
فرضت قوات سوريا الديمقراطية حظر تجول اعتباراً من صباح السبت ولمدة 48 ساعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها من محافظة دير الزور حيث قُتل 54 شخصاً على الأقل في معارك دارت هذا الأسبوع بين وحداتها التي يهيمن عليها الأكراد ومقاتلين تابعين لعشائر عربية.
وانفجرت الأوضاع في دير الزور بعد أن أوقفت قوات سوريا الديمقراطية الأحد قائد “مجلس دير الزور العسكري” أحمد الخبيل، المعروف بأبي خولة، في مدينة الحسكة.
وأثار توقيف هذا القيادي توتراً تطور إلى اشتباكات مسلحة أوقعت بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان 54 قتيلاً على الأقل، وفق حصيلة جديدة أوردها مساء الجمعة.
وأوضح المرصد أن غالبية هؤلاء القتلى هم من أنصار أبي خولة، لكن في عداد هذه الحصيلة أيضاً ستة قتلى مدنيين.
وتتألف قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، من فصائل كردية وعربية على رأسها وحدات حماية الشعب الكردية. وتتمركز هذه القوات على الضفة الشرقية لنهر الفرات الذي يقسم محافظة دير الزور.
ولا يدير الأكراد المناطق الخاضعة لسيطرتهم في دير الزور وخصوصاً تلك التي يشكل العرب غالبية سكانها، مباشرة بل عبر مجالس محلية، مدنية وعسكرية، في محاولة منهم لتخفيف الحساسية العربية-الكردية.
ومجلس دير الزور العسكري الذي يتبع الإدارة الذاتية الكردية يضم مقاتلين محليين يتولون أمن المناطق التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية بعد دحر تنظيم “داعش” من دير الزور.
وليل الجمعة، قالت قوات سوريا الديمقراطية في بيان “يعلن المجلس العسكري لدير الزور وقوى الأمن الداخلي حظراً للتجوال في منطقة دير الزور، يبدأ من الساعة الخامسة من صباح يوم الثاني من سبتمبر (أيلول) ولمدة 48 ساعة”.
واتهم البيان “مجموعات مسلحة تابعة لبعض الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وكذلك خلايا داعش” بالسعي “لإحداث فتنة في المنطقة”. وبحسب البيان يرمي حظر التجول إلى “حماية حياة المدنيين وممتلكاتهم من تخريب المجموعات المسلحة المرتزقة، ومنعهم من الاختباء ضمن تحركات المدنيين”.
طموح الإمارة
ومنذ الإثنين الماضي تحولت منطقة ريف دير الزور الشرقي إلى ساحة ساخنة في خضم اعتقال وعزل قوات سوريا الديمقراطية لأبي خولة من قيادة مجلس دير الزور العسكري.
فتيل الأحداث الأخيرة بدأ في 25 يوليو (تموز) الماضي عندما حاولت دورية من الانضباط العسكري (الشرطة العسكرية) التابعة لـ “قسد” استلام حواجز المنطقة من مجلس دير الزور العسكري في بلدة الصور، لكن اشتباكات مسلحة بين الطرفين أدت إلى مقتل عنصرين من المجلس وتزامن ذلك مع أوامر من أبي خولة بقطع الطرقات ومحاصرة مقرات قيادية لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما زاد من التوتر في المنطقة ذات الطابع العشائري والتي كانت تعيش توتراً وانقساماً حول دور القيادي بمجلس دير الزور العسكري الذي كان منشغلاً خلال الأشهر الماضية بدعوة وجهاء لقبوله كزعيم قبلي وتأسيس إمارة الزبيد بريف دير الزور، بحسب تسجيلات صوتية انتشرت الشهر الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن سرعان ما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن فتحها للتحقيق في مجريات الحادثة مشيرة إلى أنها “لن تتهاون في مثل هذه الأفعال التي تهدد أمن واستقرار المنطقة” الأمر الذي أدى إلى هدوء حذر في المنطقة حتى يوم الأحد الماضي عندما أعلن عن حظر للتجوال في مدينة الحسكة، والتي تزامنت مع إطلاق “قسد” لعملية “تعزيز الأمن” بريف دير الزور، لكن معلومات مسربة من أفراد من عائلة الخبيل أفادت بأنه احتجز أثناء الحظر في مدينة الحسكة داعين في الوقت نفسه العشائر لحمل السلاح وقتال قوات سوريا الديمقراطية والإفراج عنه.
الاشتباكات
عمت الاشتباكات في عدد من القرى والبلدات التي تتواجد فيها المقرات والنقاط التابعة لـ”قسد” بالإضافة إلى الحواجز والسيطرات الأمنية في المنطقة وأعلنت “قسد” حتى حينه عن فقدانها لخمسة عناصر وجميعهم من فصيل “لواء الشمال الديمقراطي” جراء العملية الأمنية التي استهدفت في الوقت نفسه خلايا تابعة لتنظيم “داعش” وفي “مواجهة المجرمين من المُهرِّبين والخارجين على القوانين والأنظمة النافذة” بحسب بيان لـ”قسد”.
النظام والمعارضة يقتنصان الفرصة
وفي خضم القتال الدائر في المنطقة ظهرت دعوات من وجهاء عشائر للقتال ضد قوات سوريا الديمقراطية كان أبرزها دعوة نواف راغب البشير الموالي للنظام السوري والمقيم في الضفة الغربية لنهر الفرات حيث سيطرة المليشيات التابعة لإيران “لتحرير المنطقة من الاحتلالين الكردي والأميركي” وفق تعبيره.
وقال المركز الإعلامي لـ”قسد” الخميس، إن قواتهم تتخذ إجراءات إضافية لملاحقة مجموعات مسلحة تسللت إلى قرى في الريف الشرقي لدير الزور من الضفة الغربية لنهر الفرات، وإن تلك المجموعات “بدأت بالتحشيد للهجوم على قواتنا في قرى الريف الشرقي”، حيث تم إرسال العتاد من قبل جهات أمنية تابعة للنظام السوري مساء الأربعاء الماضي “في محاولة لإحداث الفتنة الأهلية خدمة لأجنداتها، بما فيها ضغوطات وتهديدات يتعرض لها وجهاء المنطقة من قبل تلك الجهات” بحسب البيان.
وفي السياق قال مدير المركز فرهاد الشامي إن قوات سوريا الديمقراطية لاحقت المتسللين من الضفة الغربية لنهر الفرات في قريتي الشحيل والذيبان كما قامت بعملية تمشيط في جديدة العكيدات بريف دير الزور الشرقي الأمر الذي اضطر المتسللين للهروب والعودة إلى مناطق سيطرة النظام وأن ثلاثة من المتسللين على الأقل قتلوا بحسب “قسد”.
اشتعال الجبهات
وفي مناطق سيطرة الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا في شمال وشمال شرقي سوريا تحرك مسلحون تابعون لفصائل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في عدد من خطوط التماس واستطاع مسلحون تابعون لفصيل “أحرار الشرقية” من السيطرة على نقطة عسكرية تابعة للجيش السوري النظامي في قرية المحسنلي بريف منبج، لكن سرعان ما دمرت النقطة العسكرية بغارة من الطيران يعتقد أنه روسي، صباح الجمعة.
كما استطاع مقاتلون من لواء “جبهة الأكراد” ولواء “ثوار إدلب” التابعين لـ”قسد” من منع تسلل مسلحي الفصائل على قرية البوهيج الواقعة بريف مدينة الباب الشرقي.
من جهته قال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لوكالة الصحافة الفرنسية إن مقاتلين عرباً مدعومين من إيران استغلوا المعارك الراهنة للانطلاق من الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام والاستيلاء على قريتين كان الأكراد يسطيرون عليهما.
واشتبك هؤلاء المقاتلون العرب مع القوات الكردية، بعد بث مقطع فيديو لزعيمهم يدعو العشائر العربية إلى الانقلاب على السلطات الكردية.
واشنطن تدعو لإنهاء الاقتتال
ودعت الولايات المتحدة إلى إنهاء الاقتتال الدائر في مناطق قريبة من حقل كونيكو للغاز في ريف دير الزور الشرقي حيث توجد قاعدة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
وقالت السفارة الأميركية في دمشق في منشور على منصة “إكس” الجمعة إن الولايات المتحدة “تشعر بالقلق العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة” في دير الزور وتدعو جميع الأطراف إلى وقف التصعيد.
وأضافت “نجدد تأكيدنا على تخفيف معاناة الشعب السوري، بما يضمن الهزيمة النهائية لتنظيم داعش من خلال التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية”.
وكانت القيادة الوسطى للجيش الأميركي “سنتكوم” قالت الخميس إنها “تواصل مراقبة الأحداث من كثب في شمال شرق سوريا (..) وتؤكد التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية لضمان هزيمة دائمة لداعش”.