية تفاوضية مع مقديشو، بخاصة أن حكومة أديس أبابا ظلت خلال الأشهر الأربعة الماضية تقود حملة إعلامية واسعة، بأحقيتها في الحصول على منفذ بحري خاص، مبررة ذلك بالتنامي السكاني، التي تعدى 100 مليون نسمة، وما يتطلبه ذلك من مشاريع التنمية، وأن بقاءها كدولة حبيسة منذ قرابة الثلاثة عقود منذ استقلال إريتريا في 1991 يعطل خططها التنموية. 

مذكرة تفاهم

تنطلق الرؤية الصومالية حول مذكرة التفاهم المبرمة بين أديس أبابا وهرجيسا، من واقع أن الصومال جمهورية فيدرالية معترف بها في الأمم المتحدة منذ الأول من يوليو (تموز) 1960 بحدودها الجغرافية التي تضم الصومالين الإنجليزي والإيطالي، كما أنها عضو في المنظمات الدولية والقارية من بينها جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وغيرهما بذات الحدود، وعاصمتها مقديشو.

وبالتالي فإن “صوماليلاند” من وجهة النظر الصومالية ليس إلا إقليماً تابعاً لسيادة مقديشو، حتى لو أعلن استقلاله بصورة أحادية، إذ لم يحصل على اعتراف أي دولة، فضلاً عن الاعتراف الدولي من الأمم المتحدة، بالتالي لا يحق لحكومته إبرام أي اتفاق مع أي جهة خارجية، وتعتمد الرؤية الصومالية، على نصوص القانون الدولي، وميثاق الاتحاد الأفريقي، ووفقاً لذلك فإن أي اتفاق يتم إبرامه مع حكومة “صوماليلاند” يعد لاغياً لافتقاده الشرعية القانونية. 

واعتمدت مقديشو على المسار الدبلوماسي لتقديم رؤيتها القانونية، من بينها رفع شكوى لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، فضلاً عن منظمة “الإيغاد”، كما كثفت من جهودها تجاه القوى الكبرى، بخاصة الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية. 

ووجدت الرؤية الصومالية دعماً ملحوظاً من قبل المنظمات الدولية والقارية، فضلاً عن دول الإقليم، وعلى رأسها السعودية، التي عبرت عن “حرصها البالغ على وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة وسيادتها على كامل أراضيها”، إضافة إلى إريتريا التي تخشى هي الأخرى من المطامع الإثيوبية للوصول إلى البحر الأحمر.

على الجانب الآخر لم تستبعد مقديشو الخيار العسكري، في حال دعت الضرورة لمنع تنفيذ الاتفاق الذي أبرم بين أديس أبابا وهرجيسا، إذ لوحت في حقها المشروع في الدفاع عن سيادتها الوطنية ووحدة أراضيها. 

رؤيتا إثيوبيا و”صوماليلاند” 

تعتمد رؤية “صوماليلاند” على إحدى مبادئ ميثاق الاتحاد الأفريقي، الذي ينص على “قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار” في القارة الأفريقية، ووفقاً لذلك تعتبر نفسها دولة مستقلة عن الصومال الإيطالي (جنوب)، إذ سبق وأعلنت استقلالها عن بريطانيا في الـ26 من يونيو (حزيران) 1960، وحصلت على الاعتراف من أكثر من 34 دولة عضو في الأمم المتحدة، إلا أن رغبة قادتها حينها لبناء دولة تضم كل المتحدثين باللغة الصومالية دفعهم بعد خمسة أيام إلى الاتحاد الطوعي مع الصومال الإيطالي، لتصبح جزءاً من جمهورية الصومال في الأول من يوليو 1960.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد سقوط النظام في مقديشو وانهيار الدولة المركزية، أعلنت “صوماليلاند” مجدداً الاستقلال عن الصومال بصورة أحادية، معتمدة على حقها التاريخي في الاستقلال، باعتبار أنها لم تكن جزءاً من خريطة الصومال قبل 1960، وباستحضار ميثاق الاتحاد الأفريقي عن “قدسية الحدود الموروثة عن الاستعمار”، تحاجج في حقها القانوني في فك ارتباطها عن مقديشو. وهي الرؤية ذاتها التي تحاول إثيوبيا تسويقها، إضافة إلى أن هرجيسا فعلياً لا ترتبط بالصومال بأي شكل إداري أو سياسي ومؤسساتي منذ 1991، وأنها تمارس كل مظاهر السيادة بعيداً من مقديشو، سواء في الاستحقاقات السياسية من انتخابات رئاسية وبرلمانية، أو على مستوى إدارتها لجميع إقليمها الجغرافي براً وبحراً، كما تشير أديس أبابا إلى اتفاقات تجارية وعسكرية أبرمتها هرجيسا مع جهات دولية أخرى، على رغم عدم حصولها على الاعتراف الدولي من بينها اتفاقات تجارية وعسكرية مع الإمارات. 

وعملت إثيوبيا مراراً، على إيجاد موقف داعم لرؤيتها من الاتحاد الأفريقي، الذي يتخذ من أديس أبابا مقراً له، وذلك اعتماداً على مبدأ الحدود الموروثة من الاستعمار البريطاني، كما سعت تجاه القوى الكبرى، بخاصة الولايات المتحدة التي ترتبط بعلاقات تاريخية قوية مع أديس أبابا، لدعم مطالبها بالحصول على منفذ بحري خاص، تسهم من خلاله في المساعي الأميركية الهادفة إلى تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر وجهود مكافحة الإرهاب. 

الطريق إلى التفاوض 

يبدو أن ثلاثة أشهر ونيفاً من الزمن كانت كافية لإقناع الطرفين الإثيوبي والصومالي، بأن التفاوض يبقى الحل الأمثل لحل المعضلة الناتجة من مذكرة التفاهم المبرمة في الأول من يناير الماضي في أديس أبابا، بخاصة بعد تراجعها عن شرط الاعتراف باستقلال “صوماليلاند” وتأكيدها أنها ستدرس مسألة الاعتراف، وأنها لم تتخذ بعد قراراً قاطعاً في شأنها، في حين أعربت هرجيسا أن المذكرة تنص على “أن منح منفذ لإثيوبيا على المحيط الهندي، ينبغي أن يتزامن مع إعلان أديس أبابا اعترافها الرسمي بها”، مما يؤشر إلى أن ثمة تبايناً بين الموقفين الإثيوبي والصوماليلاندي في مسائل جوهرية، مما أعطى ضوءاً بإمكانية استغلال هذا التباين لصالح التقارب بين أديس أبابا ومقديشو، مما قاد حسب المراقبين لشؤون القرن الأفريقي إلى إطلاق جيبوتي لمساعيها الحميدة وبدء أول جولة للمفاوضات بين الطرفين، لا سيما أن الوقت قد مضى على تطبيق المذكرة في المواعيد التي نصت عليها ديباجة الاتفاق، فضلاً عن الاعتراضات الصومالية ومن خلفها الإقليمية والدولية حول بنودها، مما استوجب البحث عن مسار آخر. 

مطالب قائمة 

بدوره، يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي مكاري سلمون أن بدء جولات المحادثات بين أديس أبابا ومقديشو لا يعني بالضرورة تخلي الأولى عن مطالبها المشروعة، بالحصول على منفذ بحري، مشيراً إلى أن المطالب القانونية والتاريخية التي تم الترويج لها بصورة واسعة، سواء من قبل الجهات الرسمية أو الأوساط البحثية والأكاديمية لم تقتصر على شواطئ إقليم “صوماليلاند” بل كانت قائمة منذ البدء على أحقية إثيوبيا باستعادة موانئها على البحر الأحمر، وليس على المحيط الهندي فقط. 

وأضاف سلمون أن النقاط الجوهرية في الرؤية القانونية الإثيوبية ترتكز على أنها فقدت موانئها السابقة نتيجة ظروف سياسية محددة حدثت في 1993، نتيجة سقوط نظام الحكم، منوهاً بأن القانون الدولي يضمن لأي دولة حبيسة إمكانية الاستفادة من الموانئ، وفق اتفاقات معينة، تبرم بينها وبين الدول المجاورة.

وأكد المتخصص في الشأن الإثيوبي أن الحجج الإثيوبية بالأساس قائمة على المرور السلمي للبحر، وأن اعتراف أديس أبابا باستقلال إريتريا في 1993 تم في ظروف سياسية مغايرة، إذ تم الاعتراف بعد إبرام اتفاقات تضمن لإثيوبيا الاستفادة الميسرة والتفضيلية للموانئ، إلا أن تلك الظروف تغيرت تماماً بعد النزاع الحدودي الذي وقع في مايو (أيار) 1998، إذ جمدت كافة الاتفاقات الثنائية أو إلغائها. 

وحول لجوء إدارة آبي أحمد لأرض الصومال كخيار ثانٍ من دون إسقاط المطالب المشروعة تجاه ميناءي عصب ومصوع أو غيرها من المنافذ في البحر الأحمر، أكد سلمون أن المحادثات مع مقديشو قد تزيل العقبات أمام المشروع الطموح لوصول إثيوبيا لهدفها، فإذا ما تكلل باتفاق يضمن إمكانية استفادة أديس أبابا من الموانئ الصومالية بصورة ميسرة، والسماح لها ببناء قاعدة عسكرية، أسوة بقاعدة تركسوم التركية في مقديشو، فإن ذلك سيحقق هدفها الرئيس وفي الوقت ذاته يجنبها الدخول في أي مواجهات قانونية أو عسكرية مع الصومال. 

ذاكرة الحرب

من جانبه، يرى المتخصص في الشأن الصومالي عيدي محمد أن المفاوضات بين إثيوبيا والصومال قد تجنب المنطقة نذر صراع كاد يقع في منطقة موبوءة بالاضطرابات السياسية والأمنية. 

ويعتقد محمد أن مجرد العودة لمبدأ التفاوض يمثل انتصاراً للإرادة الصومالية واعترافاً ضمنياً من إثيوبيا لتبعية إقليم “صوماليلاند” لسيادة الحكومة الفيدرالية الصومالية في مقديشو. 

وأشار المتخصص في الشأن الصومالي إلى أن الحكومة الصومالية لا تمانع من إمكانية التوصل إلى اتفاق يضمن استفادة إثيوبيا من الموانئ الصومالية، بصورة تراعي وتعترف بالسيادة الصومالية على كل أراضيها وسواحلها، لأن ذلك سيعود بالفائدة على الطرفين، إلا أن مقديشو حسب اعتقاده لن تكون مستعدة لأي طرح يتعلق بإيجار أي مناطق ساحلية، أو بناء قواعد عسكرية إثيوبية على الشواطئ الصومالية، وذلك لأسباب سياسية وتاريخية، لا سيما في ظل المزاج السياسي الصومالي، الذي أعقب إبرام مذكرة التفاهم مع هرجيسا. 

ويؤكد محمد أن إثيوبيا ليست مثل تركيا، إذ أن الذاكرة التاريخية للصوماليين تحتفظ بسنوات الحرب حول إقليم أوغادين في عامي 1977 و1978، واستعانة إثيوبيا بقوات عسكرية أجنبية من الاتحاد السوفياتي وكوبا واليمن الجنوبي، مما خلف خسائر بشرية ومادية كبرى، على الصومال، مضيفاً أن “الذاكرة الجمعية الصومالية، تتوجس من الأطماع الإثيوبية تجاه الصومال”، بالتالي لن تغامر حكومة مقديشو بإبرام أي اتفاق لإنشاء قواعد عسكرية إثيوبية في الأراضي الصومالية.