Home سياسة كيف تنظر الأطراف المختلفة إلى الورقة العربية لإنهاء حرب غزة؟

كيف تنظر الأطراف المختلفة إلى الورقة العربية لإنهاء حرب غزة؟

21
0

في مبادرة هي الأولى من نوعها منذ بدء القتال العسكري العنيف في غزة، صاغت مجموعة الدول العربية الست، السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر وفلسطين (ممثل عن منظمة التحرير)، ورقة سياسية لإنهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع وتشكل أساساً ومساراً لإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

خلال جولته السادسة لمنطقة الشرق الأوسط، سلم وزراء خارجية الدول العربية الورقة السياسية إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء لقاء جمعهم في القاهرة وطلبوا منه دراستها وتقديم رد أميركي بصورة عاجلة.

أول تدخل عربي موحد

تعد هذه الورقة السياسية أول تدخل عربي موحد من أجل قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وهدفها بالأساس إنقاذ الفلسطينيين باختلاف أماكن وجودهم من الحرب والقتال، كما تشكل المبادرة خريطة طريق متكاملة تبدأ من وقف إطلاق النار وتنتهي بتأسيس دولة لها سيادة.

وعلى رغم تقديم مصر لوحدها ورقة لإنهاء الحرب على قطاع غزة، إلا أنها كانت موجهة للفصائل الفلسطينية وإسرائيل فقط، ولم يتم إشراك دول عربية فيها ولم تسلمّ إلى الإدارة الأميركية، أما الورقة السياسية العربية فجاءت نتيجة جهد عربي موحد مع إشراك المجتمع الدولي.

يقول أستاذ السياسات العامة في غزة تامر فايق “ما يميز هذه الورقة أنها جاءت من دول عربية عدة وقدمت إلى الإدارة الأميركية بطريقة موحدة، فلهذه الأقطار ثقل واضح في توجيه السياسات العالمية، مثلاً تضطلع السعودية بدور مهم في العالم على نطاق سياسي واقتصادي ولقطر علاقات دولية قوية ومصر تفهم الحال الفلسطينية بحيثياتها”.

ويضيف أن “تقديم الورقة إلى الولايات المتحدة مباشرة يعني أن الدول العربية تدرك التغيير الذي يحدث على أرض الشرق الأوسط وأن هذه الدول تقوم بدور مهم مع الرأس العالمي أي أميركا وتتعامل معها مباشرة، مما يجعل إدارة واشنطن تهتم بتلك المبادرة”.

وبحسب فايق فإن مشاركة أكبر دول عربية في صياغة الورقة السياسية تعني اهتمام هذه العواصم بالقضية الفلسطينية وأن تلك الأقطار تتألم لما يحدث لسكان غزة، وتسعى إلى حل الصراع، لكن حلاً جذرياً وليس تطبيباً موقتاً.

بنود أساسية

تضمنت الورقة السياسية العربية أربعة بنود أساسية، جميعها تدور حول نيل الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، ويبدأ البند الأول بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بصورة فورية وعاجلة بغرض حماية المدنيين، خصوصاً النازحين في محافظة رفح أقصى جنوب القطاع.

أما البند الثاني، فإنه يتضمن عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع على اعتبار أنها الممثل الشرعي للفلسطينيين وأنها جاءت كمخاض لمحادثات السلام مع الإسرائيليين، فضلاً عن أنها الجهة الوحيدة القادرة على تلبية تطلعات سكان غزة.

والبند الثالث يشير إلى إقامة مسار لإنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 1967، تبدأ بتطبيق كل البنود والأجزاء المعطلة من اتفاق أوسلو، ومنها الانسحاب الإسرائيلي من مناطق الإدارة الأمنية والمدنية للسلطة الفلسطينية التي تسمى “أ” و”ب” والتي تشكل 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية والتوقف عن اقتحام هذه المناطق وعودة الأمن الفلسطيني للمعابر التي تقع في غزة وإنشاء المطار والميناء في القطاع، وكذلك تطبيق المرحلة الثالثة من الانسحاب الإسرائيلي من مناطق “ج” التي تشكل 13 في المئة من مساحة الضفة الغربية والتوقف عن الاقتطاعات المالية والإجراءات العقابية ضد السلطة الفلسطينية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونصت الورقة السياسية في البند الرابع على إجراء مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية تقوم على إنشاء مسار موثوق لإنهاء الصراع بين الطرفين ينتهي بإقامة دولة فلسطينية على مراحل متعددة خلال فترة لا تزيد على ثلاثة أعوام.

حول هذه البنود، يقول أستاذ العلوم السياسية أحمد الشقاقي “جعلت الورقة السياسية العربية وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أولوية قصوى، مما يعني أن المجتمع العربي حريص على التدخل لحماية سكان القطاع، وإذا اعتمدت هذه الوثيقة وجرى تطبيقها فإنها تعد أفضل مخرج لإنهاء القتال”.

ويضيف أن “المبادرة هدفت إلى إنهاء شلال الدم في غزة، وتحاول إنقاذ المدنيين والنازحين في رفح من سلاح لا يرحم، أعتقد بأن الورقة السياسية تحمل جانباً إنسانياً مهماً يبدو في تعاطف المجتمع مع عذاب المشردين من القصف”.

ويوضح الشقاقي أن بند عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع يعني أن الدول العربية حريصة على طي الانقسام وأنها تحاول مساعدة الفلسطينيين في الحصول على الاعتراف الدولي بحقوقهم والاهتمام العالمي بحالهم، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة الإعمار.

وأشار إلى أن ورقة إنهاء الحرب تتحدث عن قطاع غزة والضفة الغربية كوحدة جغرافية واحدة، وهذا لم يتم ذكره في أي اتفاقات أو مسودات أو خطط لوقف الحرب في غزة، لافتاً إلى أن معظم إطارات العمل التي جرت صياغتها في شأن القطاع كانت تتعامل مع غزة لوحدها وتترك قضايا الضفة الغربية.

أساسها مبادرة السلام السعودية

أما عن بند استئناف محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فإن الشقاقي يعتبر ذلك أعظم ما في الوثيقة لأنه يؤسس لإنهاء الصراع بين الطرفين ويقوم على مبدأ حفظ الحقوق وفق قرارات الشرعية الدولية.

في الواقع، تقوم الورقة السياسية العربية على أساس المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية وهدفها إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً.

يذكر أن المبادرة العربية للسلام أعلن عنها عام 2002 خلال القمة العربية التي عقدت حينها في بيروت، ووجدت قبولاً دولياً وحظيت باهتمام عربي وحتى فلسطيني، وكانت أفضل حل لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وتهدف المبادرة العربية إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، وتتضمن إيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين عن طريق عودتهم لقطاع غزة والضفة الغربية، وكذلك انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.

ويقابل هذه الشروط اعتراف بإسرائيل من جانب الدول العربية وتوقيع اتفاقات سلام معها واعتبار أن الخلاف انتهى، والذهاب إلى تحقيق مصالح اقتصادية تلقي بنتائجها على الشرق الأوسط، خصوصاً بالنسبة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين.

في هذا السياق يقول الباحث في العلاقات الدولية ثابت العمور “لقد وجدت مبادرة السلام السعودية اهتماماً عربياً كبيراً منذ طرحها وحتى اليوم، وقبل الحرب بأيام معدودة طلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من الجمعية العامة للأمم المتحدة تنفيذ المبادرة العربية للسلام”.

ويضيف أنه “يمكن اختصار مبادرة السلام السعودية بعبارة إيجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، على أساس مواصلة المحادثات مع إسرائيل لتنتهي بإقامة دولة فلسطينية لها سيادتها”.

وبحسب العمور، فإن السعودية تتمتع في الوقت الحالي بموثوقية غير مسبوقة على الصعيدين الدولي والعربي، مما يكسب مبادرة السلام أساساً معقولاً للنجاح وحل الصراع، خصوصاً في ما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية.

ثقل سياسي

ويرى الباحث في الشؤون السياسية منصور أبو كريم أن الورقة العربية المشتركة “رسالة واضحة بأن الدول العربية موحدة في رأيها وكلمتها، إذ رأينا وزراء خارجية الدول الست يقدمون الورقة السياسية”.

ويعرب عن اعتقاده بأن “الإدارة الأميركية ستوافق على الورقة السياسية وستعمل مع السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر على تنفيذها، ولا يمكن للطرف الإسرائيلي رفض هذه الوثيقة لأنه يدرك أن الدول العربية قالت رأيها، فضلاً عن النتائج الكارثية المتوقعة على تل أبيب نفسها إذا تعنتت قيادتها”.

وجاءت الورقة السياسية العربية بعد جهود كبيرة بذلتها الدول المشاركة في صياغتها، إذ أجرى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان محادثات معمقة مع نظيره الأميركي على مدى الأشهر الخمسة الماضية في شأن إيقاف الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

وبذلت قطر من جهتها جهوداً مضنية وجبارة للتوصل إلى اتفاق هدنة إنسانية تؤسس في الأقل لوقف الحرب، فيما رسمت مصر خريطة طريق لمستقبل غزة لكن الفصائل الفلسطينية وإسرائيل عارضتا ذلك.

أما فلسطينياً، فاستعدت السلطة لهذه الوثيقة، إذ عملت على تشكيل حكومة تكنوقراط مهمتها إدارة قطاع غزة وتولي إعادة الإعمار.

وبعد هذه الخطوات قدمت الدول العربية عبر الولايات المتحدة إلى إسرائيل الخطة المشتركة المتكاملة لإنهاء الحرب في القطاع، علماً أن هذه الورقة تسير في إطار منفصل عن المفاوضات بين حركة “حماس” وإسرائيل التي من شأنها الوصول إلى اتفاق هدنة وصفقة تبادل أسرى.

وقف اجتياح رفح

وتشكل هذه الورقة السياسية العربية أساساً منطقياً لوقف إسرائيل خطتها لاجتياح محافظة رفح أقصى جنوب القطاع، إذ ترسم الوثيقة مستقبل القطاع فور وقف الحرب، وتضمن أيضاً وصول قوات شرطية من الأمن الفلسطيني لإدارة غزة.

وبحسب الوثيقة فإن الدول العربية تعمل على الإسهام في تدريب قوات الأمن الفلسطينية للمساعدة في إحياء السلطة الفلسطينية وإصلاحها حتى تتمكن من حكم غزة في نهاية المطاف.

 

 

وحول ذلك يقول الباحث في الشؤون العسكرية اللواء ناجي البطة إن “رسم مستقبل غزة وجعله بيد السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية القوية المدربة وضمان ألا يشكل القطاع مصدر تهديد عن طريق إقامة دولة فلسطينية، تجعل حجج إسرائيل التي تضعها لاجتياح رفح واهية”.

ويضيف أنه “فور تسلّم إسرائيل وثيقة المبادرة العربية لإنهاء الحرب في غزة فإنها تصبح ملزمة وقف الحرب لأن الضمانات والبنود الموجودة فيها تجبر القيادة الإسرائيلية على إعادة التفكير في أي خطوة عسكرية في غزة”.

موقف الطرفين

من وجهة نظر الفلسطينيين، يقول أمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح” جبريل الرجوب إن “الورقة السياسية العربية تشكل طريقاً مهماً للقضية الفلسطينية وإن هذه الوثيقة تؤسس لحال جديدة في الشرق الأوسط كله وليس على نطاق الفلسطينيين وحدهم”.

ويضيف أن “إنهاء الحرب على غزة وعودة أمن السلطة الفلسطينية للقطاع، ثم إعادة الإعمار وإقامة ميناء ومطار، وبعد ذلك انسحاب إسرائيل من مناطق واسعة في الضفة الغربية، ثم بدء محادثات على أساس المبادرة العربية للسلام التي تشرف عليها السعودية، يعني أنها خريطة طريق واضحة متكاملة”.

ويشير إلى أن مشاركة خمس دول عربية في صياغة المبادرة تعني تكاتفاً واسعاً مع قضيتنا، وسعي هذه الدول إلى إيجاد حل دائم للصراع، مطالباً إسرائيل بأن تجنح للسلام ووقف الحرب وقبول دولة فلسطينية.

ومن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول أوفير جندلمان إنهم يعملون على دراسة الورقة وتقديم رد عليها، لكنه لا يفصح عن أي معلومات حول موقف الحكومة الرسمي من الوثيقة العربية لإنهاء الحرب، ويؤكد أنهم يسعون إلى تحقيق أهداف الحرب وضمان عدم عودة “حماس” لسدة الحكم في القطاع.