Home سياسة هايلي أو هاريس… هل ستكون للولايات المتحدة رئيسة هذا العام؟

هايلي أو هاريس… هل ستكون للولايات المتحدة رئيسة هذا العام؟

19
0

على مدى الأيام الأخيرة، كثفت المرشحة للانتخابات الرئاسية عن الحزب الجمهوري نيكي هايلي تركيزها على فكرة مثيرة للانتباه وهي أن الولايات المتحدة الأميركية ستكون لها رئيسة هذا العام، وليس رئيساً، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وهذه الرئيسة ستكون إما هي (هايلي) أو كامالا هاريس نائبة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، فما الذي تعنيه هايلي؟ وهل يمكن أن تتحقق افتراضاتها؟ ولماذا لم تنجح أية امرأة من قبل في تولي منصب الرئاسة في أقوى دولة في العالم؟

استراتيجية هايلي

قبل بضعة أيام فقط من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، المقررة في الـ24 من فبراير (شباط)، في ولاية ساوث كارولينا، استخدمت نيكي هايلي، التي تأمل تحقيق النصر بولايتها الأصلية حيث شغلت سابقاً منصب الحاكم لولايتين متتاليتين، استراتيجية جديدة حاولت من خلالها جذب الانتباه من خلال إثارة المخاوف لدى الجمهوريين بأن أمامهم خياراً واحداً وهو الدفع بها في الانتخابات التمهيدية للحزب حتى تنافس الرئيس الديمقراطي جو بايدن أو كامالا هاريس وتهزمهما.

يستند منطق هايلي (52 سنة) إلى أن الرئيسة المقبلة للولايات المتحدة إما أن تكون هي أو نائبة الرئيس كامالا هاريس (59 سنة)، لأنه إذا اختار الناخبون منافسها الوحيد دونالد ترمب وأصبح هو مرشح الحزب الجمهوري، فلن يفوز أمام بايدن بحسب ما قالت في برنامج “هذا الأسبوع” على شبكة “أي بي سي” الأميركية، الأحد الماضي، مشيرة إلى أن كل استطلاع للرأي يؤكد ذلك، وفي هذه الحال ستكون هاريس هي الرئيسة، في إشارة ضمنية إلى أن بايدن كبير في السن وقد يتنازل عن الحكم لنائبته بسبب احتمال عدم قدرته على استكمال فترته الرئاسية الثانية.

إثارة الشكوك

ليس هذا فحسب، إذ قدمت هايلي في مناسبة انتخابية أخرى ادعاءً جريئاً لم تدعمه بدليل، وتوقعت خلال 30 يوماً من الآن، ألا يكون بايدن هو مرشح الحزب الديمقراطي، وستكون هناك رئيسة للولايات المتحدة، في إشارة إلى هاريس التي صرحت، قبل ذلك بأسبوع، رداً على سؤال حساس لصحيفة “وول ستريت جورنال” حول مخاوف الناخبين من عمر الرئيس، بأنها مستعدة لخدمة البلاد كرئيسة مؤكدة قدرتها على القيادة، وذلك قبل يومين فقط من صدور تقرير المدعي الخاص حول تعامل بايدن مع الوثائق السرية، الذي وصف الرئيس بأنه رجل مسن ذو ذاكرة ضعيفة.

ولم تكف هايلي في حملتها الانتخابية عن الإشارة إلى استطلاعات الرأي التي تكشف عن أن معظم الأميركيين يقولون إن الرئيس بايدن الذي سيبلغ 82 سنة في شهر الانتخابات العامة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وكذلك ترمب الذي سيبلغ في يونيو (حزيران) المقبل 78 عاماً، أكبر من أن يترشحا للرئاسة، وأن الأميركيين في حاجة إلى انتخاب زعيم ينتمي إلى جيل جديد لا تشتت انتباهه القضايا المعروضة على المحاكم، في إشارة واضحة إلى مشكلات ترمب القانونية.

قرع الطبول

وبهذه الطريقة، تثير سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى المنظمة الدولية التي لا تزال تتخلف بفارق كبير عن ترمب في استطلاعات الرأي، شكوك بعض الناخبين إزاء المستقبل عبر تسليط الضوء على المخاوف من خسارة ترمب أمام بايدن، ثم القلق حيال عمر بايدن وقدرته العقلية واحتمال تولي هاريس التي لا تحظى بشعبية لقيادة البلاد.

وعلى رغم أن هايلي لم تقدم أي دليل على تكهناتها بأن بايدن سيتنحى، ولا على توقعاتها بأن هاريس تستعد للتدخل وتولي المنصب الرئاسي في أي وقت قريب، فإن وصفها فكرة رئاسة هاريس على أنها خطر يجب أن يرسل قشعريرة إلى بدن كل شخص، يعد بمثابة قرع طبول التحذير بين الناخبين الجمهوريين الأساسيين الذين يحملون آراء سلبية تجاهها، وفق ما تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة “ولاية أوهايو” أنجي ماري هانكوك التي تدرس مع مجموعة من العلماء منصب نائب الرئيس.

وفي حين تستبعد هانكوك إمكانية نجاح هذه الاستراتيجية مع هايلي، فإنها ربما تقدم اختباراً لأنواع رسائل الانتخابات العامة التي سيستخدمها ترمب والجمهوريون ضد بايدن وهاريس في الأشهر المقبلة.

هايلي وهاريس

لكن لا يزال أمام هايلي بعض الوقت لتختبر استراتيجيتها، حتى لو خسرت ولاية ساوث كارولينا بفارق محدود، إذ سيظل بمقدورها الرهان على انتخابات، الثلاثاء الكبير في الخامس من مارس (آذار)، الذي ستحسم فيه 16 ولاية انتخاباتها التمهيدية بما في ذلك أكبر ولايتين أميركيتين وهما كاليفورنيا وتكساس، ولهذا تحاول هايلي إقناع المترددين من الجمهوريين والمستقلين أيضاً الذين يدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية، بأنها الأوفر حظاً للفوز على بايدن وهاريس وفقاً لاستطلاعات الرأي الجديدة.

وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة “مورننغ كونسلت” تتمتع هالي بميزة على هاريس في تصنيف تفضيلها على كل من بايدن وهاريس، وهي ميزة ينسبها المتخصص في مجال العلوم السياسية في جامعة “كولومبيا” روبرت شابيرو إلى عدم توليها حالياً مناصب عامة، بينما ترتبط هاريس بكل سلبيات بايدن وإدارته، كما أنها لم تكن جزءاً من أي أخبار إيجابية لعملها في الإدارة، إذ تم تكليفها بالتعامل مع قضايا الهجرة، وهي نقطة حساسة بالنسبة إلى بايدن وإدارته نظراً إلى أزمة الحدود الجنوبية.

وتفسر أستاذة الإعلام بجامعة “بوسطن” تامي فيجيل سبب تفوق هايلي على هاريس بأنه يعود إلى عدم معرفة معظم الناخبين كثيراً عن هايلي، كما أنها تحصل على علامات إيجابية من المستقلين وبعض الديمقراطيين لمعارضتها ترمب وآرائها في شأن السياسة الخارجية والإجهاض، بينما كان لخضوع هاريس لبايدن بصفتها نائبة الرئيس كلفة سياسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ذلك، تولت هاريس، في الأشهر الأخيرة، مزيداً من المسؤوليات العامة، وأصبحت المسؤولة الرئيسة للإدارة في شأن حقوق الإجهاض، وتم تعيينها مسؤولة عن مكتب منع العنف المسلح في البيت الأبيض، وتلعب دوراً بارزاً في تعامل الإدارة مع الحرب في غزة، وألقت خطابات قوية في مؤتمرات دولية في ميونيخ ودبي حول الصراع، لإبداء مزيد من التعاطف مع الفلسطينيين والتركيز على خطة غزة بعد الحرب.

ويشير حلفاء هاريس إلى أن البيت الأبيض لم يستغلها بصورة جيدة في وقت مبكر من فترة ولايتها، لكنها الآن في وضع يسمح لها بإظهار أهميتها على البطاقة الرئاسية، بخاصة في إقناع الناخبين بحقوق الإجهاض التي تعد واحدة من القضايا القليلة التي يتمتع فيها الديمقراطيون بميزة قبل الانتخابات لتنشيط الناخبين المخلصين والتأثير في المستقلين ونساء الضواحي.

أميركا ليست كغيرها

وبصرف النظر عما إذا كانت استراتيجية هايلي ستنجح وما إذا كانت هاريس يمكن أن تتولى رئاسة الولايات المتحدة، إلا أن الحقيقة الساطعة هي أن طريق المرأة إلى أعلى منصب في البلاد كان ولا يزال مليئاً بالصعاب والعقبات، إذ لم تحكم أية امرأة أميركا منذ نشأتها وحتى الآن وذلك على نقيض عديد من الدول الأخرى.

وعلى سبيل المثال، أصبحت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند عام 1966، وكانت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء المملكة المتحدة طوال الثمانينيات، وأدت كورازون أكينو اليمين رئيسة للفيليبين في عام 1986، وتولت بينظير بوتو المنصب الأعلى في باكستان عام 1988، كما كانت حكومات كل من إيرلندا وليتوانيا وفرنسا وتركيا وبولندا وكندا تترأسها نساء خلال التسعينيات، كما أصبحت أنغيلا ميركل مستشارة لألمانيا في عام 2005، وإلين جونسون سيرليف رئيسة ليبيريا في عام 2006، وفي الآونة الأخيرة، أصبحت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، لفترة وجيزة، أصغر زعيمة دولة في العالم.

لماذا لم تنتخب أميركا رئيسة؟

ولا يعني ذلك أن هذه البلدان هي بالضرورة أكثر مساواة، فقد ناضلت كثير منها لمنح النساء فرصاً متساوية للحصول على التعليم ومجالات أخرى ولا تزال حقوق المرأة في بعضها متخلفة عن الولايات المتحدة، لكن السبب في ذلك هو صعوبة النظام السياسي الأميركي الذي يمثل مسابقة شعبية أكثر من الدول الأخرى، مما يخلق تحديات شائكة، خصوصاً، للقيادات النسائية، بينما من الأسهل على النساء الفوز بسلطة تنفيذية في النظام البرلماني، كما هي الحال في ألمانيا أو المملكة المتحدة أو فنلندا، حيث تكون الأنظمة البرلمانية أكثر ملاءمة للنساء لأن اختيار رئيس الوزراء يحدث داخل المؤسسة كما توضح مديرة مركز المرأة الأميركية والسياسة في جامعة “روتجرز” ديبي والش.

وهناك أيضاً عوامل أخرى، إذ يصبح للعائلة السياسية، أحياناً، دور في اختيار النساء لهذه المناصب، فقد وصلت كورازون أكينو رئيسة الوزراء الـ11 للفيليبين إلى السلطة مع ثورة الشعب عام 1986، للانتقام من اغتيال زوجها الذي كان سيناتوراً شهيراً، وكانت كل من أنديرا غاندي وبينظير بوتو بنات رئيس الوزراء.

عوامل إعاقة

ولكن بصرف النظر عن هذه العوامل، هناك جوانب من العملية السياسية الأميركية يبدو أنها لا تحابي النساء، ومن بينها أن إدارة حملة رئاسية مدتها 18 شهراً في دورة مستمرة تحت أضواء الإعلام على مدى 24 ساعة تخلق فرصاً لا حصر لها للتدقيق المكثف، مما يقع، بصورة أكبر، على المرشحات، بخاصة أن السياسة الأميركية أصبحت مشبعة بثقافة المشاهير، مما يعني أن الناخبين كثيراً ما يختارون مرشحيهم استناداً إلى شخصياتهم، مما يجعل الحملات الانتخابية أكثر اعتماداً على عنصر القابلية للقبول على النحو الذي عادة ما يسيء إلى النساء.

وعلى رغم أن عديداً من الأميركيين يعتقدون أن المرأة تستحق القدر نفسه من القيادة مثل الرجل، فإن التحيز على أساس نوع الجنس لا يزال قائماً، مما يجعل من الصعب على المرأة الوصول إلى أعلى منصب، إذ يشير بعض الدراسات الجامعية إلى أن الصور النمطية عن المرأة يمكن أن تضر بفرصها في انتخابها رئيسة، كما أن هناك نوعاً آخر من التحيز قد يكون له دور وهو ما يسمى “بالتحيز العملي”، أو “التحيز النفعي”، والذي يحدث عندما لا يصوت الأشخاص لصالح مرشحة ما يفضلونها خوفاً من صعوبة أو استحالة فوزها، فقط لأنهم يعتقدون أن الآخرين لن يدعموها، وبطبيعة الحال، قد تحاول وسائل الإعلام والنقاد السياسيون وحملات المعارضة استغلال تحيزات الناس وإقناعهم بعدم التصويت لصالح امرأة، وهو أمر من الصعب على الناخب العادي أن يتجاهله.

الفرصة قائمة

ومع ذلك، فإن حصول المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 على ما يقارب 3 ملايين صوت أكثر من دونالد ترمب، أوضح أن المرأة يمكن أن تخوض محاولة رئاسية تنافسية في الولايات المتحدة، على رغم أن بعض الأبحاث أشارت إلى أن بعض المواقف المتحيزة ضد المرأة أسهمت جزئياً في اتخاذ بعض الناخبين قرارات التصويت لصالح ترمب بدلاً من كلينتون.

ولأن الأمر لا يتعلق بنقص النساء المؤهلات اللازمة للمنصب الرئاسي بالنظر إلى وجود أعداد قياسية من النساء في مجلسي النواب والشيوخ، فضلاً عن عديد من حاكمات الولايات، وهي مناصب تكون بمثابة نقطة انطلاق مهمة للمناصب الرئاسية، فإن الأمل لا يزال معقوداً على الأشهر والسنوات المقبلة بخاصة أن الفرص السياسية للقيادة النسائية غالباً ما تنشأ في أوقات الأزمات أو التغيير، وعلى سبيل المثال، أدى التحول الديمقراطي في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأوروبا الشرقية إلى تمكين المرأة من اكتساب موطئ قدم سياسي، ومع الاستقطاب السياسي العنيف في الولايات المتحدة منذ سنوات، تراهن النساء على أن يجدن الفرصة المناسبة لطرح حلول مختلفة.

عندما تقود المرأة

ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن الباحثين اكتشفوا أن وجود النساء في أعلى المناصب يمكن أن يجلب وجهات نظر أكثر تنوعاً وأولويات سياسية جديدة، وأن النساء في السلطة يبنين مشاعر الثقة والشرعية في النظام السياسي، إذ يتمتع المواطنون باهتمام سياسي ومشاركة أكبر تحت القيادة النسائية، كما تقدم النساء في المناصب العليا نماذج يحتذى بها للجمهور، مما يلهم النساء الأخريات للترشح.

ولهذا السبب، من الأهمية بمكان ألا يؤدي الخطاب العام حول التمييز على أساس نوع الجنس إلى انسحاب النساء من الترشيحات المستقبلية أو يؤدي إلى مزيد من تآكل التصورات حول إمكانية فوزهن بأعلى منصب في الولايات المتحدة الأميركية، والذي ربما يحدث في وقت أقرب مما يتصور كثير من الأميركيين.