Home سياسة المؤثرون والطابور الخامس.. والمنسف الفلسطيني!

المؤثرون والطابور الخامس.. والمنسف الفلسطيني!

9
0

المؤثرون والطابور الخامس.. والمنسف الفلسطيني!

2024 Mar,30

 

 

كمتصفح على الشبكات ؛ ومهتمة بمتابعة الأخبار المحلية والعربية والعالمية ، والقليل من الفن والصحة ، والكثير من السياسة ، هكذا تكون جولتي على الشبكات ، ولكن منذ أقل من خمس سنوات ، ألاحظ شيئاً ولا أعلم إن كان هناك من يشاركني هذه الملاحظة المؤسفة ، وهي أن المؤثرين المقيمين في الأردن على اختلاف أصولهم وجنسياتهم ، يختلفون في تفاعلهم داخل الأردن وخارجه ، وفي انتمائهم داخل الأردن وخارجه كذلك الأمر ، بل ويختلفون عن جميع المؤثرين العرب المقيمين في دول أخرى .
ولتبسيط الفكرة ، في الكثير من المناسبات الوطنية ، والهامة في تاريخ الأردن والأردنيين وحتى المناسبات الرياضية ، يختفي عدد قد يبلغ 90% من المؤثرين في الأردن ، يختفون كلياً عن مشاركة أي انجاز أو مناسبة أو ذكرى هامة في تقويم الذاكرة الوطنية الأردنية ، ولكني أجدهم جميعاً لا بعضهم أو حتى نصفهم ، تحمر وجوههم حباً ودعماً على اختلاف ملامحهم ( رجالاً أو نساءً ) ، في كل مرة يسافرون فيها إلى خارج الأردن ، أو حتى في زيارة لدولة عربية شقيقة ، أجدهم قد أوشكوا على الانفجار من الحماس والاندفاع والتشدق بالانتماء والولاء والفخر لحكام تلك الدولة ، وتجدهم في كل مرة يجددون نفس الكلمات وذات ردود الأفعال بشكل لافت للانتباه ، ولا نجد ربع هذا الانتماء لدولة منحتهم الكثير ، وسهلت لهم الكثير الكثير ، فهل هم مجندون ضد الأردن ؟
في الواقع منذ بداية الحرب ، لم يذكر هؤلاء أي عبارات شكر للدولة الأردنية بكافة تدرجات دوائر القرار فيها ، على كم الضغط الهائل الذي تمارسه الأردن على المجتمع الدولي ، وعلى جهود جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله ، وبل وعلى تمكن الدولة من فك حصار الجوع وبدء سلسلة طويلة من الانزالات الجوية للمساعدات على إخوتنا المنكوبين ، بل ومع الأسف في اليوم الأول من رمضان قامت إحدى المؤثرات باستضافة مؤثرة من بلاد المغرب العربي ، وكان موضوع حلقتها عن كيفية طبخ المنسف ، وفي الوقت الذي تشتعل فيه الجبهة الداخلية ، والأجهزة الأمنية تقوم بجهودها الجبارة لاحتواء كل تلك الصدامات والفتن ، ذكرت المؤثرة أن طبق المنسف فلسطيني ولم تصحح لها المؤثرة الأردنية ، فهو طبق أردني عمره آلاف السنين وغني عن التعريف ومع ذلك بثت الحلقة على منصة يوتيوب عبر قناتها الخاصة ، وبعد موجة من التعليقات الغاضبة على الفيديو ، قامت المؤثرة التي أخطأت بهذه المعلومة صاحبة القناة بحذف المقطع ثم إعادة المونتاج وحذف الجملة ، ولولا التعليقات لسجلت هذه السقطة كمحاولات واضحة لتمرير مؤامرة من قبل المؤثرة الأردنية والتي شاركت في رمضان الماضي ببرنامج متحف الدبابات الملكي ، فهل هذه محض صدفة ؟! ..

ad

في السياسة لا نؤمن بالصدف ، قد يستنكر البعض ، كيف أن تاريخ الوطن محكوم ومختزل بطبق من اللحم واللبن ؟! ، في الواقع عمر هذه الأرض آلاف السنين بآثارها ، بممالكها العربية وعشائرها الضاربة في أرضها منذ القدم، ولكن المتتبع الحقيقي للتاريخ يعلم جيداً فن التلاعب بالثوابت ، ومن هذه الثغرات – التي يراها البعض بسيطة – يتم صناعة الوعي الجديد في عقول النشء والأجيال القادمة ، والذي حاولوا تمريره في رمضان الماضي في حادثة متحف الدبابات الملكي وكنا لهم بالمرصاد.
ولأن القائمة تطول فهذه الفئة هي جزء من مجتمع أكبر يسيطر على وعي الملايين داخل وخارج الوطن ، من مراهقين وبالغين ومثقفين وكافة الأطياف تقريياً في الأردن والعالم العربي ، فإن عدم ابرازهم لانتمائهم المباشر والمعلن ( حرفاً وصوتاً وصورةً ) للدولة الأردنية ، يخلق حالة من التعجب ، وإثارة الشكوك من حولهم ، بل واعتبارهم من لصوص الليل ، الذين ينتظرون الضوء الأخضر ضمن مؤامرة كبرى على الأردن ، ليحركوا متابعيهم وفق خطة خارجية تمت أدلجتهم على أبعادها ومقتضياتها ..
في الحقيقة ، يوجد دولة عربية شقيقة ، لها باع طويل في عالم السياسة والإعلام والفن وخلافه ، ولها أسلوبها المتماسك جداً في منع وابعاد كل من لا يكن لها الاحترام حتى ولو بتصريح عفوي ، وللعاملين فيها في مجالات السياسة والفن يعلمون جيداً ما أكتب حول قيام تلك الدولة بإجبارهم على مدح قيادتها والثناء على أمنها وأمانها والحب المطلق لشعبها الجميل.
وإن كانت للأمانة دولة تستحق بصدق كل ذلك الولاء ، ولكن يعجبني أيضاً فهم تلك الدولة لحيثيات ورؤى مستقبلية تراها خطراً محتملاً ، فقد منعت منذ بدايات ظهور السينما والمسرح الكثير من شخصيات الفن والسياسة ، بل ومنهم المهمين جداً على المستوى العربي الذين كانوا يجوبون العالم ، وكان ذلك تحت بند واضح وصريح وخال ٍ من أي مواربة ( غير مرغوب به / بها داخل حدود الدولة .. لأسباب متعلقة بالأمن القومي) ، وهناك من منع فعلياً ولعقود من الزمن من دخول أراضيها قبل كل هذا الانفتاح الرقمي.
وبعد الثورة الرقمية الهائلة وخاصة في الفترة الأخيرة ( بعد الربيع العربي ) ، جددت تلك الدولة بمؤسساتها المختلفة نهجها القديم بشكل يواكب هذا التطور ، في التعامل بحزم مع كل رموز المجتمع العربي والأجنبي وليس فقط المحلي على أراضيها في فرض سيطرتها على تحركاتهم واثبات ولائهم حتى وإن كانوا يملكون مجرد قناة على اليوتيوب أو صفحة على على الانستجرام ، بحيث تمنع وتكف يد كل من يحاول تجنيد مثل هؤلاء ضدها ، فهي تستبق المؤامرة حيث لا يمكنهم أن يخرجوا في يوم من الأيام للحديث عنها بسوء ، أو الإساءة لأجهزتها الأمنية ، أو حتى نسيان مناسباتها ، بل هم مأمورين بالحديث بشكل مستمر عن انجازاتها وقيادتها وتاريخها وهويتها ودعمهم لها على اختلاف جنسياتهم في كل زيارة ومع كل لقاء تلفزيوني أو إذاعي أو صحفي وعلى العكس يبلغ الانتماء أقصاه حتى وصل ترويجهم للسياحة فيها على اختلاف اهتماماتهم ونطاقات عملهم كمؤثرين وفنانين ومذيعين وغيرهم ، فكيف لهم إذا ما حدثت أي مؤامرة ضد تلك الدولة أن يتماهوا مع المؤامرة في لحظة سيصبحون في عيون جمهورهم فاقدي المصداقية حيث يتعارض ذلك مع أرشيفهم الانتمائي الكبير وتصريحاتهم المنشورة بالصوت والصورة منذ سنوات على صفحاتهم وقنواتهم لتلك الدولة !!..
من هنا يكمن الحل ، في وضع الخطة الاستباقية التي ستحمي الجبهة الداخلية من أي خطر ، وتنزع جذور هذا الاحتقان ، وعليه فإنه على جميع المؤثرين المقيمين في الأردن باختلاف أصولهم وجنسياتهم ( أردنيين وعرب وأجانب ) ، الذين يتصدرون المشهد من كل المجالات أن يحتكموا إلى برنامج واضح ومؤطر بحسن النية والانتماء إلى الدولة الأردنية ، يبدأ من شكر قيادتها وأجهزتها وتاريخها واحترام شعبها وينتهي بتقدير أصغر مواطن فيها ، مع احتفاظ كل واحد منهم بنسخة من كل تواريخ الدولة المهمة لنجدهم حاضرين في كل مناسبة ، وهذا ليس مطلب اختياري بل ركيزة لا بد من اضافتها بشكل حازم ضمن خطة الحفاظ على أمننا الوطني ليتم حرق جميع أوراق تجنيدهم ( المنعقدة والمنوية ) ضد الوطن ..
ولأنه حدود هذا الوطن قد رسمت بدماء أجدادنا ، فمن واجبنا الدفاع عنه حيث لا بد لها أن تنتهي كل بذور الفتنة والخلايا النائمة وينتهي معها كل هذا التكلس ، وكل من لا يظهر الانتماء للأردن فهو إما عبء على الوطن ، أو مأجور من الطابور الخامس ينتظر فرصة اظهار وجهه الحقيقي وتنفيذ أجنداته ، فالإبعاد والتحقيق والترحيل ومنع الدخول وسحب الجنسية هي حلول جديدة قريياً سنجدها في التعامل مع مثل هؤلاء الذين يدسون السم لتأجيج الشارع الأردني.
كاتبة وباحثة سياسية أردنية