Home سياسة قلق في إسرائيل قبل المثول أمام “العدل الدولية”

قلق في إسرائيل قبل المثول أمام “العدل الدولية”

7
0

في الـ11 من يناير (كانون الثاني) الجاري ستمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية التي تنظر في دعوى رفعتها جنوب أفريقيا ضد الحكومة الإسرائيلية في شأن ارتكابها جريمة “إبادة جماعية” في حق الفلسطينيين في قطاع غزة، وفق بيان المحكمة، وهو ما استجابت له تل أبيب بالموافقة على المثول أمام المحكمة الدولية في لاهاي بهولندا “للطعن في الاتهامات الموجهة ضدها من جنوب أفريقيا”، بحسب ما ذكر المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية.

قلق إسرائيلي

ويبدو أن تل أبيب لديها كثير من القلق في شأن دفاعاتها بالنظر إلى تصريحات عديد من مسؤوليها حول تهجير سكان قطاع غزة، ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعضاء حكومته من اليمين المتطرف والقوميين الدينيين لتوخي الحذر في شأن تصريحاتهم عندما يتحدثون عما يرغبونه من نتائج لحرب غزة.

وقال نتنياهو خلال اجتماع للحكومة “كل كلمة لديها معنى عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية”، محذراً من أن التحدث خارج الإطار يضر بشرعية إسرائيل الدولية، وجاء نداء نتنياهو لتوخي الحذر بعد سلسلة من التصريحات العامة المثيرة للجدل التي أدلى بها متشددون في حكومته، ملمحين إلى احتمال ضم قطاع غزة وطرد الفلسطينيين من أراضيهم.

ووفق وسائل إعلام أميركية فإن التعليقات غير المدروسة من أعضاء حكومة نتنياهو ستؤدي الآن إلى تعقيد الدفاع عن إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وتقول صحيفة “بوليتيكو” إنه قبل أيام قليلة من مناشدة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بدا وزير الزراعة آفي ديختر وكأنه يستمتع بفكرة أن هذه الحرب هي “نكبة غزة”، في إشارة إلى تكرار سيناريو طرد ما يقدر بنحو 700 ألف فلسطيني خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948.

وبالمثل، أعلن وزير الوحدة الوطنية جدعون ساعر أن غزة “يجب أن تصبح أصغر في نهاية الحرب”، وأن “من يبدأ حرباً ضد إسرائيل يجب أن يخسر الأرض”، وأثار وزير التراث أميهاي إلياهو غضباً دولياً عندما تساءل علناً فيما إذا كان ينبغي على إسرائيل إسقاط قنبلة نووية على غزة، وهي فكرة أصر لاحقاً على أنها مجرد “مجاز”.

فرية الدم

هذه التصريحات المتطرفة أثارت الذعر بين حلفاء إسرائيل في الغرب، الذين يشعرون بالفعل بعدم الارتياح إزاء مسار الحرب وارتفاع عدد القتلى من المدنيين الفلسطينيين، وزاد مطالب واشنطن ولندن وباريس بتخفيف محنة المدنيين في غزة، علاوة على ذلك، تسعى جنوب أفريقيا الآن إلى الحصول على أمر موقت عاجل من محكمة العدل الدولية، يعلن أن إسرائيل تنتهك اتفاق الإبادة الجماعية لعام 1948، وفي حين قد تستغرق القضية سنوات، فإن بريتوريا طالبت المحكمة أيضاً بإصدار قرار موقت لإسرائيل بوقف العمليات العسكرية.

كانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت أمراً موقتاً ملزماً ضد روسيا في مارس (آذار) 2022، يطالب موسكو بوقف حربها على أوكرانيا، وهو مما تجاهله الكرملين.

وفي مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي، وعد إيلون ليفي المتحدث باسم نتنياهو، بأن إسرائيل ستطعن في اتهامات جنوب أفريقيا، واصفاً ادعاءات الإبادة الجماعية بأنها معادية للسامية و”تشهير بالدم”، والتشهير بالدم الذي يعرف أيضاً “فرية الدم”، هي مجاز عن معادة السامية يتعلق بإطلاق إشاعات كاذبة بأن اليهود كانوا يمارسون طقوساً تعتمد على التضحية بالأطفال المسيحيين.

وأضاف ليفي أن “حماس” عازمة بشدة على “الإبادة الجماعية لليهود والتضحية بمدنييها من أجل هذه القضية”، قائلاً إن إسرائيل “تدين بشدة قرار جنوب أفريقيا بأن تلعب دور داعية للشيطان، وأن تجعل نفسها متواطئة إجرامياً مع مرتكبي مذبحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشنت حركة “حماس” المسيطرة على قطاع غزة، هجوماً في السابع من أكتوبر أدى إلى مقتل أكثر من 1200 إسرائيلي واختطاف نحو 240 شخصاً، ومنذ ذلك الحين، شنت القوات الإسرائيلية حملة عسكرية مشددة أسفرت عن مقتل ما يزيد على 22 ألف فلسطيني في غزة، من بينهم نحو 9100 طفل، وفق أحدث تقرير صادر عن المكتب الإعلامي في غزة. وأصيب ما لا يقل عن 57 ألف من سكان غزة كما أصبح ما لا يقل عن 7 آلاف في عداد المفقودين.

تحدي المحكمة

وقال المتخصص في مجال القانون الدولي في جامعة تل أبيب إلياف ليبليتش لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية “إن الإبادة الجماعية هي انتهاك، وإثباته في المحكمة يتطلب عنصرين، أولاً عليك إظهار نية الإبادة، وثانياً أفعال محددة في الميدان تعزز هذه النية.”

وبحسب جنوب أفريقيا، فإن “النية تثبتها تصريحات شخصيات إسرائيلية رفيعة المستوى والأجواء العامة التي تدعو إلى محو غزة أو تسويتها بالأرض، كما أن الضرر الواسع النطاق الذي لحق بالمدنيين والجوع في غزة يظهر الفعل الحقيقي”.

ووفقاً لصحيفة “هآرتس” حذر متخصص بارز في الشأن القانوني ومطلع على الأمر القادة العسكريين الإسرائيليين، بمن فيهم رئيس الأركان هرتزل هاليفي، من أن هناك خطراً حقيقياً من أن تصدر محكمة العدل الدولية أمراً قضائياً يطالب بوقف إطلاق النار، مشدداً على أن “إسرائيل ملزمة أحكام المحكمة، حتى لو رأت أن محكمة العدل الدولية غير عادلة”.

وترتبط جنوب أفريقيا بعلاقات قوية مع منظمة التحرير الفلسطينية منذ عهد الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، والذي كان من أشد المؤيدين للمنظمة وزعيمها ياسر عرفات وقال في عام 1990 إن جنوب أفريقيا تتعاطف مع الفلسطينيين “لأنهم، مثلنا تماماً، يقاتلون من أجل حق تقرير المصير”.

ويرى عديد من مواطني جنوب أفريقيا أن كفاحهم ضد الاستعمار والفصل العنصري هو جزء من نضال الفلسطينيين، ودان الرئيس سيريل رامافوسا مراراً العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر.

ويقول مراقبون إن محكمة العدل الدولية تتمتع بتأثير خاص في تشكيل القانون الدولي والتصور العام، وهذا يعني أن اعتراف المحكمة باتهام جنوب أفريقيا بالإبادة الجماعية يمكن أن يشكل التصور العام بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة ويؤدي إلى فوضى دبلوماسية، لذا تخطط إسرائيل الآن لرفع حجج قوية أمام المحكمة الدولية ضد اتهامات جنوب أفريقيا.

فريق الدفاع

وتقوم الحكومة الإسرائيلية بجمع فريق من كبار المحامين من بين وزارات العدل والخارجية ومجلس الأمن القومي وجيش الدفاع الإسرائيلي، كما أن البحث جارٍ أيضاً عن قانونيين دوليين بارزين للمساعدة في الدفاع، حيث يتم ذكر المحامي الأميركي المثير للجدل آلان ديرشوفيتز كمدافع محتمل، وفي الوقت نفسه تتواصل الحكومة الإسرائيلية مع الحكومات الغربية للحصول على بيانات الدعم، ومن المرجح أن يطلب من أوكرانيا، التي رفعت قضية الإبادة الجماعية ضد روسيا، تقديم دعم رسمي.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن البروفيسور البريطاني البالغ من العمر76  سنة مالكولم شو، سيكون أحد أربعة محامين تم اختيارهم لتمثيل إسرائيل في القضية، وأوضحت أن وزارة العدل استعانت بخدمات شو، وهو يهودي صهيوني معروف بخبرته في القانون الدولي ويتمتع بخبرة واسعة في المثول أمام محكمة العدل الدولية والمنتديات العالمية الأخرى، وسبق له أن طرح مواقف مؤيدة لإسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في قضايا تتعلق بوضع فلسطين كدولة. كما أن شو، الحاصل على درجة الماجستير في القانون من الجامعة العبرية في القدس، قام أخيراً بتدريس دورة حول حقوق الإنسان والأراضي هناك.

ووفق صحيفة “بوليتكو” فإنه كجزء من الدفاع سيكون من المؤكد أن المدافعين عن إسرائيل سيقدمون تفاصيل الفظائع التي ارتكبتها “حماس” في السابع من أكتوبر من عمليات اغتصاب وقطع الرؤوس والاختطاف وقتل المدنيين العزل، بغض النظر عن العمر والجنس، وسوف يجادلون بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وأن القيام بذلك دون التسبب في وقوع خسائر في صفوف المدنيين أمر مستحيل بسبب الطريقة التي تختار بها “حماس” القتال من الاختباء خلف سكان غزة كمندسين بين المدنيين.

ووصفت المستشارة القانونية في منظمة “NGO Monitor” آن هيرزبيرغ، وهي منظمة غير حكومية محافظة في القدس تقدم تقارير عن نشاط المنظمات غير الحكومية الدولية من منظور مؤيد لإسرائيل، اتهامات جنوب أفريقيا بأنها “سخيفة”.

وقالت هيرزبيرغ إنه “تم اختزال مذبحة السابع من أكتوبر التي ارتكبتها (حماس) في فقرتين معقمتين في الموجز المكون من 84 صفحة”، مشيرة إلى أنه “يتجاهل تماماً تكتيكات الحركة المتمثلة في التغلغل داخل البنية التحتية المدنية وتحويل المساعدات الإنسانية المخصصة لشعب غزة”.