إرث الشهيد السيد حسن نصر الله الخالد
شفقنا-حقق حزب الله تقدما كبيرا في المجال العسكري في عهد الأمين العام الشهيد حسن نصر الله، اذ حول حزب الله إلى قوة قتالية فعالة.
استشهد السيد حسن نصر الله، الذي كان أمينا عاما لحزب الله لفترة استمرت 32 عاما، وبعد عقود من النضال، مساء الجمعة 27 سبتمبر في الهجوم الجوي الذي شنه النظام الإرهابي الإسرائيلي على بيروت، مع مجموعة من رفاقه بينهم علي كركي قائد الجبهة الجنوبية لحزب الله.
وجاءت هذه الهجمات الكثيفة بعد سلسلة من العمليات الإرهابية المعقدة في لبنان، كانت المرحلة الأولى منها انفجارا في شبكة الاتصالات المكونة من آلاف البيجر، وكانت المرحلة الثانية ضربات جوية أدت إلى استشهاد عدد من كبار قادة حزب الله وعدد كبير من المدنيين، وأخيرا، نفذت إسرائيل، مساء الجمعة، موجة من الغارات الجوية على حارة “حريك” المكتظة بالسكان في الضاحية، استمرت لمدة 5 ساعات حتى يوم السبت.
صدرت أوامر مهاجمة مقر حزب الله من نيويورك بعد خطاب رئيس وزراء نظام الاحتلال في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي كلمة أشار فيها نتنياهو إلى أننا لن نتوقف حتى يتمكن مواطنونا من العودة إلى منازلهم بأمان، وأكد على استمرار الهجمات في لبنان حتى تتحقق أهداف إسرائيل المرجوة وقال إننا ننتصر. وبعد لحظات من الانتهاء من هذه الكلمة، نُشر خبر انفجار قوي في ضواحي بيروت.
وفقا للتقارير المنشورة، استخدم سلاح الجو الإسرائيلي 85 طنا من قذائف الهاون في الهجوم على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة. وتسببت هذه التفجيرات في تدمير ستة مباني متعددة الطوابق على الأقل بشكل كامل. ونظرا لاحتمال وقوع إصابات كبيرة، فإن استخدام مثل هذه القنابل في المناطق المأهولة بالسكان محظور وفقا لاتفاقية جنيف.
وفي أول رد فعل له بعد هذه العملية أكد نتنياهو أنه بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله فإن مهمة إسرائيل لم تنته بعد وستكون هناك تطورات وتحديات كثيرة في الأيام المقبلة، واعتبر ان القضاء على حسن نصر الله شرطا ضروريا للتغيير توازن القوى في المنطقة وخطوة مهمة لتحقيق الهدف المعلن وهو ضمان العودة الآمنة لسكان مناطق شمال إسرائيل إلى منازلهم وقال: نحن نواجه الآن نقطة تحول تاريخية. كما أيد الرئيس الأمريكي جو بايدن الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله بعد اغتيال نصر الله.
أقوى الشخصيات العربية
ان خسارة نصر الله البالغ من العمر 64 عاما، والأمين العام الثالث لحزب الله، الذي يتزعم حزب الله منذ عام 1992 بعد استشهاد السيد عباس الموسوي، في هذا الظرف الحساس لا تعوض ليس فقط لحزب الله ومحور المقاومة بشكل عام، بل لفلسطين بشكل خاص. كان حسن نصر الله من أقوى الشخصيات العربية وأكثرها تأثيرا في المنطقة، وقد ترك انطباعا خالدا في لبنان وفلسطين والمنطقة.
إن أحداث الأسبوعين الماضيين، وخاصة استشهاد نصر الله، كانت مريرة وثقيلة لحزب الله ومحور المقاومة برمته، وانتصار كبير لإسرائيل. أدى استشهاد نصر الله وغيره من قادة حزب الله إلى تغيير الرأي العام في إسرائيل، وخاصة عائلات الأسرى والمستوطنين النازحين، لصالح نتنياهو. هدف النظام الإسرائيلي من اغتيال نصر الله وغيره من كبار قادة حزب الله هو خلق فراغ في السلطة في حزب الله وتمهيد الطريق للمرحلة الثالثة من خطته، “الهجوم البري على لبنان”، لإعادة حزب الله إلى وراء نهر الليطاني وإنشاء منطقة عازلة لضمان أمن المستوطنات الصهيونية باتجاه الحدود وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم.
ترك نصر الله سجلا وإرثا متنوعا خلال فترة عمله كأمين عام. لقد كان خطيبا قويا واستراتيجيا ماهرا وشخصية متواضعة وقائدا كاريزميا له تأثير خارج لبنان. على الرغم من أن نصر الله لم يشغل شخصيا أي منصب حكومي، إلا أنه كان يُعتبر الشخصية الأقوى في لبنان. خلال فترة توليه منصب الأمين العام، أصبح حزب الله عاملا مهما في تغيير قواعد اللعبة، ليس فقط في لبنان بل في المنطقة. لعب حزب الله اللبناني دورا مؤثرا خلال قيادة نصر الله عسكريا وسياسيا واجتماعيا.
وتشكل حزب الله اللبناني عام 1982 بهدف محاربة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وإخراجه من البلاد، واعتبره مقدمة لتحرير فلسطين التاريخية. ويقول نصر الله عن سبب تأسيس حزب الله: “نتيجة الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 1982، تمكن جيش الاحتلال من احتلال جزء كبير من لبنان والسيطرة عليه. ومن جهة أخرى، ابتعدت الكثير من القوى التي كانت حاضرة في المشهد اللبناني عن المواجهة والقتال ضد جيش الاحتلال. فخطة احتلال لبنان من قبل إسرائيل صممت بدوافع وأهداف مختلفة: في جانب تعزيز هيمنة إسرائيل واحتلال لبنان أو تنظيم حكومة لبنانية بحيث تصبح حليفة لإسرائيل. وفي مثل هذا الوضع أدركنا أننا واجهنا خطر احتلال أرضنا. كان لزاما علينا أن نحمل السلاح ونقف في وجه الاحتلال… وفي مناطق مختلفة احتلتها إسرائيل، تشكلت المقاومة من مجموعات صغيرة. وكبرت هذه الجماعات واتحدت، وتشكل تنظيم اسمه حزب الله… وكانت العملية الاستشهادية هي العملية الأكثر وضوحا في هذه المرحلة”.
حقق حزب الله تقدما كبيرا في المجال العسكري في عهد الأمين العام نصر الله. لقد حول حزب الله إلى قوة قتالية فعالة. إن حرب تحرير لبنان والدفاع عنه ضد العدوان الإسرائيلي، مع انتصار عام 2000 وانسحاب إسرائيل من “المنطقة الأمنية” في جنوب لبنان، التي احتلتها منذ عام 1978، حولت حزب الله إلى قوة إقليمية وحققت شعبية كبيرة بين العرب. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنهي فيها إسرائيل احتلالها لأراض عربية من جانب واحد دون معاهدة أو ترتيبات أمنية، وكان حزب الله هو القوة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على الانسحاب من دولة عربية.
مكانة نصر الله لدى الرأي العام
تعززت مكانة نصر الله لدى الرأي العام في المنطقة واستقرت مع الحرب بين إسرائيل ولبنان عام 2006؛ الحرب التي بدأت بعد أن هاجم حزب الله الأراضي المحتلة لأسر جنود إسرائيليين ليتم تبادلهم مع أسرى لبنانيين وفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وعلى الرغم من الغارات الجوية الإسرائيلية المدمرة ضد لبنان، والتي رافقها غزو بري، وافق النظام الإسرائيلي على وقف إطلاق النار بعد 33 يوما من الصراع.
واعتبرت قدرة حزب الله على مقاومة إسرائيل بمثابة انتصار في العالم العربي، وبعد عامين وافقت إسرائيل على تبادل الأسرى وجثتي اثنين من جنودها. وفي عهد نصر الله، أصبح حزب الله قوة عسكرية كبرى في المنطقة، وبهزيمة إسرائيل في حرب الثلاثة والثلاثين يوما، تمتع جنوب لبنان بعقدين من السلام غير المسبوق. وصل نصر الله إلى ذروة شعبيته في لبنان والمنطقة عام 2006 بعد الحرب مع إسرائيل وصار بطلا لدى الرأي العام.
وفي أكتوبر 2021، قال نصر الله إن حزب الله لديه 100 ألف مقاتل، مما يجعله أحد أقوى القوى غير الحكومية في العالم. وبعد يوم واحد من عملية طوفان الأقصى، بدأ حزب الله، دعما وتضامنا مع الفلسطينيين، بمهاجمة المواقع الإسرائيلية على طول الحدود التي يبلغ طولها 120 كيلومترا بين لبنان وإسرائيل؛ حادثة مستمرة حتى يومنا هذا.
ان جهود حزب الله بقيادة نصر الله، إلى جانب ما قام به أعضاء محور المقاومة الآخرين، بما في ذلك أنصار الله في اليمن والمقاومة العراقية تحت عنوان “وحدة الساحة” بهدف تخفيف الضغط على الفلسطينيين ووقف إطلاق النار في نهاية المطاف وبهذا قد مارس ضغوطا كبيرة على إسرائيل في العام الماضي.
حزب وطني شامل
وكانت مبادرة نصر الله المهمة الأخرى هي تحويل حزب الله من حركة مسلحة محلية إلى حزب وطني شامل، أو بعبارة أخرى، أكبر حزب سياسي في تاريخ لبنان المعاصر. وفي حديث قال نصر الله حول سبب نشاط حزب الله السياسي والبرلماني: في مواجهة الادعاء بأن حزب الله حركة مسلحة بلا قاعدة شعبية ووطنية، حاولنا أن نظهر لأصدقائنا وأعدائنا أن حزب الله حركة شعبية لها قاعدة واسعة في لبنان. كما أن المقاومة العسكرية تحتاج إلى دعم سياسي في كل الأوقات وفي كل الأوساط. وعند دخول مجلس النواب تم ذلك وتم دعم المقاومة. والسبب الآخر هو توفير الخدمات والإمكانيات، خاصة للمناطق التي توجد فيها مقاومة وبسبب إهمال الحكومة فهي في حالة حرمان وضعف الإمكانيات.
ومع تشكيل الجناح السياسي، أصبح حزب الله لاعبا جديا في لبنان وشارك في الانتخابات اللبنانية لأول مرة عام 1992، بترشيح بعض أعضاء حزب الله. ونتيجة لهذه الاستراتيجية، تمكن حزب الله في البداية من الفوز بثمانية مقاعد في البرلمان اللبناني. وفي الفترات التالية، زاد عدد ممثلي حزب الله في البرلمان، وتمكن حتى من ضم أشخاص إلى الحكومة وأصبح لاعبا مهما على الساحة السياسية.
المصدر: صحيفة اطلاعات
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية