
عادت حدة المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى الارتفاع في الحرب التي دخلت شهرها السادس في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم، وبحري، وأم درمان) أمس الجمعة، بعد تراجع وتيرتها لأكثر من أسبوع، فشهدت مدينتي الخرطوم وأم درمان قصفاً مدفعياً عنيفاً متبادلاً بين الطرفين، فضلاً عن غارات جوية مكثفة شنها الطيران الحربي على مراكز “الدعم السريع” في نقاط عدة ضمن أحياء العاصمة، مما أحدث انفجارات قوية تصاعدت على أثرها أعمدة الدخان بكثافة.
وبحسب شهود، فإن الطيران الحربي التابع للجيش شن غارات جوية متواصلة طوال يوم الجمعة على تجمعات “الدعم السريع” في مواقع عدة تتنشر في الأحياء الواقعة جنوب الخرطوم وشرقها، كالرياض والطائف والجريف والشجرة وشارع الستين. وأضاف الشهود أن “انفجارات قوية سمع دويها في مواقع عدة ومتفرقة من العاصمة جراء القصف المتبادل بين القوتين، وتوالى أيضاً القصف المدفعي العنيف المتبادل بين الطرفين والذي تركز في جنوب مدينة أم درمان وأحياء غربي الحارات”.
وأشارت مصادر إلى أن الجيش السوداني دمر شاحنات محملة بصناديق ذخيرة تابعة للدعم السريع بجوار الاذاعة والتلفزيون في أم درمان. كما سلم الجيش، ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 30 أسيراً قاصراً احتجزهم أثناء قتالهم في صفوف “الدعم السريع” خلال المعارك السابقة، على أن يقوم ممثلو المنظمة الدولية بتسليمهم إلى المجلس القومي لرعاية الطفولة تمهيداً لتسليمهم لذويهم.
رعب وغلاء
وقال صحافي سوداني من أم درمان إن “الوضع في العاصمة عاد إلى التوتر بعد هدوء نسبي خلال الأيام العشرة السابقة، فالقصف المدفعي الكثيف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة لم ينقطع طوال أمس، مما شكل رعباً وسط السكان الذين لزموا منازلهم خوفاً من الاصابة بشظايا أو مفرقعات وغيرها بسبب القصف العشوائي”. وأضاف “تراجعت وتيرة الاشتباكات بين الجانبين وجهاً لوجه عما كان يدور في السابق، بينما تتركز المعركة الآن على القصف المدفعي والجوي، دون تغير مواقع السيطرة، وهو ما يشير إلى صعوبة حسم أي من الطرفين لهذه الحرب، لكن المشكلة أن مناطق عدة تعاني من نقص كبير في المؤن الغذائية، فضلاً عن ارتفاع الأسعار بصورة مبالغ بها في ظل شح النقود لدى المواطنين”.
إدانة القصف
ودان عضو في هيئة “محامي الطوارئ” في السودان، عمليات القصف المدفعي العشوائي الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي تسبب أمس الجمعة بمقتل وإصابة العشرات جراء سقوط قذائف مدفعية ثقيلة على مناطق متفرقة في أم درمان والخرطوم.
وأشار بيان صادر عن الهيئة ذاتها إلى أن “سقوط قذيفتين بضاحية أمبدة غربي أم درمان أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين بجروح خطيرة، كما قُتلت سيدة وشخص آخر جراء قذائف مدفعية ورصاص قناصة في حي العباسية بأم درمان، كذلك تسبب قصف مدفعي على منطقة عد حسين، وحي الأزهري جنوبي الخرطوم في إصابة طفل وتدمير عدد من المنازل”.
وحض البيان المجتمع الدولي والإقليمي والمؤسسات القارية والأممية المعنية بحماية المدنيين على الضغط على طرفي النزاع من أجل حماية المدنيين العزل الذين تحصد أرواحهم القذائف العشوائية، وضمان احترام القانون الدولي الانساني وتنفيذه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجنيد أطفال
من جانبه اتهم المجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان قوات الدعم السريع “بتجنيد آلاف الأطفال وارتكاب انتهاكات بحق آلاف آخرين”، مؤكداً أن “هذه القوات مارست سلوكاً مشيناً بتجنيد أطفال قصر قسراً وأجبرتهم على القتال، بربطهم بقواعد المدافع على ظهور سيارات الدفع الرباعي”. وأضاف أن “هذا السلوك المشين الذي اتبعته ميليشيا الدعم السريع ترتب عليه إزهاق أرواح 4850 طفلاً، كما تسبب في إصابة 1150 آخرين بجروح خطيرة وقاتلة”.
ولفت المجلس إلى أن “قوات الدعم السريع بدأت في تجنيد الأطفال منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل/ نيسان الماضي، في معسكرات بشرق النيل بالخرطوم بحري وجنوب أم درمان، قبل أن يمتد التجنيد ليشمل منطقة أم رماد في شمال كردفان والدبيبات في جنوب كردفان وأبو زبد في غرب كردفان”.
وطالب المجلس بمعاقبة قوات الدعم السريع أمام المحكمة الجنائية الدولية، “لتجنيدها 6 آلاف طفل، منهم من قضى نحبه ومنهم من يعاني آلام جروح خطرة”، مشيراً إلى أن “التجنيد القسري للأطفال بواسطة الدعم السريع لا يزال مستمراً”.
ورأى المجلس أن “تجنيد الأطفال يعد عمل متطرف وإرهابي وإجرامي، تعاقب عليه القوانين الدولية الجنائية للأمم المتحدة”، مبيناً أن “قوات الدعم السريع ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق 6750 طفل، ما بين قتيل وجريح ومشرد وفاقد للعلاج، وذلك في الخرطوم وولايات دارفور وكردفان”.
تهديد بالانقسام
في غضون ذلك، أثار تهديد قائد “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو “حميدتي” بتشكيل حكومة موازية عاصمتها الخرطوم، في حال أقدم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، على اعلان حكومة في مدينة بورتسودان، ردود فعل واسعة من قبل القوى السياسية الرافضة لأي اتجاه من هذا القبيل كونه يؤدي إلى انقسام البلاد.
واعتبر تحالف “قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي”، “تلويح كل من طرفي الحرب بتشكيل حكومة في مواقع سيطرته أمراً خطيراً سيقود إلى تقسيم السودان وتفتيت وحدته، وتوسيع دائرة الحرب وتحويلها إلى حرب أهلية شاملة”.
وأشار التحالف إلى أنه منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، “لا شرعية لأي جهة في السودان لتكوين أي حكومة”، مؤكداً أنه يجري اتصالات مباشرة وفورية مع طرفي القتال لحثهما على تجنب أي خطوات حالية أو مستقبلية تفضي إلى تمزيق البلاد، وسيعمل على تشجيعهما على التفاوض من أجل وقف الحرب ومعالجة الوضع الإنساني الكارثي.
واعتبر حزب الأمة القومي في السودان، “التصريحات الخطيرة التي رد بها قائد الدعم السريع على أصوات الجماعات الداعمة للبرهان والمطالبة بتشكيل حكومة تصريف أعمال في مدينة بورتسودان، تطوراً خطيراً في مسار الحرب، كونها ستؤدي إلى انقسام البلاد وانزلاقها نحو الحرب الأهلية، مع استمرار الاستقطاب الحاد على أسس جهوية وقبلية، واستشراء خطاب الكراهية الذي تحفزه جهات تنتسب إلى الطرفين”.