Home سياسة مجمع ناصر الطبي يحوز نصيب الأسد من هجمات إسرائيل

مجمع ناصر الطبي يحوز نصيب الأسد من هجمات إسرائيل

9
0

لبس الطبيب فادي سرواله الأبيض، وقرر الخروج من غرفة الطوارئ، التي يحتمي فيها من الجيش الإسرائيلي الذي يقتحم “مجمع ناصر الطبي” في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، والذهاب لمعاينة مريض يمكث في قسم العناية المركزة، وحالته خطرة ويلتقط أنفاسه الأخيرة.

يدرك الطبيب أن ما ينوي القيام به خطر للغاية وقد يعرض حياته للخطر، فالجيش الذي اقتحم المستشفى، منذ أيام، حوله لثكنة عسكرية وينتشر في كل أرجاء المكان وينفذ عمليات تفتيش دقيقة، “ارتديت الزي الرسمي لعل هذا يحميني من الأعيرة النارية التي أسمعها من دون توقف”، ثم غادر مكانه.

مخاطرة الوصول للمرضى

ركض الطبيب فادي وهو يحني ظهره في محاولة منه لإخفاء نفسه عن أعين الجنود، أو لتجنب إصابته بالأعيرة النارية، واتجه نحو قسم العناية المكثفة، قطع الطبيب ثلاث طرقات بحذر شديد ليصل إلى غرفة المريض، وكان يرافقه مساعده الطبي.

في الطريق كان الرصاص الذي يطلقه الجنود لا يتوقف، وأصاب عيار ناري مساعد الطبيب، حينها أصبح الطبيب في حيرة من أمره، بين أن يواصل طريقه أو يساعد المصاب الذي سقط إلى جانبه، وعلى الفور سحب الجريح نحو غرفة العناية، وبصعوبة وصل إلى قسم العناية وهناك التقط أنفاسه، ثم باشر برعاية مساعده الطبي المصاب، وضمد جرحه الذي أصيب به في يده واطمأن على حالته، وبدأ في معاينة مريضه.

يضيف “نجوت من الموت بأعجوبة، كانت الأعيرة النارية في كل مكان، لقد شاهدت مرافق مستشفى ناصر مدمرة للغاية، حتى لو سمح لنا الجيش الإسرائيلي باستقبال جرحى، فإن هذا المجمع لم يعد قادراً على علاج المصابين”.

ثاني أكبر مستشفى توقف عن العمل

منذ أيام اقتحم الجنود الإسرائيليون “مجمع ناصر الطبي”، وهو ثاني أكبر مستشفى في قطاع غزة، بعد “مجمع الشفاء” في مدينة غزة، ونفذ به الجيش عملية عسكرية كما فعل في معظم المرافق الصحية في القطاع.

وكان المجمع يعتبر من أهم المستشفيات العاملة في غزة بخاصة في منطقة الجنوب، إذ يضم مستشفيات عدة متخصصة للجراحة والتوليد والأمراض الصدرية والباطنية، وبعد سقوطه أصبح القطاع بأكمله بلا مرافق صحية متخصصة. وبعد أن دخل الجنود الإسرائيليون المجمع، منعوا سيارات الإسعاف من الوصول إليه لنقل المصابين، وأيضاً فرضوا الإخلاء القسري على المرضى والطواقم الطبية.

الأوكسجين سلاح جديد يستخدمه الجيش

في أي حال، انتبه الطبيب فادي أن المريض الذي يتابع حالته، وهو موصول بجهاز الأوكسجين لكنه لا يتنفس بسهولة، وشارف على الاختناق، بسرعة قفز على صدره وأخذ يجري له تنفساً اصطناعياً يدوياً لعله ينقذ حياته.

نجح الطبيب والتقط المريض أنفاسه بانتظام، لكن ذلك غير كاف ويجب أن يبقى المريض موصولاً بجهاز التنفس أو بأسطوانة أوكسجين في الأقل، حاول الطبيب الاستعانة بجهاز الأوكسجين المركزي الذي يعمل بالكهرباء، لكن لا تيار واصلاً إلى المستشفى. وانقطعت كل مصادر الطاقة عن “مجمع ناصر الطبي”، ويعمل هذا المستشفى الكبير، أساساً، على مولدات كهرباء وخلايا توليد الطاقة الشمسية، ولكن نفد الوقود الذي يغذي هذه المولدات قبل سبعة أيام، ورفضت إسرائيل السماح لمنظمة الصحة العالمية بتزويد المرفق بالوقود، كما دمرت معظم الخلايا الشمسية التي تزوده بالطاقة.

وبعد تشاور دار بين الطبيب فادي ومساعده، قرر الأخير الخروج من غرفة العناية المركزة، والذهاب إلى مكان تخزين عبوات الأوكسجين، لجلب أسطوانة لإنقاذ المريض، وقرر فعل ذلك مهما يشكل عليه هذا الإجراء من خطر على حياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد عمليات بحث طويلة، عاد مساعد الطبيب سالماً، لكنه أبلغ الطبيب بأن أسطوانات الأوكسجين فارغة، وبأنه لاحظ وفاة مرضى اختناقاً نتيجة انقطاع الأوكسجين عنهم، عندها أيقن الطبيب أنه لن يستطيع متابعة تقديم خدماته الطبية للمرضى الذين لم يتم إجلاؤهم من المجمع وأن هؤلاء باتوا ينتظرون الموت اختناقاً بأي لحظة، وأوضح، في الوقت نفسه أن أخطر أمر في الهجوم على “مجمع ناصر الطبي”، هو نفاد غاز الأوكسجين، ورفض الجيش الإسرائيلي تزويد المستشفى بعبوات جاهزة لإنقاذ حياة الأشخاص الذين يلتقطون أنفاسهم الأخيرة.

وبحسب الطبيب، أيضاً، فإن نفاد الأوكسجين وعدم السماح لتدفقه سلاح جديد يستخدمه الجيش الإسرائيلي، إذ، على رغم هجوم القوات الإسرائيلية على معظم مستشفيات القطاع، لكنها لم تمنع، سابقاً، تدفق الأوكسجين عن المرافق الصحية.

مصير مجهول ينتظر المرضى

وبيأس شديد، عاد الطبيب للقاء زملاء مهنته المتبقين في المستشفى، من أجل التشاور بطريقة يمكن فيها تجاوز مشكلة نفاد الأوكسجين من المرفق الطبي، لكن لا قرار يمكنهم اتخاذه إلا بموافقة الجيش الإسرائيلي الذي يعمل في المجمع الصحي.

في “مستشفى ناصر” بقي خمسة طواقم طبية يمارسون مهامهم، وكل فريق مكون من خمسة عاملين صحيين، أما بقية الكوادر الطبية فاعتقلهم الجيش الإسرائيلي للتحقيق معهم، مما تسبب بتوقف تقديم خدمات العلاج للمرضى.

ومعلوم أن الجيش الإسرائيلي أمر جميع المرضى بإخلاء “مجمع ناصر الطبي”، لكنه أبقى 200 منهم من دون إخلاء وغير معروف مصيرهم، وبحسب وزارة الصحة، فإن 20 جريحاً بينهم يحتاجون نقلاً فورياً إلى مستشفيات أخرى لتلقي الرعاية الصحية.

نصيب الأسد

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة “ما يجري في مستشفى ناصر أمر يفوق الوصف، ولم يمارسه الجيش قبل ذلك في أي مستشفى اقتحمه، لقد حاز هذا المجمع على نصيب الأسد من المآسي”، مضيفاً “حاصر الجيش المجمع حصاراً شديداً كما حاصر الإغريق مدينة طروادة، ثم اقتحم الجنود المستشفى وعاثوا تدميراً، لقد دمروا الأجهزة الطبية والمباني وحتى أسرة المرضى، في السابق، لم يمنع الجيش إخلاء المرضى لكن، هذه المرة، فعل ذلك”. وتابع القدرة “للمرة الأولى، نتحدث عن توقف توليد الأوكسجين نتيجة انقطاع الكهرباء، وها نحن نتحدث أيضاً عن نفاد أسطوانات الغاز نفسه، جميع من في المجمع سيموتون، لقد فارق الحياة تسعة أشخاص بسبب عدم توافر الأوكسجين”.

وبحسب القدرة أيضاً، فإن الجيش احتجز جميع الكوادر الطبية، ساعات طويلة، في مبنى الولادة وهم مقيدو الأيدي، واعتدى عليهم بالضرب وجردهم من ثيابهم، ثم اعتقل 70 منهم بينهم طبيب العناية المركزة ولا يوجد أي طبيب لمتابعة الحالات الحرجة، ولم يتبقَ سوى 25 عاملاً صحياً.

وما جرى في “مجمع ناصر الطبي” أثار غضب منظمة الصحة العالمية. وقال المتحدث باسمها طارق ياساريفيتش “إسرائيل لم تسمح لفريقنا بدخول المستشفى لتقييم أوضاع المرضى والحاجات الطبية الحرجة، هناك حاجة ملحة لإيصال الوقود لضمان استمرار تقديم الخدمات المنقذة للحياة”.

الاقتحام

أما عن سبب اقتحام المجمع فيقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري “لقد وصلتنا معلومات استخباراتية تشير إلى وجود نشاطات حمساوية داخل المستشفى واحتمال وجود جثث لرهائن”. ويضيف “قبل اقتحام المستشفى، اتبعنا الإجراءات اللازمة، فتحنا ممراً آمناً لإجلاء المدنيين، وتم إيقاف المشتبه فيهم، ويقدر عددهم بنحو 100، سنحقق معهم ثم نطلق الأبرياء”.

لكن عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” محمد نزال نفى أن يكون للحركة أي نشاط في المجمع. واعتبر أن الجيش الإسرائيلي يهدف من عمليته العسكرية إلى تدمير المرافق الصحية.

وتسببت عمليات اقتحام المرافق الصحية بتوقف 24 مستشفى عن العمل من أصل 30 مؤسسة طبية في القطاع.