Home سياسة السودانيون بين انعدام الممرات الآمنة وأخطار المجاعة

السودانيون بين انعدام الممرات الآمنة وأخطار المجاعة

16
0

مع طول أمد الحرب وارتفاع أخطار المجاعة، بات الوضع الإنساني من أكبر الهواجس على الصعيدين المحلي والدولي، على رغم تأكيد كل من الجيش وقوات “الدعم السريع” حرصهما على وصول المعونات الإغاثية الإنسانية، فإن تحفظ كل منهما على دخول المساعدات لمناطق نفوذ الطرف الآخر، حول توافر الممرات الآمنة إلى صراع خفي، في وقت اتجهت أنظار السودانيين، بكثير من الأمل، إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتحمل المسؤولية تجاه المدنيين الذين باتوا ضحايا نيران الحرب والجوع.

 

سيادة البلاد

وتتمسك الحكومة السودانية، من جهتها، بضرورة إيصال المساعدات الإنسانية عبر الإجراءات التي تضمن سيادة البلاد بإجازة الإجراءات اللازمة بما يضمن تحقيق السلامة الوطنية والصحية للمواطن. وتنفي الحكومة منعها وصول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق، مجددة التزام إعلان جدة للمبادئ الإنسانية الموقع منذ الـ11 من مايو (أيار) الماضي، الذي يمثل الإطار القانوني الملزم لمعالجة الجوانب الإنسانية بما فيها إيصال المساعدات لمختلف أنحاء البلاد.

 

وأعلن المتحدث باسم الحكومة وزير الثقافة والإعلام جراهام عبدالقادر تكوين لجنة متخصصة لمتابعة دخول المعونات عبر المداخل المحددة بوجود الشركاء الآخرين ضمن قرارات اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية.

وأكدت وزارة الخارجية السودانية، بدورها، أن سياسة الدولة تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق وجميع المواطنين من دون أي عوائق وبلا استثناء، متهمة “الدعم السريع” بإعاقة حركة ووصول المساعدات إلى المحتاجين ومهاجمة قوافل المساعدات ونهب مستودعاتها، والتنصل من التزاماتها الإنسانية في منبر جدة، بتعطيل المرافق الإنسانية والخدمية وحصاد المحاصيل الغذائية في ولاية الجزيرة.

اتهامات مباشرة

في المقابل، اتهم قائد قوات “الدعم السريع” الجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي” الحكومة بالتسبب في مجاعة تلوح في الأفق، بسبب إعاقتها مرور المساعدات الإنسانية، مستدلاً بتصريحات عدد من ممثلي المنظمات المحلية والدولية تشير إلى احتجاز 70 في المئة من المساعدات الإنسانية بميناء بورتسودان في انتظار إجراءات التخليص، والتي يفترض عبورها إلى الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان.

 

وكان “حميدتي” قد شدد، في نداء إنساني على منصة “إكس”، على ضرورة ممارسة المجتمع الدولي والشركاء الإنسانيين أقصى الضغوط على من سماها “مجموعة بورتسودان”، في إشارة إلى الحكومة هناك، للإيفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني وإعلان جدة لحماية المدنيين.

يأكلون العلف

في الأثناء، تسبب انعدام توافر الممرات الآمنة بتوقف وصول أي سلع أو معونات إنسانية من بورتسودان، بخاصة بعد توقف الفرق المشتركة بين قوات “الدعم السريع” والحركات المسلحة التي كانت مهمتها تأمين إيصالها. وأدى الوضع الغذائي المتفاقم في دارفور، بحسب مصادر أهلية، إلى دخول بعض محليات غرب دارفور في موجة حقيقية من الجوع، اضطر، خلالها، كثر إلى مشاركة الحيوانات علفها من مخلفات السمسم المعصور للزيت، بسبب شح الحبوب الغذائية وارتفاع أسعار المتاح منها.

 

انقطاع العون

وعزا مفوض العون الإنساني، بجنوب دارفور، صالح عبدالرحمن، الوضع الغذائي شديد التأزم في دارفور إلى عدم تمكن معظم السكان من الزراعة، مصدرهم الأساس في الغذاء، منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي وحتى اليوم، مشيراً إلى أن غياب الممرات الآمنة زاد الأمر سوءاً بمنع منظمات الإغاثة والعون الإنساني من الوصول إلى تقديم خدماتها للمتأثرين هناك.

عقبة السيادة

بدوره، لفت المتخصص في المنظمات الدولية والعمل الإنساني صلاح الأمين إلى أن كلاً من الجيش و”الدعم السريع” يتحفظان على دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة كل منهما، “وأن الجيش، على وجه الخصوص، لا يرغب في دخول المساعدات بإذن من (الدعم السريع) حتى للمناطق التي يسيطر عليها، لأن ذلك، حسب وجهة نظره، يضعف صورة سيادته على البلاد”.

أضاف الأمين أن تجربة برنامج “شريان الحياة” قبل 25 عاماً يمكن أن تصلح مع إدخال بعض التعديلات أو الإضافات عليها لمعالجة الوضع الحالي بالنسبة إلى مسارات وصول المساعدات الإنسانية، إذ كانت الحكومة وقتذاك (1989 – 2005) تمنع دخول المساعدات والمنظمات الإنسانية إلى مناطق سيطرة الجيش الشعبي من منطلق السيادة ذاته، أيام حرب الجنوب، لكن ضغوط المجتمع الدولي أدت، وقتها، للتوصل إلى ما يشبه المساومة، وتم بموجبها تحديد وفتح مسارات للمساعدات الإنسانية.

الوصول المباشر

وهناك عامل آخر يضاف إلى تعقيدات وصول المساعدات بحسب الأمين، وهو الحرص على وصول المساعدات إلى المستفيدين بصورة مباشرة على الأرض، مطالباً المجتمعات المحلية بسرعة تنظيم وتطوير المبادرات الموجودة أصلاً على الأرض، وربطها بالمنظمات الإنسانية والمانحين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع المتخصص في الشأن الإنساني أن إتاحة الفرصة للمنظمات الإنسانية، بالعمل المباشر مع المتضررين والمجتمعات المحلية، ستدفع بها إلى التخفيف من قيودها المرتبطة بالشفافية أو المحاسبة في توزيع المعونات، مشيراً إلى تجارب مماثلة كثيرة ناجحة تمت في مناطق شبيهة مثل الصومال وليبيا وليبيريا واليمن ورواندا والعراق، حيث قامت المجتمعات المحلية بالعمل مباشرة مع المنظمات وبنت ثقة مشتركة حققت نجاحاً فعلياً.

مزيد من الضغوط

وشدد الأمين على فكرة منح المنظمات الإنسانية حق المبادرة في العمل المباشر مع المجتمعات المحلية من دون أن يكون هناك وسيط من أي من الطرفين، على أن يقوم كل من الجيش و”الدعم السريع” بدور الحماية فقط، إلى جانب التزامهما عدم التدخل في عمل المنظمات أو التعدي على العاملين في هذا المجال، ورأى أنه، لأجل تسهيل مرور الإغاثة للمتضررين، لا بد من ممارسة مزيد من الضغوط على الطرفين بواسطة المجتمعات والقيادات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني المحلية، وأيضاً من قبل المنظمات الدولية الإنسانية بصورة عامة.

ضعف وغياب خطة

وفي السياق، رجح المفوض السابق للعون الإنساني بالخرطوم مصطفى آدم تعطل وصول الإغاثة، بصورة رئيسة، إلى عدم استقرار المفوضية القومية للعون الإنساني وغياب خطة للتعامل مع الوضع الإنساني خلال الحرب، ونوه آدم بضعف دور المجتمع الدولي الذي لم تتجاوز مساهماته نسبة أربعة في المئة مما هو مطلوب لمعالجة الوضع الإنساني المتفاقم.

وتابع “لكن، على رغم وجود فرصة سانحة وممرات آمنة للتحرك في الولايات الشرقية والشمالية والوسطى باستثناء ولاية الجزيرة، فلا يوجد دعم أو عمل إنساني ملموس بسبب العناد غير المبرر من جانب المنظمات الدولية “.

مصاعب ونهب

أما بالنسبة إلى الولايات الأخرى الساخنة، مثل الخرطوم وكردفان، فإلى جانب ضعف الدعم المقدم لها، بحسب آدم، “هناك مصاعب كبيرة تواجهها بسبب غياب الممرات الآمنة أو عدم التنسيق بين الطرفين المتحاربين، بينما تواجه دارفور مشكلات لوجيستية كبيرة ومعقدة، كذلك أصبح نهب المساعدات ضمن المهددات التي تمنع وصول المعونات والإغاثة، وفوق كل ذلك أنه لا يوجد دعم دولي واضح يذكر”.

وأشار المفوض السابق للعون الإنساني بالخرطوم إلى أن هذه التعقيدات دفعت بالتجمع المدني السوداني للعون الإنساني للترتيب لعقد مؤتمر حول القضايا الإنسانية، خلال الأسبوع الأول من مارس (آذار) المقبل، بحضور المنظمات الدولية والوطنية، وممثلين للنازحين واللاجئين، وفعاليات ومكونات مجتمعة أخرى، بهدف تحديد الالتزامات والمسؤوليات المباشرة، وترتيب الأولويات ورسم خريطة واضحة لمعالجة الوضع الإنساني.

هجمات الحوثيين

وأشار تقرير لصحيفة “غارديان” البريطانية إلى أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر كان لها تأثير كارثي في تأخير ورفع كلف شحن المساعدات المهمة إلى السودان بسبب سلك طرق أطول لتجنب الهجمات البحرية، ونقلت الصحيفة عن مديرة اللجنة الدولية للإنقاذ في السودان اعتزاز يوسف أن عمليات الإغاثة باتت باهظة الثمن، وتستغرق شحناتها أشهراً بدلاً من أسبوع أو اثنين على الأكثر حتى تصل، فضلاً عن أن الوكالات التي تقدم المساعدات باتت تواجه نقصاً شديداً في التمويل بسبب الأزمة التي فجرها الحوثيون في البحر الأحمر.

وقال رئيس إدارة سلسلة التوريد المحلي لمنظمة إنقاذ الطفولة عمر شرفي إن وصول شحنة من الإمدادات الغذائية المنقذة للحياة أصبحت تستغرق وقتاً أطول وكلفة أكثر، مما يزيد من صعوبة الاستجابة، في وقت يعد فيه الوضع على الأرض كارثياً يحتاج إلى إجراءات فورية لنقل الإمدادات.

وحصدت المعارك والاشتباكات الدامية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، منذ اندلاعها منتصف أبريل الماضي، في العاصمة السودانية وولايات أخرى في دارفور والجزيرة، أرواح أكثر من 13 ألف شخص، ودمرت البنية التحتية للبلاد، وأثارت تحذيرات من مجاعة وشيكة تهدد أكثر من نصف سكان السودان، وجعلت ما يفوق 25 مليون شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، كما دفعت أكثر من 7.7 مليون شخص للنزوح داخل البلاد، منهم ما لا يقل عن 1.6 مليون شخص فروا كلاجئين إلى دول الجوار في مصر وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، وفق الأمم المتحدة.