Home سياسة هل يؤدي الصاروخ الهندي “أغني-5” إلى سباق تسلح إقليمي؟

هل يؤدي الصاروخ الهندي “أغني-5” إلى سباق تسلح إقليمي؟

16
0

أعلنت الهند أنها أجرت بنجاح أول إطلاق تجريبي لصاروخ باليستي محلي الصنع بعيد المدى قادر على إيصال رؤوس حربية متعددة إلى أهداف مختلفة، في تطور مهم لبرنامج التسلح في البلاد.

واستخدم رئيس الوزراء ناريندرا مودي “إكس”، “تويتر” سابقاً – لتهنئة العلماء الذين يقفون وراء الصاروخ “أغني-5” Agni-5، المشتق اسمه من كلمة في اللغة السنسكريتية تعني “النار” والمجهز بتكنولوجيا “مركبات إعادة الدخول المتعددة القابلة للتوجيه المستقل” (ميرف) [Multiple Independently Targetable Re-entry Vehicles (Mirv)].

وبذلك تنضم الهند إلى نادٍ صغير نسبياً من البلدان، يضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة، المعروفة بامتلاكها صواريخ مجهزة بتكنولوجيا “ميرف”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال محلل لـ”اندبندنت” إن مدى الصاروخ الذي يزيد على خمسة آلاف كيلومتر ودوره العام كسلاح من أسلحة “الضربة الأولى” دفع الخبراء إلى التعبير عن مخاوفهم من أن الاختبار “سيؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة وإلى زيادة عدم الاستقرار بمرور الوقت”.

وخضع صاروخ “أغني-5″، الذي طوره جناح البحوث في الجيش الهندي، إلى اختبار طيرانه الأول في أبريل (نيسان) 2012، ومنذ ذلك الحين اختبر مرات عدة، مع تحسينات تكنولوجية إضافية كل مرة.

ويذكر أن هذا الصاروخ ليس صاروخاً باليستياً عابراً للقارات يبلغ مداه أكثر من خمسة آلاف و500 كيلومتر. ومع ذلك، لا يزال مداه البالغ خمسة آلاف كيلومتر يغطي باكستان والصين بأكملهما وجزءاً كبيراً من الجوار الآسيوي الأوسع. ولم يعلن عن تفاصيل حول مداه الدقيق وعدد الرؤوس الحربية التي يمكن أن يحملها.

وطورت تكنولوجيا “ميرف” للمرة الأولى في سبعينيات القرن الـ20 من قبل الولايات المتحدة، وهي توفر مزايا استراتيجية بسبب قدرتها على التغلب على الدفاعات بالصواريخ الباليستية من طريق إرباك أنظمة الدفاع الخاصة بالخصم.

ويقول سوراب تودي، محلل البحوث في معهد تاكشاشيلا، لـ”اندبندنت”: “هذا الاختبار الصاروخي فريد من نوعه. وحتى الآن، كانت الاختبارات الثمانية كلها التي أجريت على صواريخ ’أغني‘ تتضمن رأساً حربياً واحداً، مما يعني أن صاروخاً واحداً كان يحمل رأساً حربياً واحداً. كان الصاروخ الأخير فريداً من نوعه بمعنى أنه يحوي تكنولوجيا ’ميرف‘”.

ويوضح أن هذه القدرة مهمة، إذ يطلق صاروخ باليستي مجهز بتكنولوجيا “ميرف” من موقع معين، هو عادة منصة باطنية أرضية أو غواصة أو طائرة. وعندما يخرج الصاروخ من الغلاف الجوي للأرض ويصل إلى الارتفاع المحدد، يطلق حمولته من الرؤوس الحربية. وينفصل كل رأس حربي عن جسم الصاروخ، مستخدماً عادة صواريخ صغيرة أو آلية إطلاق، وممتلكاً نظام دفع وتوجيه خاص به، ما يسمح له بالمناورة في صورة مستقلة، وصولاً إلى هدفه المحدد. وهذا يمكن صاروخاً واحداً من ضرب أهداف متعددة في وقت واحد أو في إطار زمني قصير.

وشكك محللون دفاعيون في حاجة الهند إلى “ميرف” وتوقيت الاختبار، الذي أعلن عنه قبل أيام فقط من الموعد المتوقع لتحديد لجنة الانتخابات الهندية بدء فترة الحملات الانتخابية قبل الانتخابات العامة في البلاد، التي يسعى فيها حزب “بهارتيا جاناتا” بزعامة مودي إلى ولاية ثالثة على التوالي.

كما شكك الخبراء في دور تكنولوجيا “ميرف”، التي تعد مفيدة للغاية في توجيه الضربات الأولى، في حين أن الهند مثل الصين تعتمد سياسة “عدم توجيه الضربة الأولى” بالأسلحة النووية. وتستند عقيدة الهند النووية إلى الحد الأدنى من الردع الموثوق به الذي يؤكد أن البلاد لا تمتلك سوى القدرة على توجيه الضربة الثانية، وتلبية الحاجات الأساسية للدفاع والأمن.

ويصف ديريك غروسمان، وهو محلل دفاعي بارز يركز على سياسة الأمن القومي ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، الاختبار بأنه “إنجاز علمي وتكنولوجي عظيم”، لكنه يخشى أن يؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة ويؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار بمرور الوقت، بدلاً من التصدي بفاعلية للتهديدات الدولية المحتملة.

ويقول لـ”اندبندنت”، “لست مقتنعاً في حاجة الهند إلى الاستثمار في هذه التكنولوجيا بناءً على مشهد التهديدات فقط. عند النظر إلى المشهد الدولي، تواصل الصين تطوير برنامجها النووي، وهي في المراحل الأولى من امتلاك نظام دفاع صاروخي باليستي، وروسيا دولة صديقة، كما تتمتع الهند بالفعل بأفضلية في السلاح التقليدي على باكستان”. ويضيف “لكن هناك مسألة تتعلق بالهيبة في هذا الشأن وتريد الهند أن تكون جزءاً من النادي النووي، ليس فقط لجهة امتلاك أسلحة نووية، بل امتلاك تكنولوجيات مرتبطة بالأسلحة النووية”. ويشير إلى أنه من غير الممكن تجاهل توقيت الإعلان الهندي، مشيراً إلى أنه قد يكون صادراً عن قرار سياسي لاسترضاء الجمهور المحلي وتحريك الشعور بالوطنية قبل الانتخابات. ويقول إن الصاروخ الأخير يحاول تحقيق تكافؤ الفرص مع الصين إلى حد ما.

ويذكر أن الصين تمتلك بالفعل صواريخ مثل “دونغ فنغ-41” التي يراوح مداها بين 12 ألفاً و15 ألف كيلومتر، وهي قادرة على ضرب أي مدينة هندية. وزادت الصين موازنتها العسكرية في صورة كبير بنسبة 7.2 في المئة هذا العام، مسجلة أكبر قفزة في خمس سنوات. وهي تزيد إنفاقها العسكري لعام 2024 إلى 1.67 تريليون يوان (181.7 مليار جنيه استرليني/ 231.3 مليار دولار).

لكن هل يمنح “أغني-5” الهند أفضلية على الصين؟

يقول غروسمان “لا”. ويضيف: “ربما في الأجل القريب يمكن أن يكون من المفيد إظهار وجود هذا النوع من القدرة التي يمكن إثباتها، القدرة على أنهم [الهنود] يستطيعون ضرب أهداف متعددة بأسلحة نووية. ويكمل “لكن في النهاية، ستحقق الصين تحسينات على دفاعاتها الخاصة، وهي توسع بالفعل قدراتها الهجومية. وبهذه الطريقة، لن يعزز ما يجري الاستقرار في المنطقة”.

وتفاقمت على مر السنين التوترات بين الهند والصين اللتين خاضتا حرباً عام 1962 بسبب نزاعات إقليمية بعيدة المدى، ووصلت إلى أدنى نقطة في العلاقات منذ عقود عام 2020، إذ أدت مناوشات وحشية بين الجنود في منطقة الهيمالايا المتنازع عليها إلى مقتل أشخاص من الجانبين.

ومنذ ذلك الحين، يحشد البلدان آلاف الجنود على حدودهما الفعلية وأعادا نشر المدفعية ومنصات الهاوتزر في المنطقة.

ويقول كريستوفر كلاري، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة ألباني، لـ”اندبندنت” إن “أغني-5″، مع “ميرف” أو من دونها، يضع الصين في دائرة الاستهداف الهندية. ويضيف، “التحدي الذي تواجهه الهند هو أن المدن الصينية الكبرى، بما في ذلك بكين، بعيدة من الهند. تقع بكين على بعد نحو ألفين و400 كيلومتر من ولاية أروناتشال براديش في أقصى شرق الهند وعلى بعد أربعة آلاف كيلومتر من وسط الهند. ويتابع “يتوفر لدى الهند عدد قليل نسبياً من الصواريخ ذات المدى اللازم لتعريض مدن صينية تقع على الساحل الشرقي إلى خطر. إن الصواريخ البعيدة المدى غالية الثمن. هي أغلى من الرؤوس الحربية النووية في تجربة عديد من الدول الحائزة للأسلحة النووية”. ويوضح “لذلك، فالصاروخ الذي يسمح بإيصال أكثر من رأس حربي واحد يمكن أن يضمن القدرة على الضرب بعيداً بكلفة أقل من بناء صواريخ متعددة لكل منها رأس حربي واحد في طرفها الأعلى”.

وقال الخبراء إن الهند ستستهلك بعض الوقت قبل أن تتمكن من إدخال هذه التكنولوجيا الصاروخية الجديدة في ترسانتها النووية الاستراتيجية. ووفق كلاري: “لم تكشف الحكومة بعد عن عدد الرؤوس الحربية التي كانت على متن الصاروخ ’أغني-5‘ خلال الاختبار، ما سيعطي بعض المؤشرات إلى مدى قدرة الهند على تصغير رؤوسها الحربية النووية”.