Home News التعليم في إيران لـ”الأغنياء فقط”

التعليم في إيران لـ”الأغنياء فقط”

6
0

في الوقت الذي قدم فيه مسؤولو النظام الإيراني إحصائيات رسمية تتحدث عن زيادة عدد الطلاب الذين لم يلتحقوا بعد بالمدارس إلى أكثر من 970 ألف طالب وطالبة، إضافة إلى ما لا يقل عن تسعة ملايين أمي في البلاد، فإن التقارير تشير إلى أنه وفي عشية العام الدراسي الجديد ارتفعت رسوم التسجيل والمبالغ المالية التي تتقاضاها المدارس من الطلاب تحت عناوين وتسميات مختلفة، مما أدى إلى عزوف آلاف الطلاب من الالتحاق بالمدارس، لافتة إلى أن أكثر من تضرر من هذه العقبات المالية هم الأطفال الأفغان الذين يعيشون في إيران والراغبون في الالتحاق بالمدارس.

أشار تقرير لجريدة “شرق” في عددها الصادر الأحد الـ10 من سبتمبر (أيلول) الجاري إلى “ارتفاع معدلات تسرب الأطفال من التعليم”. وقال إنه “في كل عام تزداد أعداد الأطفال الذين يتسربون من التعليم”، مضيفاً أن هذا الوضع هو “نتيجة للسياسات الاقتصادية والتعليمية الخاطئة للحكومات المتعاقبة” في إيران، مما أدى إلى تجاهل “المادة الـ30 من الدستور” و”الحقوق الأساسية للأطفال”.

وبالإشارة إلى ارتفاع عدد الأطفال الذين يتسربون من التعليم والزيادة المتزامنة في عدد الأطفال العاملين، فإن التقرير أكد أنه “بناءً على الإحصائيات المتوفرة فإن نسبة الأمية عام 2021 كانت 12 في المئة من مجموع السكان”.

وبناءً على تقرير مركز الإحصاء في سبتمبر الجاري، فإن عدد السكان في إيران بلغ الـ86 مليوناً و250 ألف نسمة، وعليه استناداً على معدل الأمية المعلن 12 في المئة عام 2021، فإن عدد الأميين في إيران لا يقل عن 10 ملايين و230 ألف شخص.

وفي هذا السياق، كان قد قدم وزير التربية السابق في حكومة إبراهيم رئيسي، يوسف نوري، إحصائيات مماثلة في 27 أغسطس (آب) الماضي، قائلاً إنه “فيما يتعلق بعدد الأميين في البلاد، وبحسب إحصاء عام 2016، والإحصائيات التي أعلنها مركز الإحصاء، فإن هناك ثمانية ملايين و795 ألف شخص أمي في البلاد”.

وأشار نوري إلى أن 160 ألف طالب يتسربون من التعليم في المرحلة الابتدائية، قائلاً إنه “وبحسب آخر المعلومات، فإن هناك 970 ألف شخص يتسربون من التعليم في إيران، إلا أن هذا العدد انخفض بنحو 150 ألفاً”.

وحذرت صحيفة “شرق” من “الأضرار المستقبلية على المجتمع الإيراني خلال العقد المقبل” بسبب زيادة أعداد المتسربين من التعليم، مؤكدة أن “دفع رسوم تعليم الأبناء” في المدارس الحكومية تحت عناوين وتسميات مختلفة بحجة “مساعدة المدرسة” أو “رسوم التسجيل”، من أهم الأسباب التي أدت إلى التسرب المدرسي لدى بعض الأطفال الذين تعتبر أسرهم من الشرائح المجتمعية الأقل دخلاً.

الأطفال الأفغان

نشرت في الأسابيع القليلة الماضية تقارير عدة تتحدث عن زيادة العوائق أمام تسجيل الأطفال الأفغان الذين يعيشون في إيران، وقالت صحيفة “شرق” إنهم “يواجهون مزيداً من التعقيد كل يوم”.

وأضافت الصحيفة أنه على رغم اقتراب بداية العام الدراسي فإن هناك كثيراً من هؤلاء الأطفال حتى هذه اللحظة لم يتمكنوا من التسجيل، كما تحدث عدد من الناشطين في مجال حقوق الأطفال، أنه في كثير من الأحيان حتى بعد استكمال جميع مستندات التسجيل، إلا أن لا يزال مديرو المدارس يرفضون تسجيلهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحدث المحام والمسؤول عن حقوق الإنسان في جمعية المحامين بإيران محمد صالح نقرة كار، للصحيفة قائلاً إنه على رغم من زيادة هجرة المواطنين الأفغان إلى إيران والصعوبة التي يواجهها هؤلاء من إدارة الحدود، فإن عدد الأطفال الأفغان في إيران ازداد أكثر من ذي قبل، وتزامناً مع هذا الوضع ازدادت العوائق أمامهم ولم تتمكن أسر هؤلاء الأطفال من تسجيل أبنائهم، كما أن المنظمات الأهلية أيضاً لم تجد أي إمكانية لتسجيل الأطفال الأفغان في المدارس الإيرانية.

وأشار نقرة كار إلى أنه بثلاث مناطق في الأقل بالعاصمة طهران، حيث كان على اتصال بالجمعيات الخيرية التي أنشئت لمساعدة تعليم أبناء الأجانب المقيمين، وجد أن هذه الجمعيات وقبل بدء العام الدراسي الجديد بـ15 يوماً، اكتملت طاقتها الاستيعابية، لأن أعداد الأطفال الأفغان قد ازدادت كثيراً، مضيفاً أنه وعلى سبيل المثال، فإن المدرسة التي تتسع لـ30 طالباً فقط، كان قد تقدم 300 طالب بطلب التسجيل فيها”.

فجوة تعليمية

مع إنشاء الجامعة الحرة (آزاد) عام 1982 للتعليم العالي لم يعد التعليم في إيران مجاناً، على المستويات المدرسية أضفى مجلس النواب بموجب القرار الصادر في عام 1988 الطابع الرسمي على إنشاء مدارس ربحية (خاصة)، وفي الوقت الذي وافق البرلمان على هذا القرار، أعلن المسؤولون الحكوميون أن الهدف هو الاستفادة من أموال القطاع الخاص لتطوير التعليم.

في واقع الأمر، وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، تحول إنشاء المدارس الخاصة إلى مشاريع مالية تدر على عدد من المسؤولين والمقربين من النظام. ووصل الأمر إلى درجة أن بعض من كبار المسؤولين في النظام استخدموا المرافق الحكومية لإنشاء مدارسهم الخاصة، أصبحت رسوم المدارس الخاصة فلكية، وعملياً تحولت هذه المدارس بخاصة لأطفال الأسر عالية الدخل، إذ تصل رسومها إلى عشرات الملايين من التومان.

في السياق ذاته، أعلن رئيس التعليم المدرسي والمراكز التعليمي غير الحكومية في وزارة التربية والتعليم عبر برنامج تلفزيوني أن الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة للعام الدراسي 2023-2024 تتراوح بين 48 و50 مليون تومان (500 مليون ريال إيراني: يعادل ألف دولار أميركي).

في تصريح للنائب في البرلمان الإيراني محمد حسن آصفري، قال إن الرسوم الدراسية في عديد من المدارس تتراوح بين 70 و100 مليون تومان، مضيفاً أن هناك فعاليات ترفيهية، منها رياضية وتعليم اللغة، تدخل ضمن الرسوم.

ارتفاع الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة شجع المدارس الحكومية أن تطلب رسوماً من عائلات الطلاب تحت ذرائع وحجج وعناوين مختلفة، وهذا ما جاء في تقرير صحيفة “شرق”، حيث رأت أن الرسوم التي تتقاضاها المدارس أكانت حكومية أو خاصة، من أهم العوامل التي أدت إلى زيادة التسرب من المدارس، لأن عديداً من الأسر هي من الفئات الدنيا وذات الدخل المنخفض ولا تستطيع تحمل هذه النفقات العالية.

وإضافة إلى ما ورد أعلاه، فإن التقرير يؤكد أنه حتى بالنسبة لإصدار الشهادة يطلب من الأسر أن تقوم بدفع رسوم مالية، ولهذا السبب لم يتمكن بعض الطلاب من تسلم شهادة النجاح لينتقل إلى الصف الأعلى.

ووفقاً للدراسة التي أجراها مكتب الدراسات الاجتماعية في وزارة الرعاية الاجتماعية، حول دخول الجامعات في العقد الأخير، تبين أن أصحاب الدخل المرتفع (المراكز الثلاثة الأولى من شرائح المجتمع الإيراني) مقارنة بأصحاب الدخل المتوسط والمحدود، هم أكثر من دخلوا جامعة بهشتي وعلامة طباطبائي بستة أضعاف.

وأكدت صحيفة “رسالت”، في تقريرها الصادر بتاريخ 20 يوليو (تموز) الماضي، أنه بناءً على الإحصائيات الرسمية الحكومية في اختبار دخول الجامعات لعام 2023 من المراكز الـ40 الأولى على مستوى البلاد، كان هناك ثلاثة طلاب فقط ممن درسوا في المدارس الحكومية.

ونقلت الصحيفة عن الرئيس السابق لقسم التعليم الثانوي في وزارة التربية والتعليم إبراهيم سحرخيز قوله إن هذه الإحصائيات تبين لنا أن فرص النجاح في اختبار دخول الجامعة له علاقة مباشرة بالقدرة المالية للأسر ووضعها الاقتصادي والاجتماعي، بينما فرص نجاح أبناء العائلات والشرائح المحرومة في اختبار الجامعة وحصولهم على مقاعد في الجامعات المرموقة ضئيلة جداً.

واعترف عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية منصور كبغانيان في مقابلة تلفزيونية، أن هناك 80 في المئة من الطلاب الذين نجحوا في اختبار دخول الجامعة هم من أبناء الأسر عالية الدخل، مضيفاً أنه من أصل ثلاثة آلاف طلاب ممن كانوا في مقدمة الذين نجحوا في الاختبار، اثنان في المئة منهم من أبناء الأسر المحرومة والأقل دخلاً في البلاد.

أعلنت حكومة إبراهيم رئيسي عن أهدافها في قطاع التربية والتعليم ورغبتها بتطوير المدارس في المدن والقرى والبلدات في العام الدراسي 2024-2025. وبناءً على هذا “صدر قرار بتسليم المدارس إلى ممثلي الإدارات المحلية والمؤسسات الثورية والمجموعات المؤهلة لإدارتها بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وإدارة الحوزات العلمية ومنظمة الدعاية الإسلامية ومنظمة المستضعفين والبلديات”.

في الواقع الأمر، حكومة إبراهيم رئيسي كغيرها من الحكومات الإيرانية التي سهلت إنشاء مدارس خاصة تحت عناوين وتسميات مختلفة، تدعي حكومة رئيسي أن “الغرض من تسليم المدارس إلى القطاع الخاص ونقل إدارتها إلى (مجالس الأمناء) هو من أجل زيادة دور الأسر والمعلمين في إدارة المدارس”.