Home News ليبيا والإعصار.. آلاف القتلى والجرحى.. لماذا؟ | آراء

ليبيا والإعصار.. آلاف القتلى والجرحى.. لماذا؟ | آراء

8
0

“عاصفة دانيال” التي اجتاحت المنطقة الشرقية في ليبيا، أمس الأول (الأحد)، جاءت بمثابة كارثة إنسانية مؤلمة، غير مسبوقة في البلاد منذ أربعة قرون. تكتنف عمليات الإنقاذ صعوبة بالغة على خلفية غياب حكومة موحدة في البلاد، وحالة السيولة والفوضى الشائعة بفعل الصراعات السياسية المشتعلة منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. العاصفة (دانيال)، ضربت مدن بني غازي، والبيضاء، وسوسة، وسرت، ودرنة، وخلفت أكثر من ألفي قتيل، بحسب وزير الصحة الليبي (عثمان عبد الجليل)، بحكومة أسامة حماد المُكلفة من البرلمان في مايو/ أيار الماضي. مصدر طبي ليبي أكد ارتفاع عديد القتلى إلى نحو 2800 قتيل، بينهم مالا يقل عن 1800- 1900 قتيل في “منطقة درنة”، نتيجة انهيار سدين بها، وهو الانهيار المؤدي لاندفاع سيول جارفة، دمرت المنطقة بشكل شبه كامل، مع تعذر إجراء حصر دقيق للخسائر. هذا، مع فقدان أثر سبعة آلاف عائلة، لا يزال مصيرها غامضا، وخسائر كبيرة في الممتلكات والطرق وشبكات الاتصالات، بفعل الفيضانات والسيول الناجمة عن العاصفة والتي أغرقت مئات البنايات السكنية، وهدمتها على قاطنيها، في العديد من المدن المنكوبة.

ظهور إعلامي.. وعواصف وكوارث سابقة

مسؤولون بحكومتي أسامة حماد، والوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة (قبل إقصائها بواسطة مجلس النواب)، والجيش الوطني الليبي، تناوبوا الظهور الإعلامي، والإعلان (فقط دون وجود واقعي) عن العاصفة وما أحدثته من قتل وتشريد ودمار، مع الإشارة إلى إجراءات كل منهم لمداواة تداعيات العاصفة ومتابعة عمليات الإنقاذ، وتقديم المعونات للمنكوبين. تتميز ليبيا بأجواء صحراوية غالبة، يطغى عليها الجفاف، فيما عدا المناطق الساحلية المُطلة على البحر الأبيض المتوسط، ولا تشهد هطول أمطار إلا قليلا.. رغم هذا فإن العواصف والأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية تنال منها على فترات متباعدة، وتُحدث بها أضرارا بالغة، أحيانا.

شهدت ليبيا العديد من العواصف التي ضربتها.. مثلما حدث عامي 1945، و1973، على التوالي، فهطلت أمطار غزيرة في المرة الأولى على مدينة طرابلس، نتج عنها تهدم بعض مبانيها القديمة، والمنطقة الشرقية (المنكوبة حاليا)، وانهارت بها جسور، وسدود، وطالتها خسائر بشرية، ومادية جسيمة. كما اجتاحها إعصار “كلاودس”، عام 1995، وهو الأسوأ، إذ بلغت سرعة الرياح 185 كم/ ساعة، مما أوقع خسائر هائلة ودمار شديد، بمنشآت النفط، والمناطق السكنية والزراعية، وتكرر الأمر ذاته في منطقة درنة عام 2018.. إلا إنه لا تتوفر بيانات موثقة عن القتلى والجرحى الذين سقطوا في هذه الكوارث السابقة.

من نظام العقيد القذافي.. إلى الثورة.. لا مؤسسات

مشكلة ليبيا أنها في ظل حُكم العقيد القذافي (1969- 2011)، لم تكن دولة مؤسسات.. بل كان القذافي دائم الترديد بأنها “جماهيرية عظمى”، دون اهتمام بإنشاء المؤسسات التعليمية والثقافية والصحية والاجتماعية اللازمة لدفع البلاد إلى الأمام تقدماً وتحضرا، والأخذ بيد المواطن الليبي إلى الترقي والرفاهة. من سوء طالع الشعب الليبي، أن نظام القذافي، بما يُميزه من عبثية وتهريج.. ربما كان لا يختلف كثير، عن الواقع الحالي إلا في تزايد العنف وانفجار الصراعات منذ اندلاع الثورة الليبية عام 2011.. فلم تتقدم ليبيا خطوة إلى الأمام.. بل راحت حتى الميليشيات الفوضوية المسلحة تعبث فيها. المواطن الليبي، هو الضحية، ويتغير حاله إلى الأسوأ، على مدار55 عاما مضت.. لذا، فالطبيعي، ألا تكون لدى ليبيا أي قدرة تنظيمية على التعاطي مع عاصفة دانيال التي اجتاحت شرق البلاد، يوم الأحد الماضي، فما تتداوله وسائل الإعلام، عن إجراءات الإغاثة والإنقاذ للمتضررين، ينقُصه التوثيق. ليس هناك غرفة عمليات لإدارة أعمال الإنقاذ وتنسيق جهود المؤسسات المعنية، وكيف تستطيع غرفة عمليات (إن وجدت) التنسيق بين حكومتين متصارعتين على السلطة؟.. ولا سمعنا عن أي أنشطة ذا بال لمواجهة الإعصار، وحماية الأفراد من المخاطر المترافقة مع الأعاصير وهي معروفة.

انقسامات وصراعات

لم يكن الشعب الليبي في حاجة إلى مثل هذه الكارثة التي ترجع إلى أسباب متعلقة بالطبيعة، والتغيرات المناخية، فقد مزقته الانقسامات والصراعات السياسة والمُسلحة الدائرة منذ عام 2001. هذه الصراعات التي لا تكاد تهدأ حتى تشتعل مُجددا، في صراع صفري يسعى كل طرف من أطرافه إلى إقصاء الأطراف الأخرى من المشهد للانفراد به وحيدا. إلى جانب إغراء السلطة والحكم كدافع للصراع في ليبيا، يُعد “النفط”، دافعا، مثيرا، ومُحركا قويا لــ “القوى المتصارعة” التي يحظى بعضها بدعم قوى إقليمية ودولية، حتى يمكن اعتبار الصراع دوليا بالوكالة.. الطبيعي والحال هكذا، أن يتعقد الصراع الداخلي، انعكاسا لتنافر مصالح القوى الخارجية الداعمة. “الحقول النفطية” الليبية تتوزع على عدة مناطق، وأهمها حسب الطاقة الإنتاجية لها، سرت الشرقية (350 ألف برميل يوميا)، وكلٍ من شرارة (300 ألف برميل)، والفيل (70 الف برميل) في الجنوب الغربي للبلاد. وبحسب مصادر متخصصة، فإن الطاقة الكلية للآبار مجتمعة، تبلغ مليون ومئتي ألف برميل يوميا، تصل عائداتها إلى 22 مليار دولار سنويا، وهو عائد ضخم يتيح لمن يمتلكه السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد. وتمتلك ليبيا احتياطيا نفطيا، يُقَدّر بـ 48.36 مليار برميل، عام 2020. هذه العوامل كلها، للأسف تنال من الشعب الليبي الشقيق، وتغتال حقه في حياة كريمة.. نحن أمام دولة نفطية، لديها موارد ضخمة، لو تم توظيفها على نحو جيد لصالح البلاد والشعب الليبي، فهذه الموارد كقيلة بالمساهمة في النهوض والتنمية.

لو كانت هناك حكومة واحدة، ودولة مؤسسات في ليبيا.. ربما كانت قد تهيأت بالخطط اللازمة للطوارئ، تلافيا لتداعيات الكوارث الطبيعية، ولكان هناك سدود قوية لا تنهار أمام السيول، فُتزيد حجم الكارثة وتُضاعف من القتلى والمصابين.. لكنها النكبة التي تطار شعوبا عربية عديدة، منكوبة بحكامها المستبدين، وساسة انتهازيين يسعون لجني الغنائم.

خالص العزاء للشعب الليبي، في مصابه الجلل، نسأل الله الرحمة للمتوفين في الإعصار، والشفاء للجرحى، والصبر للمكلومين.