Home سياسة معبر رأس جدير يعيد الصراعات المسلحة للمشهد الليبي

معبر رأس جدير يعيد الصراعات المسلحة للمشهد الليبي

22
0

أغلقت السلطات التونسية معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا أمس الإثنين “لأسباب أمنية”، كما اتخذت السلطات الليبية القرار نفسه، إثر هجوم مجموعة مسلحة ليبية على المعبر من الجانب الليبي.

وأظهرت مقاطع فيديو مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من اشتباكات مسلحة استخدمت فيها أنواع مختلفة من الأسلحة، وسمعت أصوات تبادل إطلاق النار على نطاق واسع، مما خلف إصابات في صفوف عدد من المسافرين.

وشهد المعبر خلال الفترة الأخيرة إشكالات عدة من الجانب الليبي، ومن ذلك تعرض عدد من التجار التونسيين إلى المضايقات والتنكيل من قبل تشكيلات مسلحة ليبية تفرض دفع إتاوات غير قانونية على التجار.

وعاد معبر رأس جدير باعتباره شرياناً حيوياً للمنطقة الحدودية بين تونس وليبيا لواجهة الأحداث خلال الآونة الأخيرة، إثر خلاف بين حكومة عبدالحميد الدبيبة والمجلس العسكري بزوارة، وهي أقرب مدينة إلى المعبر، حول الجهة التي يحق لها السيطرة عليه.

وبحسب وسائل إعلام ليبية فإن الاشتباكات المسلحة تأتي بعد يوم من قرار وزارة الداخلية في حكومة الدبيبة إرسال قوات تابعة لها إلى المعبر، لمنع تهريب الوقود والمحافظة على الأمن وتسيير حركة المسافرين بين ليبيا وتونس، وهو ما اعتبرته الغرفة العسكرية بزوارة تجاوزاً لها ومحاولة لطردها من المعبر.

وفي محاولة لبسط نفوذ الدولة توجهت قوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية للسيطرة على المعبر وللحفاظ على الأمن، وإدارة حركة المسافرين على جانبي الحدود، إلا أنها اشتبكت مع قوة عسكرية من مدينة زوارة في الجانب الليبي.

وإثر الاشتباكات قررت السلطات في البلدين غلق المعبر حفاظاً على سلامة المسافرين، وسمح للمواطنين العالقين في المعبر من الجانب الليبي الدخول إلى تونس لحين استقرار الوضع الأمني، فيما ينذر الوضع  في المنطقة الغربية في ليبيا بعودة الاشتباكات بين مختلف التشكيلات المسلحة والعودة إلى مربع العنف والفوضى.

خلل أمني وسوء تنسيق

وتعد بلدية زوارة شريكاً أساساً في إدارة المعبر بحكم قربها الجغرافي، وأكد رئيس مجلس حكماء وأعيان بلدية زوارة غالي إسماعيل الطويني في تصريح إلى “اندبندنت عربية” أن “الوضع الآن مستقر في معبر رأس جدير، بعد الاشتباكات التي حصلت نتيجة عدم التنسيق بين الجهات الأمنية في الدولة الليبية”، مشدداً على “أهمية التواصل مع الجانب التونسي من أجل تجاوز الإشكالات حتى يعود المعبر لسالف نشاطه”.

وشدد الطويني على أهمية “فتح المعبر بالنسبة إلى التونسيين والليبيين، علاوة على توفير كل شروط السلامة والأمن للمسافرين في ظل احترام القانون”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى المسؤول المحلي الليبي أن “ما حدث خرق أمني نتج منه إصابة مواطنين اثنين من مدينة زوارة”، واعداً بمعالجة مختلف الإشكالات “حتى لا تتجدد الاشتباكات ويعاد فتح المعبر الذي يعد منفذاً سيادياً يجب أن يكون تحت سلطة الدولة الليبية”، ومشيراً إلى “أهمية التنسيق بين مختلف التشكيلات الأمنية المسلحة في المنطقة بالاشتراك مع بلدية زوارة باعتبارها المدينة الأقرب إلى المعبر”.

وبخصوص المضايقات التي يتعرض إليها المسافرون التونسيون، أكد رئيس مجلس حكماء وأعيان بلدية زوارة أن “المسافرين الليبيين بدورهم تذمروا من سوء المعاملة في تونس”، داعياً إلى تجاوز هذه الإشكالات من خلال الاحتكام إلى القانون من الجهتين في تونس وليبيا، وتكريس مبدأ الاحترام المتبادل وتوفير أسباب الراحة للمسافرين من الدولتين.

شأن داخلي ليبي – ليبي

في المقابل أكد رئيس لجنة التفاوض التونسية – الليبية، رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير أن “المواجهات في معبر رأس جدير من جهة الحدود الليبية شأن داخلي ليبي – ليبي”، لافتاً إلى أن “المعبر من الجانب الليبي حالياً تحت سيطرة قوات الدعم المركزي”.

وأضاف عبدالكبير أن “الجانب التونسي لم يقرر أية إجراءات جديدة عدا حال الطوارئ واليقظة ومتابعة الأوضاع، مع التزام الحيطة والحذر والتعامل مع الوضع بحسب التطورات”.

وقال رئيس لجنة التفاوض التونسية الليبية إن “الاشتباكات بين التشكيلات الأمنية الليبية دامت أكثر من ثلاث ساعات ونتجت منها إصابات وغلق المعبر وخروج قوات إنفاذ القانون التابعة لوزارة الداخلية الليبية إلى خارج المعبر، إلى حين التوصل إلى اتفاق في الجانب الليبي حول الجهة التي ستسيطر عليه مستقبلاً”.

شريان حيوي اقتصادي واجتماعي

ويوجد معبران حدوديان بين تونس وليبيا، وهما معبر “ذهيبة وازن” في محافظة تطاوين (جنوب)، ومعبر “رأس جدير” الذي يقع في مدينة بنقردان في محافظة مدنين ويبعد نحو 30 كيلومتراً عن مركز المدينة وقرابة 180 كيلومتراً عن العاصمة الليبية طرابلس، بينما يبعد عن مدينة زوارة نحو 40 كيلومتراً.

ويعتبر المعبر مجالاً حيوياً اقتصادياً بالنسبة إلى متساكني المنطقة، وتعود بداية استغلاله لعام 1970، ويؤكد الأكاديمي والمتخصص في التنمية والتصرف في الموارد حسن الرحيلي في تصريح خاص أن “المعبر شريان حياة بين دولتي ليبيا وتونس، وهو يستأثر بـ 80 في المئة من حجم التبادلات التجارية بين الدولتين، ويوفر السلع والبضائع لمتساكني طرابلس وزوارة وسكان الغرب الليبي الذين يمثلون نحو 70 في المئة من عدد سكان ليبيا، وهو ثقل سكاني مهم بالنسبة إلى التعاملات التجارية عبره”.

والمعبر كذلك شريان مهم اقتصادياً واجتماعياً ويشغل نحو 50 في المئة من متساكني منطقة بن قردان عبر أنشطة تجارية بينية.

ويرى الرحيلي أن “معبر الذهيبة ليست له الأهمية نفسها كرأس جدير الذي تمر عبره 80 في المئة من حجم تنقل الأشخاص بين البلدين، كما يمثل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الليبيين باعتباره منفذاً للتداوي وللسياحة في تونس، ومنفذاً لليبيين الراغبين في السفر إلى الخارج عبر المطارات التونسية”.

وشهد حجم التبادلات التجارية بين تونس وليبيا نسقاً تصاعدياً، إذ بلغ عام 2022 نحو 3.27 مليار دينار (مليار دولار)، في مقابل 2.07 مليار دينار (670 مليون دولار) عام 2021 ، أي بزيادة تقدر بنحو 50 في المئة.

وكانت تونس وليبيا أعلنتا رسمياً إحداث ممر تجاري نحو بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، واتفقتا على تأهيل معبر رأس جدير الحدودي الرابط بين البلدين، وفقاً للمعايير الدولية، حتى يصبح بوابة تجارية لأفريقيا ووسيلة لتحقيق الاندماج والتكامل الاقتصاديين، بخاصة مع دول جنوب الصحراء، إضافة إلى إرساء شراكة فعالة مع الدول الأفريقية.