Home News متى يتوقف رمي النفايات الخطرة تحت سجادة الدول النامية؟

متى يتوقف رمي النفايات الخطرة تحت سجادة الدول النامية؟

11
0

ابتكارات رائعة وحياة مرفهة جلبتها لنا التطورات التكنولوجية في العصر الحديث، ولكن هذا لا يخفي وجهاً مظلماً، هو توليد النفايات الخطرة.

فمن البقايا السامة لبطاريات السيارات والألواح الشمسية، إلى الإرث المؤلم لمياه مفاعل فوكوشيما الياباني والنفايات الإلكترونية وسواها، كلها تحديات معقدة على صعيد العالم، تتطلب اهتماماً فورياً وإدارة مسؤولة من قبل الدول.

وأخيراً وضعت أزمة تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما النووية يدها مرة أخرى على قضية النفايات الخطرة، وكيفية تعامل الدول معها.

هذه المعضلة المثيرة للجدل التي بدأت في أعقاب كارثة عام 2011 بسبب الزلزال الذي ضربها، لا تزال تدق نواقيس الخطر. وأثار قرار إطلاق المياه المعالجة في المحيط الهادئ مخاوف بين المجتمعات المحلية ونشطاء البيئة والدول المجاورة، كما أدت إلى أزمة بين اليابان والصين، ودفعت الأخيرة لوقف وارداتها من منتجات اليابان البحرية، رافقتها احتجاجات شعبية في كوريا الجنوبية، بعد أن بدأت شركة طوكيو للطاقة الكهربائية المشغلة للمحطة في تصريف المياه المعالجة التي كانت تستخدم لتبريد مفاعلات نووية. وبعد تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنه لا أخطار تذكر لهذا التصريف، أكدت الشركة المشغلة أن عينات من مياه المحيط أخذت بعد التصريف أظهرت أن الإشعاعات فيها تبقى ضمن المستويات الآمنة.

 

هذه الأزمة تعيد إلى الواجهة أزمات النفايات الخطرة وكيفية تعامل الدول معها. فقلما كانت تفكر المؤسسات الصناعية كيف ستتفكك منتجاتها واختراعاتها، وأين ستدفنها. فما هي النفايات الخطرة؟ تحتوي بعض النفايات على مواد تشكل خطراً على البيئة والصحة العامة. وتشمل مواد سامة وكيماويات خطرة ومواد إشعاعية ومواد يمكن أن تلحق ضرراً جسيماً في حال عدم معالجتها بشكل مناسب.

ما الذي يجعل هذه النفايات خطرة؟

تسبب المواد الكيماوية الخطرة مثل الأحماض والسموم الكيماوية والمذيبات الكيماوية التي تستخدم في الصناعات الكيماوية والصيدلانية والطبية وصناعات التعدين والبترول والتصنيع والأبحاث العلمية تلوثاً في المياه والتربة.

كما تمثل المواد السامة مثل الزئبق، والرصاص، والأمونيا، والسيانيد، خطراً على البيئة والكائنات الحية. وهي تستخدم عادة في الزراعة لقتل الآفات والحشرات الضارة.

ومثلها المواد الإشعاعية مثل النفايات النووية والإشعاعية التي يستخدمها الطب لأغراض التصوير الشعاعي وعلاج الأمراض السرطانية بالأشعة، وبعض البحوث العلمية والتطبيقات الصناعية كالتفتيت النووي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعد المواد الحيوية Biomaterials الخطرة، كالميكروبات والبكتيريا المعدلة وراثياً، التي تستخدم في البحوث العلمية والصناعات البيولوجية والطبية والبحوث الجينية والإنتاج الدوائي مسبباً في تفشي بعض أمراض خطرة.

كذلك فإن الزيوت والشحوم السامة يمكن أن تلوث المياه والتربة وتسبب ضرراً للحياة البحرية.

وفي الوقت الذي تسخر الطاقة المتجددة من خلال الألواح الشمسية، إلا أنه غالباً يتم تجاهل الثمن البيئي الخفي، وهو التخلص من البطاريات المستخدمة فيها، وهي تحتوي على مواد سامة مثل الرصاص والليثيوم والكادميوم، وتؤدي إلى أخطار صحية وبيئية. والمفارقة أنه في حين تعتبر الطاقة الشمسية طاقة نظيفة ومستدامة، فإن التخلص غير السليم من مكوناتها يؤدي إلى أزمة النفايات الخطرة.

ويؤدي الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية إلى زيادة موازية في النفايات الإلكترونية. فهذه الأجهزة التي توفر الراحة لحياتنا، وتعد ممراً إلزامياً لمعظم الأعمال، تحتوي على مكونات خطرة مثل الزئبق والرصاص ومثبطات اللهب، لذا لا بد من اعتماد طرق فعالة لإعادة التدوير والتخلص منها.

معالجة النفايات الخطرة

تتطلب النفايات الخطرة إجراءات خاصة للتخلص منها بشكل آمن وعلمي وصحي. تبدأ بالتعامل الحذر بها، وإدارة صحية لتجنب تأثيراتها الخطرة على الصحة البشرية والبيئة، وإجراءات خاصة ودقيقة لضمان التخلص منها بشكل آمن يحول دون تلوث البيئة أو تعريض الصحة البشرية وصحة الكائنات للخطر.

عادة تبدأ الإجراءات بالتخزين الموقت للنفايات الخطرة في أماكن آمنة ومعزولة عن البيئة المحيطة، في حاويات محكمة الإغلاق، وملصق عليها معلومات عن النفايات وخصائصها. يليها المعالجة الفيزيائية والكيماوية لتحويلها إلى مواد غير ضارة أو لتقليل تأثيرها السلبي، كالتفتيت الحراري والتجميع الكيماوي. لتدفن لاحقاً في مواقع مجهزة، قد تكون محاجر قديمة أو أماكن مجهزة بتكنولوجيا معينة للحد من تسرب أي المواد الضارة، كما يمكن إعادة تدوير بعض المكونات غير الخطرة كإعادة تدوير المعادن أو بعض المواد الكيماوية.

أما النفايات الإشعاعية فتعالج بفصل المواد الإشعاعية عن المواد الأخرى وتخزينها بشكل آمن.

 

تعاون عالمي والدول النامية

رغم التشريعات التي نفذتها عديد من الدول للتحكم في توليد النفايات الخطرة ونقلها والتخلص منها. والقوانين التي تعمل على مساءلة الصناعات عن الإدارة السليمة للنفايات وتقليل التأثير البيئي. وعلى رغم الابتكارات التكنولوجية التي تقدم حلولاً لمعالجة النفايات الخطرة قبل التخلص منها، وإعادة التدوير والاسترداد لأنواع معينة من النفايات الخطرة، والاتفاقيات كـ”اتفاقية بازل” التي تدعو إلى تنظيم حركة النفايات الخطرة عبر الحدود وتسهيل الإدارة المسؤولة. فإن أزمة النفايات الخطرة ما أن تهدأ لتعود إلى خريطة العالم حاملة بطاقة هجرة نهائية من الشمال الغني باتجاه الجنوب الذي بات يعد مكب نفايات عالمياً خطراً. وتعتبر أكرا عاصمة غانا مكباً للنفايات الإلكترونية بشكل خاص لتلك الآتية أوروبا. وتتصدر تركيا قائمة الدول الأكثر استيراداً لنفايات أوروبا، وتأتي مصر في المركز الثالث.

وفي حين بدأت الدول الصناعية في أوروبا في سبعينيات القرن الماضي بسن قوانين للمحافظة على البيئة كان نتيجتها إعادة تدوير النفايات العادية والنفايات الخطرة، إلا أن كثرة الإنتاج بالتالي كثرة المخلفات، وارتفاع كلفة اليد العاملة جعلها تصدرها إلى دول العالم الثالث، ما أدى إلى كوارث على البيئة والكائنات على المدى الطويل. حيث لا تلتزم الدول النامية بطرق المعالجة والدفن الصحيحة، ويرمى كثير من هذه النفايات في الأنهار والبحار، عدا عن تلك التي تشكل مكباً لنفايات إلكترونية يسترزق منها الناس.

دول رائدة في التخلص من نفاياتها

من البديهي أن تكون للدول الصناعية اليد العليا في إدارة النفايات الخطرة والتخلص منها كونها منتجها الأصلي. فتستخدم ألمانيا تقنيات متقدمة للفصل والمعالجة والتخلص من النفايات الخطرة، بما في ذلك المعالجة الحرارية والتخزين الآمن. وتمتلك سويسرا أنظمة دقيقة لإدارة النفايات الخطرة. وللتخلص منها تركز على التفتيت الحراري وإعادة التدوير. وتتعامل هولندا مع المواد الكيماوية الخطرة والنفايات الإشعاعية بشكل آمن. وتستفيد السويد من محطات معالجة حرارية لتحويل النفايات إلى طاقة.

وأخيراً تقوم الإمارات العربية المتحدة بمبادرات وسن التشريعات البيئية، والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية لوضع ضوابط صارمة لإدارة النفايات الخطرة، في إطار المحافظة على البيئة، وتزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ الذي يعقد في نهاية العام في إكسبو دبي.

وفي دراسة أجرتها الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ تبين أنه كلما تحسن الوضع الاقتصادي وزاد دخل الفرد، زاد حجم النفايات الصلبة. ولاحظت أن معدل إنتاج النفايات ارتفع في كل من البلدان المتقدمة والنامية معاً. وإن الكمية الإجمالية للنفايات للفرد الواحد زادت بنسبة 54 في المئة في الدول المتقدمة و35 في المئة في البلدان النامية بين عامي 1980 و2005.

ولكن الدراسات الحديثة أشارت إلى تراجع إنتاج النفايات في البلدان المتقدمة بسبب السياسات الضرائبية، في حين زادت في البلدان النامية التي تفتقد هذه السياسات، بعد أن فتحت أبوابها لتدفق المنتجات من دون ضوابط بيئية والمتاجرة به.

ويبدو أن هذه الدول ستظل تدفع أثماناً بيئية باهظة، ما لم تنتهج قوانين صارمة تحولها من مكبات إلى دول منتجة ومصنعة، وقادرة على التعامل مع نفاياتها.