
«الشرق الأوسط» في مهرجان ڤينيسيا -1: أوروبا وأميركا تتواجهان والعالم الثالث… ثالث
لاحت الغيوم الكثيفة في السماء ساعة ونصف الساعة قبل الوصول إلى مطار ماركو بولو في ڤنيسيا يوم أمس. بعد ساعة ونصف ساعة أخرى بدأ هطول المطر فوق المنطقة والأرصاد الجوية لا تتحدث عن يوم مشمس في الثلاثين من هذا الشهر، وهو اليوم الذي ينطلق فيه مهرجان ڤينيسيا في دورته الثمانين.
اختيار غريب
فيلم الافتتاح، كما ذكرنا هنا في إحدى الطلات المسبقة، سيكون الفيلم الإيطالي «قائد» Comandente الذي خلف الفيلم الأميركي «مُتحدّون» (Challengers) تبعاً لإضراب نقابة الممثلين الذي يمنع قيام الممثلين بالترويج لأفلامهم عبر إجراء المقابلات أو الإسهام في أي ظهور إعلامي له علاقة بالفيلم الذي ينتمي الممثل إليه. الفيلم من بطولة زندايا التي لم تشعر بالامتنان الكبير لهذا القرار، لكن كان لا بد لها أن تمتثل.
«قائد» فيلم عن وقائع حقيقية تتعلق بأزمة تتعرض لها طائرة حربية. إنه افتتاح غريب من حيث إن صلاحيّته كفيلم يتقدّم المناسبة تعتمد على إجادته الفنية والبحث عن العنصر الرئيس الذي من أجله يستطيع أن يٌطلق الدورة الجديدة. عملياً، لا أحد من ممثليه معروف خارج إيطاليا. حتى المخرج إدورادو دي أنغليز لم يسبق له أن حصد الاهتمام العالمي من قبل. قد يكون الفيلم ذا إنتاج كبير ما ساهم في قرار رئيس المهرجان ألبرتو باربيرا اختياره فيلم افتتاح، لكن عليه أن يكون جيداً ليشفع له ذلك أو لينطلق من هنا إلى ترشيحات أخرى، وفي مقدّمتها، كما هو التقليد منذ سنين، الأوسكار الذي بات الوصول إليه يمر عبر مهرجاني «ڤينيسيا» و«كان».
«قائد» يدور حول مصير طائرة عسكرية تتعرض لأزمة قد تودي بها، الفيلم الختامي «مجتمع الثلج» هو أيضاً حول طائرة تتعرض لأزمة مشابهة. الفيلم من إخراج ج. أ. بايونا حول طائرة مدنية تتعرض لعطل تضطر على إثره إلى الهبوط فوق ثلوج الإنديز، حيث سيكون حتماً على الركاب معاينة وضع خطر عنوانه «الصراع على البقاء حياً».
بين الطائرتين، يعرض المهرجان من مساء اليوم (30 أغسطس/ آب) إلى العاشر من الشهر المقبل 23 فيلماً في المسابقة و13 فيلماً خارج المسابقة. هذه الأفلام روائية إذ هناك 6 أفلام غير روائية تعرض أيضاً خارج المسابقة.
لكن هناك مسابقة مهمة ورسمية أيضاً هي مسابقة «آفاق» التي تضم 18 فيلماً ثم 10 أفلام خارجها، هذا عدا استعادات وتكريمات وأفلام قصيرة وأخرى مسجلة على أساس مشاريع دعم.
يرأس المخرج داميان شازيل، الذي كان عرض في هذا المهرجان فيلمين سابقين له، هما «لا لا لاند» و«رجل أول»، لجنة التحكيم الرسمية التي تضم ثمانية محلّفين بينهم الممثل الفلسطيني صالح بكري، والمخرجة الأسترالية جين كامبيون والمخرج الأيرلندي مارتن مكدوناه.
الغرب أولاً
بسبب عدم وجود ممثلين وممثلات مشهورين هذا العام، من المتوقع أن ينخفض عدد الصحافيين الذين يغطون المهرجانات الدولية طمعاً في المقابلات وعدد المصوّرين الصحافيين كذلك. لن يخلو الأمر من تغطية مواقع وصحف كثيرة لهذا الحفل، لكن الكتابة النقدية ستكون طاغية على الأرجح نسبة للأفلام المتسابقة وسواها، خصوصاً مع وجود أفلام أميركية كثيرة وعدد كبير من الأفلام الأوروبية الجديدة.
في عموم المهرجانات الأوروبية الرئيسية وغير المتخصصة بنوع أو نحو معين من الأفلام، نجد منافسة بين أفلام هوليوود والأفلام الأوروبية. هذا يعود بالطبع إلى حجم المنتَج من الأفلام في كلتا القارتين وحجم الأفلام المعروضة داخل أي مهرجان أوروبي عالمي.
هي ممارسة من الأمس البعيد باتت تفعيلاً تقليدياً لما يعرض ولما يفوز. الدول اللاتينية والدول الآسيوية عادة ما يكون لها حضور محسوب، لكنها تبقى قلّة.
في دورة هذا العام من مهرجان ڤينيسيا على سبيل المثال، وفي إطار أفلام المسابقة الرسمية، تجسيد لهذا التوزيع غير العادل من الأفلام المختارة.
6 أفلام أميركية 6 أفلام إيطالية، 3 فرنسية، ثم فيلم واحد من كل من: بريطانيا، ألمانيا، هولندا، بولندا، تشيكيا والسويد. ما يجعل النسبة الأكبر أوروبية (15 فيلماً) ويجعل عدد المنتسب من الأفلام «الغربية» (الولايات المتحدة وأوروبا) 21. هذا ما يجعل الحضور من شتى أنحاء العالم (باستثناء الغرب) فيلمين فقط، واحد من تشيلي والآخر من اليابان (لاتيني وآسيوي).
تؤثر لعبة الأمم هذه على النتائج ونكتفي هنا بالسنوات التسع ما بين 2013 و2022:
عدد الأفلام الأميركية الفائزة بالجائزة الأولى (الأسد الذهبي): 4.
عدد الأفلام الأوروبية الفائزة (بالجائزة نفسها) 4
عدد الأفلام غير الأميركية وغير الأوروبية التي نالت هذه الجائزة الأولى: 2 فقط. الفيلم الفلبيني «المرأة التي غادرت» للاڤ داياز (2016) والفيلم المكسيكي «روما» لألفونسو كوارون (2018).
يختلف الأمر قليلاً بالنسبة لمهرجاني «برلين» و«كان»، ويختلف أكثر بالنسبة لمهرجان «سان سابستيان» (الذي يعرض عدداً كبيراً من أفلام القارة اللاتينية). بالنسبة لمهرجاني «لندن» و«تورنتو»، فإنه من الصعب إدماج حاليهما في هذا الوضع، أولاً لأنهما ما زالا نوعاً من المهرجانات التي عرضت عدداً لا بأس به من الأفلام التي سبق اشتراكها في مهرجانات أخرى، وثانياً لأنهما لا يوزعان جوائز أساسية على نحو رسمي.
إذا ما عُرف السبب…
هذا ما يجب وضعه في الحسبان حين توجيه الأسئلة لبعض المخرجين من دول غير عربية عن السبب في عدم اختيار أفلام (على افتراض أنها تستحق دخول المسابقة العالمية) للمسابقات الرسمية وتحويل عدد كبير منها إلى المسابقات المساندة أو عرضها خارج المسابقة، حيث الوصول إليها محدود بعدد من لديه الرغبة لمشاهدتها في ذاتها.
لا يُخفى أيضاً أن هناك أفلاماً كثيرة باتت تحمل أسماء أكثر من دولة كجهات منتجة.
هذا العام، على سبيل المثال نجد «الأرض الموعودة» لنيكولاي أرسل يحمل ألوية سويدية، دنماركية وألمانية. فيلم «القبطان» لماتاو غاروني مشترك باسم إيطاليا – بلجيكا، وفيلم المخرجة البولندية أنييشكا هولاند يحمل أعلام بولندا وجمهورية تشيك وبلجيكا. وهناك أربع دول ساهمت في تمويل فيلم Holly لبيان تورتش، هي: بلجيكا، وهولندا، ولكسمبورغ وفرنسا.
كل هذا ما يجعل من الضروري البحث عن المصدر الأول للفيلم، أو «ذَ برودكشن هاوس» لمعرفة من أين انطلق الفيلم فعلاً.