Home News لماذا تتجاهل السلطات الجزائرية مبادرات الأحزاب السياسية في البلاد؟

لماذا تتجاهل السلطات الجزائرية مبادرات الأحزاب السياسية في البلاد؟

22
0

بعد ثلاثة أشهر من إطلاقها، لا تزال السلطات الجزائرية تتفادى التفاعل مع مبادرات سياسية أعلنت عنها أحزاب في الموالاة والمعارضة في محاولة لتحريك المشهد السياسي في البلاد بسبب التراجع الكبير في العمل الحزبي وفقدان الثقة في التنظيمات السياسية.

نأي السلطة السياسية في الجزائر بنفسها عن التفاعل مع المبادرات السياسية التي تطرحها الأحزاب المحسوبة على تيار الموالاة أو تيار المعارضة ليس جديداً، إنما يعود إلى سنوات مضت، حين تعاملت ببرودة مع كل التحركات والبيانات والوثائق التي أصدرتها أحزاب وشخصيات مستقلة، وكانت احتجاجات الحراك الشعبي القشة التي قصمت ظهر البعير حين رفعت التظاهرات مطالب بإبعاد القوى السياسية والحزبية من المشهد.

 

واستغلت السلطة الفرصة وتوجهت نحو تشجيع فرقاء جدد ودعمهم ليتصدروا المشهد الداخلي لا سيما منظمات المجتمع المدني، ومنحتها صفة الشريك الاجتماعي والسياسي، ودفعت بتنظيمات وجمعيات إلى الواجهة، وشجعت الشباب على خوض الاستحقاقات الانتخابية في قالب مستقل، ما أفرز ثلث أعضاء البرلمان من المنتخبين المستقلين الأمر الذي أسهم في ركود المشهد السياسي بشكل لافت.

والمبادرات الجديدة تعيد إلى الأذهان سيناريو “مبادرة قوى الإصلاح الوطني” التي أطلقت، صيف 2020، قبيل الاستفتاء على دستور نوفمبر (تشرين الثاني)، التي انعقدت آنذاك في أحد فنادق الجزائر العاصمة، لكن سرعان ما اندثرت المبادرة.

تكتل حزبي

المبادرة السياسية الأولى طرحها المرشح السابق لرئاسيات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة تحت شعار “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل” وتهدف إلى “تشكيل جبهة داخلية في مواجهة التحديات الخارجية ما يتطابق مع الخطاب السياسي الرسمي في البلاد الذي يركز على التهديدات الخارجية التي تستهدف أمن واستقرار الوطن”، وعلى رغم تمكن بن قرينة في استقطاب عدد لا بأس به من التشكيلات، ليعلن بذلك عن ميلاد أول تكتل سياسي يضم الموالاة منذ قدوم الرئيس عبد المجيد تبون إلى قصر المرادية، إلا أن تجاوب السلطات معه كان فاتراً ولم يتجاوز حدود المجاملة، إذ قال الرئيس تبون “نرحب بكل مبادرة من شأنها تدعيم الجبهة الداخلية وكل ما له صلة بالخط الوطني مرحب به”.

ومن المنتظر أن يفصل أصحاب “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل”، في إمكان طلب لقاء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال اجتماع سيضم رؤساء الأحزاب المنضوية تحت لواء المبادرة، الذين سيبحثون أيضاً في آليات وكيفيات تطبيق التوصيات المنبثقة عن الندوة التي عقدت في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي، وحملت في طياتها دعوة صريحة للسلطات من أجل التعاون والإسهام في تنبيه الرأي العام بحجم المخاطر التي تهدد البلاد.

وانخرطت في المبادرة خمسة أحزاب مشاركة في الحكومة، هي حركة البناء الوطني، وجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وصوت الشعب، وجبهة المستقبل، إضافة إلى حزب الكرامة، واتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية، وتجمع أمل الجزائر، إضافة إلى نقابات مهنية على غرار الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكونفدرالية أرباب الأعمال ومنظمة أبناء الشهداء والكشافة وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

ولم تفتح المبادرة شهية حركة مجتمع السلم وحزب جيل جديد للانخراط فيها، واعتبرت نفسها غير معنية لأسباب سياسية، وبسبب ما اعتبرته عدم وضوح المعالم والأهداف والأسباب.

ركود سياسي

من جهتها، تعتزم جبهة القوى الاشتراكية المعارضة في الجزائر، بلورة وطرح مبادرة سياسية، تهدف إلى تحريك الركود السياسي وبلورة مقاربة الخروج من الأزمة، وقال الأمين الوطني الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، في ندوة صحافية، إن “المبادرة موجهة لكل القوى السياسية، وإنها تلتزم الدفاع عن دولة القانون والحريات والعدالة الاجتماعية والمواجهة الحازمة بكل الصرامة المطلوبة، عندما يتعلق الأمر بمحاولات داخلية أو خارجية تستهدف المساس بسلامة ووحدة البلاد”.

وكانت ثلاثة أحزاب سياسية تقدمية، هي حزب العمال، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، والاتحاد من أجل التغيير والرقي، قد أعلنت عن وثيقة سياسية تتضمن خلاصة مشاورات جمعت بين هذه القوى السياسية، دعت فيها إلى مبادرة سياسية تشمل خطوات تهدئة سياسية في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال أحمد محمود خونا نائب رئيس حركة البناء الوطني الجزائرية إن المبادرات السياسية التي أطلقتها الأحزاب الوطنية لم تستكمل أركانها حتى الآن لمخاطبة السلطة، وإن من المبكر القول إن السلطة السياسية لم تتفاعل مع المبادرات، وأوضح، في تصريحات صحافية، أن “المبادرات حتى الآن لم تستكمل أركانها لمخاطبة السلطة، وأهم مبادرة استكملت جزءاً كبيراً من أركانها هي مبادرة تعزيز التلاحم الوطني، لكنها لم تأخذ خطوة من أجل التوجه نحو السلطة السياسية”، وتابع “صحيح أنها خرجت بتوصيات، لكنها اتجهت نحو النخب بهدف بلورة أفكار المبادرة بشكل أفضل، وتحويلها إلى برامج وآليات عمل لتأمين مستقبل البلاد”، وأشار إلى أن رهان المبادرة هو على “مستقبل الجزائر وليس رهاناً انتخابياً”.

كسل حزبي

وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الجزائري نور الصباح عكنوش، إن من الضروري “إعادة تعريف الظاهرة الحزبية في الجزائر ليس على المستوى المفاهيمي فقط، بل على المستوى الوظيفي والفكري والمجتمعي لأن الواقع أن الأحزاب في الجزائر إدارية وليست سياسية من حيث طبيعة النخب ونمط العمل”، وأوضح أن الأحزاب السياسية في الجزائر كيانات تتأثر بالأحداث ولا تؤثر فيها وتنتظر بدل أن تبادر، بالتالي، هي غير فاعلة ومنغلقة على كوادرها وغير منفتحة على المجتمع، وأضاف أن الأحزاب ما زالت تقليدية وتعاني من أزمة حقيقية هوياتياً وبنيوياً “فلا حزب الآن لديه مراكز دعم القرار، ومؤسسات علمية للاستشراف ورسم السياسات، ونخب عضوية منتجة للقيم والرؤى، ما أثر سلباً في الحياة السياسية باستثناء بعض المبادرات وغالبيتها تحت الطلب لتلبية حاجيات ظرفية من دون رؤية استراتيجية بعيدة المدى”، وتابع “هذه المبادرات غير مبتكرة ومستنسخة ومستهلكة شكلاً ومحتوى لأنها مرتبطة بأجندات محددة في الزمان والمكان كالتشريعيات أو الرئاسيات على غرار رئاسيات 2024 للتحالف مع السلطة أو البقاء فيها أو إلى جانبها حسب علاقات المصلحة وموازين القوى”، وقال نور الصباح عكنوش، إن “عديداً من الأحزاب تجازوها الزمن وهي تحتاج لحوكمة جديدة في أجهزتها وخطابها ومشاريعها، وهنا لا نختلف إذا قلنا إن القضية لا تحتاج إلى قوانين جديدة بل بيئة جديدة وقيم جديدة تعيد إنتاج حياة حزبية سليمة بدل الفراغ الحزبي الراهن الذي أنتج كسلاً تنظيمياً وفشلاً تدبيرياً وجموداً هيكلياً انعكس على جودة المجتمع السياسي ككل من حيث الأداء والبرامج في ظل تحديات كبرى تمر بها البلاد نحو بناء جبهة داخلية قوية”.

وقال الإعلامي الجزائري محمد طيبي إن “غالبية أصحاب المبادرات السياسية تمثل أحزاباً مجهرية غير فاعلة في الساحة، تفتح أبوابها مع المواعيد الانتخابية وتغلقها بانتهائها، وعادة ما تضع نفسها طواعية كعجلة خامسة يستعين بها النظام عند كل مأزق سياسي”، وأوضح أن شعار “المبادرة الوطنية لتعزيز التلاحم وتأمين المستقبل” يغرد خارج ما يطرح في الجزائر، “ولا يوجد أصلاً ما يفرق بين الجزائريين ليتلاحموا، لأن ما تعانيه الجزائر حالياً هو أزمة سياسية بالدرجة الأولى، وعليه، فإن هذه المبادرة ولدت ميتة ولا تعدو أن تكون مجرد واجهة دعائية لتكريس خطاب السلطة والقفز على الواقع، باستخدام خطاب مستنسخ وتسويقه بوسائل دعائية بدائية”، وتابع أن المواطن الجزائري بات لا يثق بالأحزاب السياسية، ويتوجب على الأحزاب الفاعلة تجنب أخطاء الماضي ومحاولة كسب الشباب لأنهم رهانها للنجاح.