Home سياسة حلمي بكر… سيرة فنية حافلة وجدل صاحبه حتى مثواه الأخير

حلمي بكر… سيرة فنية حافلة وجدل صاحبه حتى مثواه الأخير

10
0

تبدو صفحة المعارك والاشتباكات بحياة الموسيقار المصري الراحل حلمي بكر ممتلئة عن آخرها، وعلى رغم أن مجموع أعماله الموسيقية وصل إلى ما يقرب من 2000 لحن، زينت حناجر كبار مشاهير الطرب العربي، بينهم وردة ونجاة وعبدالحليم حافظ، ولكن تبدو حكاياته مع نجوم الفن في الكواليس هي الأكثر تداولاً.

وصاحبته الأزمات حتى لحظاته الأخيرة، إذ بدا وكأن الموسيقار، فارق الحياة على الهواء مباشرة، فقد كان قبل ساعات قليلة ضيفاً بصوته على عدد من اللقاءات المصورة، يتحدث عن وضعه الصحي، وعن الارتباك الذي صاحب تأزم حالته، بعدما أصيب بمشكلات في الجهاز التنفسي والكلى، وعانى احتباس المياه، حتى فارق الحياة بتوقف عضلة القلب، وفق ما أعلنت الفنانة نادية مصطفى عضو مجلس نقابة المهن الموسيقية.

التضارب وصل إلى أنه بعد أن أكدت نقابة الموسيقيين وفاته، كانت لا تزال هناك مصادر مقربة من أسرته تشير إلى أنه حي يرزق في غرفة العناية المركزة، ليخرج بعدها نقيب الموسيقيين الفنان مصطفى كامل، في فيديو مقتضب وغاضب يؤكد فيه وفاة المؤلف الموسيقي ذائع الصيت.

صاحب أغنيات “فاكرة” و”الحلم العربي” و”ع اللي جرى” و”عرباوي” و”حبايب مصر” و”اغضب”، ذلك الذي حضرت إبداعاته في جميع البيوت العربية على مدى عشرات السنين ولا تزال، فارق الحياة وهو في الـ86 من عمره، وبعضهم يختصر الرحلة بأنه توفي بعد صراع مع المرض، في حين أن الرحلة كانت مليئة بالنجاحات والقصص التي أثمرت عن اكتشافات فنية لنجوم كبار، فيما المرض كان مجرد فصل الختام.

مسيرة حلمي بكر عاصر خلالها جميع الكبار واشتبك بآرائه مع صناع الموسيقى على مدى عصور، ولم يضبط يوماً يجامل أو يهادن أو يختر الصمت والتجاهل، فحتى لحظاته الأخيرة أطل على الجمهور برسالة أخيرة قال فيها إنه يحبهم، مطالباً بعدم الخوض في تفاصيل شخصية تضايقه ويجدها لا تليق باسمه.

 

وفاة على الهواء

المداخلة الأخيرة بدا فيها الرجل على غير طبيعته بالمرة، بحديث غير مترابط وجمل منقوصة، ولكن مغزى كلامه كان واضحاً وهو أنه لم يكن سعيداً بالمرة بحال اللغط والقيل والقال التي باتت ترافق ذكر اسمه خلال الأسابيع الأخيرة بعد أن تأخرت حاله الصحية، إذ تبادل أفراد عائلته الاتهامات، الابن الأكبر هشام المقيم خارج مصر من جهة، والزوجة الحالية سماح القرشي من جهة أخرى، وكل كان يلقي اللوم على الآخر في ما يتعلق بتدهور صحة الملحن الشهير.

وكان بكر يمكث أيامه الأخيرة في مسكنه بمحافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة) مع الزوجة برفقة ابنتهما الصغيرة ريهام البالغة من العمر ثماني سنوات، إذ ترك بيته في محافظة الجيزة وأصبح بعيداً من معارفه من الوسط الفني، وهو الأمر الذي جعل نقابة الموسيقيين تدخل على الخط ويدلي مسؤولوها بتصريحات تفيد بأنهم على استعداد لنقل الموسيقار لكبرى المستشفيات في العاصمة المصرية القاهرة، مع تلميحات بأن أسرته ترفض مساعدته طبياً وهناك صعوبة في التواصل معه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التصريح الأكثر إثارة للحزن بالنسبة إلى الجمهور ما نقل عن بكر، بأنه قال بشكل محدد إنه لا يرغب في أن يموت بالمستشفى، ويفضل أن تفيض روحه وهو في سريره بمنزله، إلا أن تلك الأمنية لم تتحقق في النهاية، إذ توفي وهو على أجهزة المتابعة الطبية بوحدة الرعاية المركزة بأحد مستشفيات محافظة الشرقية.

أسماء لامعة وثقت في موهبته

يعتز حلمي بكر كثيراً بكونه تعلم الموسيقى على أصولها بالمعهد العالي للموسيقى العربية وتخرج في مطلع الستينيات، إضافة إلى دراسته أيضاً في كلية التجارة، وكان والده محباً للفنون ويجيد العزف بالفعل، وعلى رغم تقدير الراحل للسلك التعليمي، إلا أنه لم يشأ أن يكمل مسيرته كمدرس للموسيقى، وحاول أن يشق طريقه بنفسه.

وضعت الصدفة بكر على أول طريق الاحتراف، إذ جاءت من مكان غير متوقع ففي أثناء قضائه فترة خدمته العسكرية، التقى بالمصادفة بالفنانة وردة التي كانت تحيي حفلة للقوات المسلحة، واستمعت إلى أحد ألحانه، إذ عرف عنه في كتيبته أنه مولع بالموسيقى ويتمتع بموهبة كبيرة، وساعدته في أن يتقدم ليتم اعتماده بالإذاعة المصرية.

وجاءت انطلاقته من أغنية “كل عام وأنتم بخير” للفنان عبداللطيف التلباني، وبعدها توالت ألحان الموسيقار الذي يقول إنه تعاون مع جميع من في الساحة تقريباً، إذ كان في أوج عطائه الفني.

 

ومن بين بعض أعماله “مهما الأيام تعمل فينا” لنجاة، و”مادريتوش” لوردة، و”عرباوي” لمحمد رشدي، و”روحي فيك” لعزيزة جلال، ولكن نشاطه الأكبر كان مع جيل الوسط، إذ صنع بموسيقاه فصولاً ناصعة البياض مع نجوم مثل سميرة سعيد وأصالة وهاني شاكر، وكذلك محمد الحلو ومدحت صالح وعلي الحجار.

ظلم المسيرة 

على جانب آخر، قدم حلمي بكر عشرات من الألحان لأعمال فنية شهيرة، التي وصلت إلى حوالى 90 عملاً، ومنها العروض المسرحية المهمة مثل “سيدتي الجميلة” لشويكار وفؤاد المهندس، و”موسيقى في الحي الشرقي” لسمير غانم وصفاء أبو السعود، و”جوليو وروميت” لجورج سيدهم وسمير غانم.

وتميز الموسيقار الراحل كثيراً في الموسيقى التي قدمها للفوايز الشهيرة، خلال فترتي الثمانينيات والتسعينيات، وذلك في العصر الذهبي لهذا النوع من الفن، وبينها “حول العالم” لشريهان وفوازير “المناسبات” ليحيى الفخراني وهالة فؤاد وصابرين، وفوازير “فنون” لمدحت صالح وشيرين، وكذلك “أم العريف” و”الخاطبة” و”عروستي” لنيللي.

اسم بكر رافق أيضاً مجموعة من أبرز الأفلام السينمائية التي تعتبر من العلامات في الفن السابع بمصر، وبينها “آخر الرجال المحترمين” و”رجل فقد عقله” و”من يطفئ النار”، وكذلك “مع تحياتي أستاذي العزيز” و”لمن تشرق الشمس” و”حب وكبرياء”، وإضافة إلى “بمبة كشر” و”شيء من العذاب” و”الزوج العازب”.

تلك المسيرة الفنية الهائلة للفنان حلمي بكر “مواليد القاهرة 1937” تعرضت للظلم، ربما يتحمل صاحبها نفسه جانب من هذا الظلم، لأن تعليقاته القوية وشديدة الصراحة، كانت تلقى صدى واسعاً بينما يتوارى الحديث عن ألحانه جانباً ويحتل مساحة أقل من الاهتمام، وذلك على رغم غزارة إنتاجه الذي وصل بحسب قوله إلى 1800 لحن، فحدة الأوصاف التي أطلقها على المختلفين واعتياده أن يكون ضيفاً دائماً على البرامج الجدلية، جعلاه أحد أبرز رواد خطف “التريند” حتى قبل بزوغ المصطلح نفسه وقبل عصر الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، فمن سيترك كلماته عن أن مطربة شهيرة تسببت في إصابته بمرض السكر حينما تأخرت عن حفلتها بمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية يمر مرور الكرام، إذ يعتبر حلمي واحداً من أبرز من شاركوا في إدارة دورات المهرجان الذي تنظمه دار الأوبرا المصرية سنوياً، وكان عضواً دائماً في لجانه التحضيرية.

معارك الرمق الأخير

ظل حلمي بكر حاضر الذهن وسريع البديهة، ومتابعاً جيد لكل ما يجري ولإنتاجات الأجيال كافة، حتى رحلة مرضه الأخيرة، وبالتالي حرص عدد كبير من المشاهير من مختلف المدارس الفنية ومختلف العصور على نعيه والتعبير عن الخسارة الفنية الفادحة بعد وفاته، ومنهم سميرة سعيد وشريهان وكارول سماحة وأحمد جمال، وغيرهم كثر، حتى ممن طاولتهم سهام انتقاده، فاشتباكات حلمي بكر مع النجوم كانت دائمة واستمر صداها حتى قبل فترة قصيرة من وفاته. 

وضمت القائمة أسماء مثل أنغام وأصالة وعمرو دياب ولطيفة، وصولاً إلى مطربي المهرجانات، وعدد من هذه الأسماء حرص بعد سنوات على تصفية الخلافات بلقاءات وصور ودية، للتأكيد على أنهم يعلمون أن الراحل لديه تاريخ فني لا يمكن نكرانه، كما أن طريقته في التعبير عن رأيه تدل على نقاء سريرته، وكانت بالفعل انتقادات حلمي بكر اللاذعة التي وصلت إلى حد السخرية في بعض الأوقات، تحمل مع ذلك حساً فكاهياً تلقائياً يلائم شخصيته شديدة الثراء.

وفيما تميز حلمي بكر بأنه متحدث متدفق يعرف كيف يسرد الذكريات وينتقي المفارقات، إلا أن عدد زيجاته ظل محل شك، فلا أحد يعلم هل تزوج الراحل تسع مرات أم 13 مرة، ولكن المؤكد أن أغلب زوجاته كن فنانات شهيرات أو في الأقل ارتبطن بصلة قرابة مع نجوم معروفين، وقد يكون من أبرزهن الفنانة سهير رمزي والفنانة عليا التونسية، كما تزوج من شاهيناز أخت الفنانة الراحلة شويكار التي أنجب منها ابنه هشام.

وقال بكر في تصريحات سابقة إنه لم يحب سوى مرة واحدة وتزوج ممن أحبها بالفعل لكنه انفصل عنها، ولم يفصح وقتها عن هوية هذه المرأة التي تمثل حبه الوحيد والحقيقي، بحسب وصفه.