الحرب الفلسطينية الأطول.. القدس وإن طال السفر | مقالات

حرب طوفان الأقصى التي انطلقت يوم السابع من أكتوبر تشرين أول 2023 ولا تزال مستمرة حتى الآن هي الأطول في تاريخ النضال الفلسطيني.

مر أحد عشر شهرا، وغالبا ستزيد عن العام، وحتى في حال التوصل إلى اتفاق قريب لوقف الحرب فإن تنفيذه سيستغرق أكثر من 3 أشهر، وبذلك تكون هذه الحرب هي الأطول، وبفارق كبير عن حرب 1948 التي لم تكمل 10 أشهر (15 مايو/ أيار 1948 – 10 مارس/ آذار 1949 أي 9 أشهر و3 أسابيع ويومين).

ليست الحرب الأطول للتحرير عالميا- وليس عيبا أن تكون-، شعوب كثيرة ناضلت سنوات وعقود أطول، ولم تستسلم حتى نالت حريتها في نهاية المطاف، فما ضاع حق وراءه مطالب مهما طال الزمن، نتذكر هنا الجزائر التي استمرت معركتها لنيل حريتها واستقلالها 132 عاما (1830-1962)، وساحل العاج التي ناضلت 117 سنة حتى نالت استقلالها عن فرنسا (1843–1960)، وجمهورية إفريقيا الوسطى التي نالت حريتها بعد 160 عاما من الاحتلال (1800-1960)، وجزر القمر بعد  134 عاما (1841-1975)، والكونغو بعد 80 عاما (1880-1960)، ومصر التي نالت استقلالها بعد 72 عاما من الاحتلال البريطاني (1882-1954).

لا نتمنى بالتأكيد أن يتأخر استقلال فلسطين كما حدث لدول أخرى، ولكن القصد هنا هو تأكيد أن الشعوب لا تفرط في حريتها واستقلالها مهما طال الزمن، ومهما بذلت من تضحيات، بل تورث حقها لجيل بعد جيل حتى تحقق حلمها.

سجل المقاومة

معارك الشعب الفلسطيني من أجل حريته واستقلاله بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال البريطاني ومن بعده مباشرة صدور وعد بلفور في العام 1917، وبعد شعور الفلسطينيين بالخديعة خصوصا مع إعلان وطن قومي لليهود عام 1920 بدأت المقاومة ومن أبرز محطاتها ما حدث بمدينة يافا في أبريل/نيسان 1920 ليلة الاحتفال السنوي لموسم النبي موسى، وقتل في المواجهات 5 يهود، وجرح أكثر من 200، وخرج الفلسطينيون في مدينة يافا في مايو/أيار 1921 مطالبين بإسقاط وعد بلفور، ونظم الفلسطينيون صفوفهم من خلال جمعيات إسلامية ومسيحية، والمنتدى العربي والنادي العربي، وعقدوا 3 مؤتمرات وطنية بين 1919، و1922، وانتخبوا لجنة تنفيذية ، وأرسلوا وفودا إلى لندن للمطالبة بحقوقهم، وسط تجاهل بريطاني.

من المحطات المهمة في النضال الفلسطيني ثورة البراق 1929 ضد تهويد القدس، ثم ثورة القسام (1935) التي قادها عز الدين القسام، والذي تنسب إليه كتائب حماس حاليا، ولا ننسى الثورة العربية الكبرى(1936-1939) التي قادها الحاج أمين الحسيني، ثم حرب النكبة عام 1948، ومن بعدها العديد من المحطات النضالية وصولا إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 ، وما تلاها من إقامة حكم ذاتي منقوص، والثانية عام 2000، وما تلاها من انسحاب إسرائيلي أحادي من غزة عام 2005، ثم اجتياح غزة عام 2008، و2012، و2014، وصولا إلى معركة سيف القدس 2021 والتي شهدت ظهور أسلحة جديدة للمقاومة وصواريخ وصلت إلى تل أبيب.

خلال نضالها الممتد لأكثر من مائة عام والذي بدأ من العام 1920 ضد الانتداب البريطاني والوجود اليهودي، والممتد عبر 76 عاما منذ النكبة في 1948 طور الشعب الفسطيني أدواته النضالية، بين المظاهرات، والعمليات الفدائية، والاستشهادية، كما طور أسلحته من المقلاع إلى القذائف والصواريخ التي وصلت إلى عمق الكيان الصهيوني مجتازة القبة الحديدية في كثير من الأحيان، كما حقق الشعب الفلسطيني خطوات أولية على طريق التحرير الكامل، منها سلطة الحكم الذاتي، وإن ظلت منقوصة ومحاصرة في المقاطعة، ومنها اعتماد فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، ولا تزال المعركة مستمرة لنيل العضوية الكاملة بعد أن اعترفت بها 147 دولة حتى الآن.

المقاومة هي التي أجبرت الاحتلال على قبول الحكم الذاتي، وهي التي أجبرته على الانسحاب من غزة في 2005، والتي أجبرته على الانسحاب من حي الشيخ جراح عام 2021، والانسحاب من غزة في كل الاجتياحات السابقة.

المعركة الأشرس والأطول

معركة طوفان الأقصى هي الأشرس والأطول، وهي لم ولن تقتصر على غزة رغم كل المحاولات الدولية لعدم توسعها، فها هي الضفة الغربية تدخل على الخط بعمليات نوعية مؤثرة، وها هي عمليات الإسناد من لبنان شمالا إلى اليمن جنوبا، إلى إيران شرقا، وإلى اشتباكات على الحدود المصرية غربا، وها هي المظاهرات الرافضة للعدوان تجتاح كبريات الجامعات الأمريكية والغربية عموما التي خرجت أجيالا داعمة للاحتلال من قبل، هي معركة ممتدة زمانا ومكانا، وشعوبا وأجناسا، هي إذن المحطة الكبرى حتى الآن في مسار التحرر والاستقلال، والأمل معقود أن تنتهي بتحرير كل فلسطين وفي القلب منها القدس.

ولنردد مع الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح أبياتا من قصيدته “لابد من صنعاء وإن طال السفر” مع تبديل القدس بصنعاء

يوماً تغنى في منافينا القدر

لابد من (القدس) وإن طال السفر.

لابد منها.. حبنا أشواقها

تذوى حوالينا إلى أين المفر.

إنَّا حملنا حزنها وجراحها

تحت الجفون فأورقت وزكا الثمر.

(القدس) وإن أغفت على أحزانها

حيناً وطال بها التبلد والخدر.

سيثور في وجه الظلام صباحها

حيناً ويغسل جدبها يوما مطر