Home سياسة قصة التوقيت الصيفي… جدل لم ينته منذ أكثر من قرن

قصة التوقيت الصيفي… جدل لم ينته منذ أكثر من قرن

14
0

تلجأ دول عديدة إلى تعديل التوقيت المعتمد على أراضيها بتأخيره أو تقديمه لتزيد ساعات النهار في الربيع والصيف وتتقلص في الخريف والشتاء.

عبر هذا التعديل الذي تعيد فيه ضبط الساعة الرسمية عندما تقرب عقارب الساعة 60 دقيقة في بداية الربيع، تهدف الدول إلى كسب مزيد من الوقت أثناء ساعات النهار، فيما يحصل العكس في موسم الشتاء، وتحديداً مع بداية موسم الخريف، عندما يعتمد التوقيت الشتوي. يعتمد هذا الإجراء في عديد من الدول، لكن قلائل يعرفون أصل هذا التوقيت والأسباب الحقيقية وراءه ومتى كانت بدايته.

حفظ الطاقة أول الأسباب

في عام 1784، طرح الأميركي بنجامين فرانكلين للمرة الأولى فكرة التوقيت الصيفي لاعتقاده أنه يمكن للإنسان أن يوفر الطاقة إذا استيقظ في ساعة مبكرة في الصيف واستفاد بمعدل أكبر من ساعات النهار، لكن لم تطبق فكرته هذه إلا مع بداية القرن الـ20. عندها عاد وطرحها البريطاني ويليام ويلت، لكن هذه المرة بذل جهوداً كبرى في سعيه إلى تطبيقها والترويج لها.

وفي عام 1909 وضع مشروع قانون لتطبيق التوقيت الصيفي، ناقشه البرلمان البريطاني ورفضه، لكن ويلت ظل يحشد الدعم لفكرته قبل أن يتوفى عام 1915.

وبعد عام على وفاته وافق البرلمان البريطاني على صيغة مشروع القانون، وكان السبب حينها أن ظروف الحرب العالمية الأولى أجبرت الدول المتحاربة على توفير وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة بسبب شح الفحم، ووجدوا أن التوقيت الصيفي سيسهم في توفير مصادر الطاقة بسبب إطالة ساعات النهار.

القيصر الألماني فيلهلم الثاني كان من أوائل القيادات الأوروبية التي نفذت هذه الفكرة للمرة الأولى في الـ30 من أبريل (نيسان) 1916، وتبعتها دول أوروبية عدة ومعها الولايات المتحدة الأميركية قبل قرن من الزمن.

بين التطبيق والإلغاء

وعلى رغم أن تغيير التوقيت في دول غربية وشرقية اعتمد منذ وقت بعيد، لكن تم إلغاؤه واعتمد مرات عدة. فبعد اعتماده عام 1916 في ألمانيا ألغي عام 1919 قبل أن يعاود النازيون العمل به مجدداً في عام 1940. وفي عام 1947 اعتمد التوقيت الصيفي بتقديم عقارب الساعة لساعتين بدلاً من ساعة واحدة، قبل أن يلغى التوقيت الصيفي من جديد في عام 1949.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأخيراً ومنذ عام 1996 بات التوقيت الصيفي معتمداً في دول الاتحاد الأوروبي كافة، إضافة إلى دول عديدة أخرى مثل الولايات المتحدة الأميركية، باستثناء ولايات أريزونا وهاواي وجزر فيرجن.

كذلك تعمل بالتوقيت الصيفي دول في أفريقيا وآسيا، مثل إيران والأردن ولبنان وكندا وأستراليا ومصر، ليصل عدد الدول التي تعتمده إلى نحو 70 دولة حول العالم تغير في كل عام توقيتها الرسمي بتقديمه أو تأخيره ساعة.

علماً أنه في مرحلة ما طبقت أكثر من 140 دولة في العالم التوقيت الصيفي.

توقيت يختلف بحسب الدول

تختلف الفترة الزمنية المعتمدة لكل من التوقيتين الصيفي والشتوي بين الدول. ففي بعض أجزاء الولايات المتحدة الأميركية وكندا يبدأ التوقيت الصيفي في الـ12 من مارس (آذار) ويمتد حتى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد أن كان يمتد من الأحد الأول من أبريل حتى الأحد الأخير في أكتوبر (تشرين الأول) قبل عام 2007.

وفي نصف الكرة الجنوبي حيث يبدأ موسم الربيع في نهاية سبتمبر (أيلول) وتحل ذروة الصيف في يناير (كانون الثاني) تختلف مواعيد التوقيت الصيفي أيضاً. على سبيل المثال، في أستراليا تمتد المدة الزمنية للتوقيت الصيفي من الأحد الأول من أكتوبر حتى الأحد الأول من أبريل باستثناء في أستراليا الغربية والمقاطعات الشمالية. أما في نيوزيلندا فتمتد من الأحد الأخير من سبتمبر حتى الأحد الأول من أبريل. وفي الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا ومعظم بلدان أوروبا الشرقية والقوقاز يمتد التوقيت الصيفي من الأحد الأخير في مارس حتى الأحد الأخير من أكتوبر.

ماذا عن الدول العربية؟

أما في الدول العربية فمنها من لا يتبع التوقيت الصيفي. حتى إن مواعيد تطبيقه ونهايته ليست ثابتة في كل الدول التي تتبعه، وقد تختلف بين عام وآخر. ففي فلسطين يطبق التوقيت الصيفي من آخر جمعة من مارس حتى الجمعة الأخيرة من أكتوبر. وفي المغرب يعتمد التوقيت الصيفي من أول أحد في مايو (أيار) إلى الـ27 من أكتوبر. في العراق ألغي تطبيق التوقيت الصيفي في عام 2008، وفي الأردن ألغي العمل بالتوقيت الصيفي تزامناً مع إلغائه في سوريا. كما ألغي في مصر في عام 2011 ثم أعيد تطبيقه مرات عدة كوسيلة للحد من استهلاك الطاقة بعد إلغائه بصورة متكررة إلى أن ألغي نهائياً في عام 2015. لكن في عام 2023 قررت الحكومة المصرية تطبيقه من جديد، ويمتد من الجمعة الأخيرة من أبريل حتى نهاية الخميس الأخير من أكتوبر. في تونس اعتمد التوقيت الصيفي بين عامي 2005 و2008 فقط. أما في لبنان فيعتمد التوقيت الصيفي من الأحد الأخير في مارس حتى الأحد الأخير في أكتوبر.

دوافع ومعارضة

تتعدد الأسباب التي دفعت دولاً معينة إلى العمل بالتوقيت الصيفي، لكن على رأسها الدوافع الاقتصادية لاعتبار أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تسهم في توفير الطاقة عبر استخدام ضوء النهار بمعدل أكبر والاستفادة منه لمدة ساعة إضافية. بهذه الطريقة يمكن الحد من استهلاك الطاقة في استخدام الكهرباء للإضاءة والتدفئة. ومن ثم ثمة جدوى اقتصادية ومادية من وراء ذلك. وكان هذا الدافع الأساس الذي دعا فرانكلين إلى التقدم بهذا الاقتراح للمرة الأولى.

في المقابل ثمة جدل مستمر حول الجدوى من هذا التعديل في الربيع، مما دفع دولاً عديدة إلى الاستغناء عن التوقيت الصيفي مثل البرازيل، بعد أن وقع رئيس البلاد جايير بولسانورا على مرسوم يلغي التوقيت الصيفي منذ عام 2019، وأيضاً إيران التي لم تعد تعتمد التوقيت الصيفي منذ الـ22 من سبتمبر 2022. وهذا ما يشجع دولاً أخرى على البحث في إلغائه.

تأثير التغيير في الساعة البيولوجية

بالنسبة إلى معارضي هذه الفكرة، قد يستغرق تكيف الجسم مع هذا التعديل أياماً عدة في كل مرة، ما يمكن أن ينعكس سلباً على الساعة البيولوجية للجسم والتوازن الهرموني للإنسان وللحيوان أيضاً. وهذا ما يمكن أن ينعكس أيضاً على جودة النوم عبر تعطيل دورة النوم الطبيعية مسبباً حالة من التعب وقلة التركيز، خصوصاً بالنسبة إلى من يعانون أصلاً اضطرابات في النوم. لذلك يجري البحث في إلغاء فكرة تغيير الوقت في دول الاتحاد الأوروبي، وحصل تصويت لدول الاتحاد لإنهاء العمل بالتوقيت الصيفي في عام 2019، من دون أن يتحدد موعد تطبيق هذه الخطوة ومن دون أن يتم الفصل بهذا الشأن.

وفي دراسة استقصائية أجرتها الأكاديمية الأميركية لصحة النوم تبين أن نسبة 63 في المئة من الأميركيين يفضلون وقف العمل بالتوقيت الصيفي، وأن نسبة 55 في المئة تعاني التعب بعد تعديل الساعة. كما أظهر باحثون أن لهذا التعديل أثراً بعيد المدى أيضاً في الصحة عبر زيادة أخطار الإصابة بأمراض القلب والسكري والسمنة، إضافة إلى ما لذلك من آثار في الصحة النفسية والقدرات الإدراكية. في المقابل تشير دراسات عديدة إلى أن أثر تعديل التوقيت الرسمي محدود ولا يستحق الذكر أو التركيز عليه بما يبرر الإلغاء التام.